عدل آرك وايت جلسته، وشبك أصابعه على الطاولة قبل أن يزفر ببطء، وكان صوت أنفاسه همسًا خافتًا في الغرفة الساكنة.

كان الهواء مشبعًا برائحة الورق القديم وحموضة الحبر الخفيفة، تذكيرًا بالساعات الطويلة التي قضاها الرجل وهو يتصفح المخطوطات القديمة ويرسم التصاميم الدقيقة لتلك الآلات الغامضة.

قال بصوت هادئ متزن يخفي خلفه توترًا خفيفًا:

"الأمر مرهق جدًا يا سيدي."

"أولًا، سنحتاج إلى أشجار بلوط عملاقة، وهي غير موجودة في نطاق الدوقية، إضافة إلى كميات كبيرة من خام الوارب."

رفع نظره إلى آشر، وكان في عينيه بريق جادّ:

"أعلم أنك منحتنا خام الوارب لصناعة الخناجر. وقد صنعناها فعلًا، لكن هذا الخام يمتلك خصائص عظيمة: خفة، صلابة، وهو المعدن الوحيد القادر على امتصاص قوة هائلة دون أن يتكسر."

ثم أضاف بحماس لم يستطع إخفاءه:

"بسبب هذه الخواص يمكن تحريك تلك الآلات، ولكن بما أن أحجار الوارب لا تستجيب إلا لدمك يا سيدي، فسيتعين علينا تدريب سحرة يقودونها، بعد أن يتم حقنهم بدمك."

أشار برأسه نحو مجسم المنجنيق الأوركي الموضوع في زاوية الطاولة قائلاً:

"باستثناء هذه، فهي تحتاج فقط إلى خشب البلوط العملاق وثلاثة ذئاب سود ضخمة لجرّها."

انحنى آشر للأمام، وعيناه تتقدان دهشة وإعجابًا:

"هذا..."

لكن صوت دان قاطعه بنبرة واثقة، تنضح بالفخر:

"يمكننا إنتاجها يا سيدي. آرك مخترع من الدرجة العليا، وحدّاد من الدرجة الرفيعة. ومع اجتماع المهارتين في شخص واحد، فهو ببساطة عبقري."

وتابع قائلاً وقد تلألأت عيناه:

"تشكيل حجر الوارب ساعد مجتمع الحدادين كثيرًا، فمعظمنا اكتسب معرفة جديدة وتمكن من الترقية إلى درجات أعلى."

ثم ابتسم بفخرٍ ظاهر:

"أنا الآن حداد من الدرجة العليا، وبمساعدتي لن يكون تنفيذ هذه التصاميم أمرًا صعبًا."

سأل آشر بتركيز:

"أين يمكن أن نجد أشجار البلوط العملاقة؟"

أجاب آرك بصوت متزن:

"توجد غابات منها في مقاطعة أداموس. يمكننا تأمين إمداد مستمر منهم، لكنهم سيطلبون مقابلًا."

أومأ دان بتفكير.

فقال آشر:

"سأرسل إليهم رسالة. سنمنحهم خصومات على ما يشترونه من الدوقية."

بقيت عيناه معلقتين بالمجسمات الصغيرة، وعقله يغلي بالأفكار. تخيل مستقبلًا تمشي فيه هذه الآلات فوق ميادين القتال، معلنة ولادة عصر جديد من القوة والتطور.

"علينا البدء بتدريب سحرة القيادة فورًا،" قال بحزم.

"سأبلغ القائد أكويلا، وأرسل أمرًا للقائد بول بشأن الـTitan X، فهي الآلة المثالية لفِرَق الرماة."

أومأ الحدادان موافقَين.

ثم رفع آشر نظره نحو آرك وسأله:

"وماذا عن الخناجر؟"

أجاب دان بسرعة:

"لقد صنعنا مئة قطعة حتى الآن، أي أن لديك مئة ملاك جاهزين لأي مهمة."

