بينما كان آشر يمتطي جواده متجهاً نحو البوابات، انقسمت الجموع على جانبي الطريق بسرعة، وانحنى الناس احترامًا، مفسحين له الطريق.

امتلأ الجو بمزيجٍ من الفضول والرهبة، فوجود آشر وحده كان كفيلاً بإثارة الانتباه — هيبته وسلطته لا يمكن إنكارهما.

نظر نحو الحصن الحديدي القابع عند زاوية الجبل، تعكس جدرانه ضوء الشمس.

كان ذلك المكان مصدر رعبٍ للجميع، بغضّ النظر عن مدى قوتك — فبمجرد أن تدخل أسواره، يصبح القائمون عليه سادة مصيرك.

بعد لحظات، جلس آشر متربعًا في غرفة صغيرة، أمام طاولةٍ تعجّ بالمخططات.

كانت فوقها أوراق صفراء وبيضاء، وريشات كتابة، ومحابر جافة، وعدة مجسماتٍ خشبية صغيرة تشبه المقاليع والمنجنيقات والمصاعد وآلات أخرى جذبت انتباهه كما تجذب الجيفة الذباب.

بعينين متسعتين من الدهشة، أمسك أحد تلك المجسمات. كان هيكلاً مستطيلاً على أربع عجلات، وفي مقدمته ما يشبه المقلاع.

لكن السهم كان يخرج من فم رأس ذئبٍ منحوت، وكان حجم السهم ثلاثة أضعاف الأسهم المستخدمة حاليًا في المقاليع.

وكانت هناك أشواك أفقية على العارضة المسطّحة، وأخرى عمودية على العارضتين المائلتين اللتين تحملان رأس الذئب، صُمّمت لتثقب كل من يقترب.

حتى العجلات كانت مزوّدة بأشواك!

كان هذا أشبه بنسخةٍ بدائية من دبابةٍ حديثة. الشيء الوحيد الذي أراد آشر معرفته هو: كيف تتحرك؟

مدفوعًا بجوعٍ معرفي، قلّب الأوراق حتى عثر على ورقةٍ صفراء تحتوي على رسوماتٍ تفصيلية للمجسم.

كان مكتوبًا عليها: مُدمّر الذئب العملاق!

ولدهشته الكبرى، اكتشف آشر أن هذه الآلة يمكن قيادتها بواسطة الإنسان، لكنها تتطلب أحجار الالتواء لتشغيلها!

كاد ينهار من الصدمة. أطلق تنهيدةً ثقيلة ووضع النموذج جانبًا، لتقع عيناه على مجسمٍ آخر شدّ انتباهه.

كان مقلاعًا أكبر من البقية، ذو رأسٍ معدني على شكل تنينٍ ومخالب تنينٍ عند القاعدة.

كانت سهامه بحجم سهام مدمّر الذئب، لكن هذا المقلاع التنيني بدا مخصصًا لجدران المدن.

يكفي حجمه وحده ليتطلب جدارًا كـ«الجدار الفاصل العظيم» لتركيبه!

ووفقًا للتفاصيل المكتوبة على المخطط، يمكن لهذا المقلاع أن يطلق لمسافة تزيد عن ألفي ياردة بدقةٍ تعادل قوسياً من رتبة الماس!

ولحسن الحظ، وُجد منه نوعان: الخفيف والثقيل.

النوع الثقيل يمكنه إصابة هدفٍ على بعد 2000 ياردة بدقةٍ مذهلة، بينما يبلغ مدى النوع الخفيف 1200 ياردة — وكلاهما يتفوقان على المقاليع الحالية التي تكافح للوصول إلى ألف ياردة فقط.

وكأن هذين الاختراعين المذهلين لم يكونا كافيين، فوجئ آشر باختراعٍ ثالث.

أمامه كانت نسخة مصغّرة من الهواتشا — السلاح الكوري الشهير الذي يطلق مئة سهمٍ في دفعةٍ واحدة!

كان هذا السلاح دفاعيًا بطبيعته، لكن النسخة المعروضة كانت مثبتةً على هيكلٍ مستطيل ذي ثماني عجلات، الوسطى منها أكبر لأنها تحمل الوزن الرئيسي.

