"أفهم." كان صوته هادئًا، مثل بحيرة ساكنة خالية من أي تموجات. عيناه، وتعبير وجهه، وهيئته جميعها بدت مرتخية.

ثم وقف أمام النافذة، ويداه خلف ظهره، وعيناه معلقتان على الحصن المغطى بالثلوج.

"إذًا… صاحب السمو قد قام بأول حركة. أشعر وكأننا نلعب شطرنجًا وأنا الخاسر."

نهض كيلفن قائلاً:

"يا سيدي، لن يجرؤ صاحب السمو على إساءة معاملة السيدة ماري، ليس وهو يريد دعم الشمال له."

نظر آشر إليه من طرف عينيه، محدقًا فيه بنظرة حادة.

"لن أقدّم أختي لأجل سياسات النبلاء! وإن كانت هناك أي عائلة نبيلة داخل أراضيّ تودّ قول غير ذلك، فلتأتي إليّ شخصيًا."

ارتجف كيلفن، وعيناه شاخصتان نحو آشر الواقف هناك.

في الحقيقة، لم يكن كيلفن ولا لوردات الشمال يرون هذا التطور أمرًا سلبيًا بالكامل.

فهل من الحكمة إعلان الحرب على صاحب السمو، خاصة مع وجود أعداء في الظلال ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض؟

كان كيلفن قد قرأ عن العديد من نساء آل آشبرن، بل وحتى بعض الرجال، الذين تزوجوا من عائلات أخرى لبناء تحالفات قوية.

قال آشر بحزم:

"لا ترسل أي رد بعد. سنبدأ أولًا بالوليمة لرجالي، ثم أرسل ردي إلى صاحب السمو بعد أن أسأل ماري عن رغبتها."

انحنى كيلفن باحترام.

"والآن، تأكد من أن لا أحد يذهب لإقناعها بغير ذلك، وإلا سأطعمهم لسيريوس."

اتسعت عينا كيلفن رعبًا.

غادر بخطوات سريعة، تدوي أصداؤها في الممر الحجري الواسع.

فتح باب القاعة الرئيسية بعنف، متوجهًا بعزم نحو وسطها.

أشار إلى أحد الخدم القريبين:

"سلّم هذه الرسائل إلى فيلق الرسل."

صوته كان حازمًا وآمرًا.

"وأخبرهم أن هذه الرسائل موجّهة إلى جميع اللوردات. يجب أن يُنقل استياء الدوق لهم بوضوح."

اتسعت عينا الخادم عند سماع كلمة "استياء الدوق"، فانطلق راكضًا بسرعة.

بعد لحظات، انطلقت مجموعة من الصقور عبر السماء، أجسادها الرشيقة تخترق الغيوم، تحمل صناديق صغيرة مربوطة على ظهورها — تلك الرسائل المختومة التي ستصل إلى الأراضي البعيدة.

---

كانت كاترينا تقف على قمة الجبل المغطى بالثلوج، والحراس يقفون على مسافة احترام، ظلالهم السوداء تتباين مع البياض الذي لا نهاية له.

من هذا الارتفاع الشاهق، بدت الأرض أدناه كعالم نقي وهادئ من الثلج الخالص.

كان الشهر الأخير من الشتاء قد حلّ، لكن الثلوج لم تتوقف، بل ازدادت كثافة، تتساقط من السماء الرمادية في رقائق ثقيلة تغطي كل شيء بصمتٍ عميق.

معطف كاترينا الصوفي الرمادي التصق بجسدها النحيل، حامياً إياها من الرياح الباردة التي عصفت بالقمة.

ارتعشت رموشها وهي ترمش في وجه الرياح، وأنفاسها الصغيرة شكلت سحبًا بيضاء تذوب سريعًا في الهواء البارد.

لسعت البرودة وجنتيها، لكن عينيها لم تفقدا بريقهما وهي تحدق في الأفق المغطى بالثلوج.

حينها، اخترق صوت الآلة الخشبية الهواء النقي — المصعد الخشبي يصعد نحو القمة.

توجهت نظراتها نحوه، فابتسمت حين رأت آدم يخرج من المصعد، ضخم الجسد، مرتديًا درعًا أسود ثقيلًا، تعلو كتفيه مسامير ضخمة تضيف لهيبته.

كان شعره الطويل يتطاير في الرياح، بينما يحمل خوذته تحت ذراعه.

خطا بثقل على المنصة الخشبية، مسح المكان بنظرة سريعة قبل أن يثبت عينيه على كاترينا بدهشة.

"السيدة كاترينا،" قال بصوت عميق يحمل فضولًا.

"ما الذي جاء بك إلى هذه الأسوار؟"

أجابت بابتسامة هادئة:

"أردت أن أتنفس هواء الجبال هذا."

ضحك آدم بخفة، "إنه الأفضل فعلًا."

اقترب منها ووقف بجانبها، ينظر إلى المنظر الثلجي الممتد أمامهما.

ثم تغيّر صوته، وأصبح منخفضًا وجادًا:

"بينما كان الدوق بعيدًا، يعقد التحالفات ويؤمّن مستقبلنا، وافقنا على خطبة آخر فرد من عائلته — من يتشاركه الدم — لصاحب السمو."

تثاقلت كلمات آدم في الهواء، وغرقت كاترينا في صمت حزين، قلبها يهبط بثقل القلق.