قال آشر:

"جيد. أرسلوهم إلى الفردوس."

ثم طلب مخططات دروع من رتبة الذهب، وغادر ورشة الحدادة، مثقل الفكر بالمسؤوليات التي لا تنتهي.

قبل أن يعود إلى نينوى في المساء، غرق في دوامة من العمل المتواصل، محاولًا سد الفراغ الذي تركه كيلفن، الذي لم يكن يملك الصلاحيات الكافية للتصرف.

كل ليلة كان يتدرب على السيف، محاولًا تهدئة اضطرابه الداخلي بإيقاع القتال المنتظم.

لكن في اللحظة التي كان يشهر فيها "إيثامار"، كان السيف يستيقظ وكأنه كائن حيّ، وقوته تتدفق في جسده كعاصفة، تحاول التهامه.

تحولت الأيام إلى أسابيع، وبدأت أفكاره تتعمق في طبيعة موهبته الغريبة — دم الشورا القديم.

في الآونة الأخيرة، كلما استخدمها، كان يشعر بأن الغضب يلتهم وعيه، فيصبح كائنًا مملوءًا بحقد المئات: كره، ندم، كبرياء، ازدراء.

تلك المشاعر كانت مشاعر لوردات آشبورن السابقين، تتصارع داخله كعاصفة لا تهدأ.

كل هذا بدأ حين ارتبط وعيه بجميع اللوردات القدامى. سابقًا، كان الاتصال محصورًا في الدوقات الأربعة، فكان يحتفظ ببعض اتزانه حتى وهو في طور الشورا، أما الآن فقد صار يخشى أن يفقد السيطرة ذات يوم…

أن يستيقظ فوق ساحة تغصّ بالجثث، أصدقاء وأعداء، جميعهم قتلا بيده.

لقد تحولت موهبته إلى لعنة، تكبر في داخله مثل زهرة مظلمة تتفتح ببطء.

حتى الآن، كان يشعر بأنها على وشك الترقية إلى الرتبة التالية — زينيث، وهذا وحده بثّ في نفسه شعورًا مقلقًا.

تذكر حينها نظرة لوكاس أداموس، تلك النظرة التي اخترقت أعماقه، كأنها رأت الجانب المظلم فيه.

خطوة بعد أخرى، نزل الدرج الحلزوني نحو الأسفل، والظلام يبتلعه شيئًا فشيئًا، حتى بلغ القاع.

وفور أن لامست قدمه الدرجة الأخيرة، اشتعلت المشاعل على الجدران، وألقت بظلال راقصة على الحجر البارد.

مدّ يده يلمس السجلات القديمة لعائلة آشبورن، الجلد المهترئ يحكي ثِقل التاريخ الكامن فيها.

رفع نظره إلى الخطاف المثبت على الجدار، وارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة وهو يتخيل اليوم الذي سينزل فيه أولاده من هذا الدرج نفسه.

ثم وضع السيف المكسور برفق إلى جانب الحائط، وعيناه تتأملانه بحزن واحترام.

لم يستطع أي حداد إصلاحه، إذ كان المعدن غريبًا، أشبه بماء يرفض أن يُشكَّل حتى بالنار.

همس بصوت خافت:

"إيل… هذا أقدس مكان في أراضي آشبورن. قد قُتلتَ على يد أبناء جنسك، لكن شرفك استُعيد. نم هنا بسلام."

بمجرد أن أنهى كلماته، ارتجف السيف المكسور فجأة كما لو أنه استجاب لنداء روحه.

خرج من نصله شبح ذئب عظيم، نظرته مخترقة وثابتة على آشر، والهواء من حولهما ارتجّ بطاقة غامضة كأن جوهر السيف ذاته قد تحرر.

وجد آشر نفسه مسحورًا بذلك التحديق… كأنه ينظر إلى عيون ماضيه ذاته.

---

2025/10/18 · 32 مشاهدة · 763 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025