في المقدمة كان هناك درعٌ معدنيٌّ مقوّى مع شوكتين فولاذيتين ضخمتين، والعجلات الأمامية مصنوعة من الفولاذ أيضًا.

وراء تلك الجبهة الحديدية، كان الهيكل الخشبي يحمل الهواتشا، وبعد مترٍ واحدٍ منها كان هناك نموذجٌ مصغّر لبرج حصار!

كان اسمه تيتان إكس.

يمكن لهذه الآلة أن تنقل الرماة إلى ساحة المعركة، وتحميهم من المقاتلين القريبين، بينما يُمطرون الأعداء بوابلٍ من الأسهم من أعلى البرج.

أما الهواتشا فكانت تطلق مئة سهمٍ في كل دفعةٍ نارية!

لو أمكن تصنيع كل هذه الآلات، فآشر كان يرى بوضوح أن مستوى التقنية في إقطاعيته سيرتفع إلى الدرجة الكاملة 10/10!

سيصبح أعداؤه عاجزين ومثيرين للشفقة أمام هذه الآلات الحربية، غير أن مسألة تطبيقها العملي كانت موضع شك.

وبينما وقعت عيناه على مخططٍ آخر لآلةٍ تُدعى منجنيق الأورك الحصارية — آلة حربٍ تُسحب بواسطة ثلاثة ذئابٍ سود عملاقة — سُمع صرير الباب وهو يُفتح.

دخل رجلان بخطواتٍ ثقيلة، يرتديان مآزر مهترئة تدلّ على مهنتهما الشاقة.

كانت بشرتهما داكنة من أثر الساعات الطويلة التي قضياها تحت الشمس من الفجر حتى الغروب، وبرزت عضلاتهما القوية تحت ملابسهما.

أحدهما، آرك وايت، كان حليق الوجه، وشعره الكتفي بلون رمادي مائلٍ إلى الأبيض، أما الآخر دان، القادم من إنتيس، فكان ذا شعرٍ أسود كثيف ولحيةٍ كثةٍ تُضفي على ملامحه طابعًا خشنًا.

قال آرك وايت بانحناءةٍ عميقة:

"أعتذر عن تأخرنا يا سيدي."

تبعه دان في الانحناء، لكن قبل أن يجلسا، أمطرهما آشر بوابلٍ من الأسئلة:

"من صمّم هذه النماذج؟ متى أصبح لدينا مخترعٌ داخل أسوارنا؟ ولماذا لم يُعرض عليَّ أيٌّ من هذه التصاميم سابقًا؟"

تبادل دان وآرك نظرةً صامتة، ثم تنحنح آرك قائلاً:

"أنا من رسمها يا سيدي."

اتّسعت عينا آشر بدهشة.

"أنت؟ أنت من صمّم كل هذا؟" قالها بنبرةٍ مذهولة.

أومأ آرك بثباتٍ قائلاً:

"بعد وفاة أولادي، لم أعد قادرًا على متابعة الحدادة. لذلك عدت إلى شغفي القديم — الاختراع. كنت مخترعًا منذ صغري، لكن أفكاري كانت تُسخر وتُرفض، بل أُحرقت تصاميمي الأولى. غير أنني أؤمن أن هذه التصاميم الجديدة تفوق كل ما ابتكرته في شبابي."

ضحك آرك بخفة، وعلى وجهه لمحة حنين.

تذكّر آشر حينها أن أحدهم أبلغه سابقًا بأن آرك وايت هو العقل المدبّر وراء نظام المصاعد المبتكر في آشكلون. آنذاك، اعتبر الأمر مجرد صدفةٍ عبقريةٍ عابرة وكان ينوي مكافأته لاحقًا.

لكن الآن، وهو يرى هذه التصاميم أمامه، أدرك أن موهبة آرك وايت تتجاوز حدود الخيال.

هذه الآلات يمكنها أن تفتتح عصرًا جديدًا من الابتكار والتقدّم، وأشعلت في صدر آشر رغبةً جامحة لاستكشاف مدى عبقريته بالكامل.

قال آشر وعيناه تتلألآن بالطموح:

"ما الذي نحتاجه لنُحيي هذه الآلات إلى الواقع؟"

2025/10/18 · 24 مشاهدة · 789 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025