خفض صوته أكثر حتى أصبح همسًا:

"ما الذي تتوقعينه عندما يعود الدوق ويعلم بما فعلناه؟"

وضعت يدها على صدرها، محاولة تهدئة الاضطراب داخلها.

قالت بصوت مرتجف:

"لقد وافقنا على الخطبة، لكننا لم نرسل الرد رسميًا لصاحب السمو، على أمل أن نتراجع إن استدعى الأمر... لكننا نعلم أن الرفض سيكون إعلان حرب. وإذا انتهز أعداؤنا الفرصة، فسينهار دفاعنا ويُدمر كل شيء."

ثم أكملت بعد لحظة صمت:

"لو كنت مكانها، لفعلت الشيء نفسه."

تنهد آدم بعمق، صوته مملوء بالتعاطف.

"لقد منحنا اللورد آشر كل شيء،" قال بحزن.

"أعطانا حياة جديدة، وأرضًا لننتمي إليها… والآن تطلبين منه أن يتخلى عن أغلى ما يملك؟ الشخص الوحيد الذي يربطه به الدم؟"

نظرت إليه كاترينا بثبات.

"لم أفعل."

رد آدم بثقة:

"لقد اتفقنا أن السلام يمر عبر قبول هذا الطلب… لكن لا أحد قال إننا سنلتزم به فقط."

ثم رفع صوته، وقد امتلأ إيمانًا:

"إن اختار اللورد طريقًا آخر، فسأقف خلفه بلا تردد!"

في تلك اللحظة، خرج رجل يرتدي معطفًا أسود من المصعد، يمشي بخطوات ثابتة، وعلى كتفه صقر ضخم يراقبهما بعينين لامعتين.

"السيدة كاترينا، اللورد آدم. رسالة من الوصيّ."

---

نظرت كاترينا إلى الرسالة، وملامح وجهها تتبدل شيئًا فشيئًا نحو الكآبة.

اتسعت حدقتاها، واهتزّ بصرها وهي تقرأ الكلمات.

سألها آدم بقلق:

"ما الأمر؟"

أجابت بصوت مرتجف:

"الوصي كتب هذا... الدوق غاضب من قراراتنا، وقد استدعاك أنت والفيلق الأمامي بأكمله إلى نينوى."

اتسعت عينا آدم في صدمة، ووجهه شحب.

"ماذا؟!"

حتى الآن، كان عليه أن يتحكم في صوته كي لا يدمر كل ما حوله بموهبته.

---

رجل ممتلئ الجسد قليلًا، ذو ذراعين عضليتين، وقف على شرفة قصر فخم لا يشبه أي قصر يبنيه نبلاء أدنى مرتبة.

على الرغم من أنه بارون، إلا أن كلود فليم هارت كان أغنى رجل في دوقية آشبرن.

كان يتكئ على السور الحجري، يطلّ على المدينة النابضة بالحياة أدناه.

كانت المدينة تعج بالحركة، ويقطنها أكثر من مئةٍ وعشرين ألف نسمة، بما في ذلك الجنود.

وبصفته حاكمًا لأحد أكبر مدن الدوقية، ذات أراضٍ واسعة تمتد إلى ما وراء جوشن، كان كلود يتوق إلى لقبٍ أعلى يليق بأرضه — لقب "الفيكونت" سيكون مناسبًا جدًا.

كان يعلم أن آشر يراقبهم، ينتظر إنجازًا يستحق أن يُكافأ عليه بمكانةٍ أرفع.

خلفه وقف حارسه المخلص، نيكولاس، أقدم وأقوى فارس في جوشن.

بعد انضمامه إلى جيش آشبرن، رفعت ترقيات آشر المتكررة مستواه من "رتبة ذهبية" إلى "فارس ماسيّ مكتمل".

كان الفرسان هم رجال النبلاء، يجيدون القتال وركوب الخيل — الأساس لأي جيش نبيل.

لكن تصنيفاتهم كانت ذات أهمية كبرى:

فالفرسان الذهبيون مبتدئون، مهما بلغت أعمارهم أو خبراتهم.

أما الفرسان الماسيون فهم المحاربون المخضرمون، عماد ساحات القتال.

كانت الدوقية تفتخر بامتلاك أكثر من عشرة آلاف فارس مكتمل!

أما الفرسان من رتبة "المقدّس"، فهم أبطال المعارك، أولئك الذين يقتلون المئات قبل أن يسقطوا.

ولم يكن في جوشن أي "فارس مقدس" — ولا حتى في الدوقية بأكملها — حتى ظهر أليك، نصف إنسان ونصف تنين.

كان أولهم، وبعده جاءت قوات جديدة: "الفرسان الرماديون" و"فرسان المعبد القرمزي"، رجال قادرون على سحق ثلاثة أضعاف عددهم!

وبينما كان كلود غارقًا في أحلامه بالترقي والسلطة، اقترب منه خادمٌ وانحنى قائلًا:

"سيدي، وصلت دفعة جديدة من زيت الزيتون الدائم الخضرة. هل نرسلها إلى السوق؟"

أومأ كلود ببرود:

"افعل."

ثم انسحب الخادم، مارًّا برجل يرتدي معطفًا أسود يحمل رسالة مختومة.

انحنى الرجل وقال بنبرة محترمة:

"سيدي، رسالة من الوصيّ."

رفع كلود حاجبًا، وحدق فيه باهتمام.

رسالة من اللورد سلفاتور نفسه؟

لا بد أن شيئًا خطيرًا يحدث.

---

2025/10/18 · 35 مشاهدة · 1077 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025