بعد أن حدّق فيه لبرهة، انحنى الذئب قبل أن يتفكك إلى بكسلات زرقاء، مضيئة الغرفة بجمالها الساحر.
ارتسمت ابتسامة رقيقة وصادقة على شفتي آشر، انعكست في عينيه الذهبيتين. ثم استدار وصعد الدرج متجهًا إلى غرفته.
كانت ليلة أخرى، لكنه جلس على سريره، وعيناه شاخصتان على اللوحة الجدارية المقابلة له، أول ما وقعت عيناه عليه عندما وصل إلى عالم Boundless.
حينها، لم يكن سوى ابن مهجور للدوق، أما الآن فأصبح دوقًا، خطوة واحدة فقط تفصله عن الأرشيدوق زيناس.
كان سيريوس، ذئبه، من رتبة أعلى من شورا، أول حيوان أليف لعائلة آشبورن!
لم يعد حجم الذئب الهائل يخيفه، فمخاوفه تجاوزت ذئبًا في صورة، لتصبح حروب القارة كلها.
إمبراطورية غالفيا قد احتلت ثلث مملكة نايتفاير، محوًا كل ما عاش هناك: البشر، الماشية، النباتات!
لقد تحولت ثلث مملكة نايتفاير إلى أرض ميتة بواسطة فيلق فرسان الموت.
لحسن الحظ، قررت مملكة القمر الفضي مساعدة نايتفاير في الحرب، لكن ما ألمّ بآشر أكثر هو إدراكه أن القمر الفضي لم يساعد إلا بعد أن أصبحت نايتفاير في حالة بائسة.
حتى لو نجحوا في دفع غالفيا، كانت نايتفاير بالفعل على طريق الدمار.
لم يرد أن ينتهي نطاقه بهذه الطريقة. وإذا كان يمكن لمملكة أن تُدمر هكذا، وأرض مزدهرة بها أعلى عدد من السحرة، فإن دوقيته لم تكن بالمرصعة بالحصانة.
قال لنفسه بعزم:
"سأجعل دوقية آشبورن مستقلة ولا تُقهر، يا لورد زيناس. لقد لعبنا دور المخلصين طويلًا، ولم نحصل على شيء. هم فقط يخططون ويخططون بلا نهاية."
تغيّر وجهه، وتغيمت ملامحه عندما تذكر جثة أليكس المثبتة على الجدار.
كان مُهينًا، ومن كان قد أقسم الولاء له جلس مكتوف الأيدي. والآن، بعد أن نهض من الوحل، يريدون أخذ أخته وتهديده بالحروب.
كل هذه المؤامرات رسّخت طموحه: بناء نطاق لا يُقهر!
لم يرد أن يغزو كل الأراضي في تيناريا ويبني إمبراطورية عالمية تنهار بعد عقود قليلة.
لا. الشمال الواسع يكفيه، أكبر من بقية الإمبراطورية الخالدة، وسيكون له وحده!
توهجت عيناه الذهبية كشمسين، وكل شيء على تلك الأرض سيكون له، وسيكتب اسم آشبورن بعمق يجعل العالم يرتجف عند سماع هذا الاسم.
لا قوة تدوم إلى الأبد، كانت حقيقة حتمية، لكن إذا تذكر الناس أن هناك نطاقًا لا يُمسّ، يكون قد حقق هدفه.
كان صعبًا، لكنه أراد ذلك. لهذا السبب، أخذ كميات كبيرة من خام الأقزام إلى حصن القمر الفضي لصناعة دروع الأقزام لجميع رجاله.
لا دوق في هذه القارة يملك وصولًا لخامات الأقزام. كانوا يظنون أنها قد استُهلكت، لكنه سيجهز عشرات الآلاف بها!
لن يواجه أي خسارة بعد الآن!
مشتعلًا بالرغبة، استلقى على السرير، مستسلمًا للراحة الناعمة، لكن عقله كان مشتعلًا بالطموحات. ارتجفت شفتاه، هامسًا كلمات يسمعها هو فقط:
"أنا موجود، شكرًا على هذه الفرصة. شاهدني أبني ما لم يسبق لأي بشر بناء مثله."
رقص الوعد الهادئ على حافة الصمت، متلألئًا كألسنة الشموع، بينما بدأت أحلامه تتشكل في الظلام.
---
كّنك! كّنك!
ترددت أصوات المعادن الثقيلة تصطدم ببعضها في ذهنها، وجعلتها ترتجف بكل أليافها.
رائحة الدم القوية ملأت الهواء، مُهاجمة حواسها، ممزوجة بالخوف.
كانت أصوات الحرب تعصف خلف الجبل، والنيران تتقد بلا توقف.
آلات تطلق السهام التي تهدم الجدران، وفرسان يرفعون راية الذئب المزمجر يندفعون ضد أعدائهم بشراسة تجعل الدروع مجرد زخرفة.
مملكة تحترق، وحقولها الخضراء أصبحت رمادًا، والأرض مشوبة بدماء القتلى.
كان المستقبل قاتمًا، منظرًا قاحلًا من الهياكل العظمية يمتد إلى ما لا نهاية.
وكأن فظائع الحرب لم تكن كافية، ظهر ظل يزداد اتساعًا مع كل خطوة، وصوت تصادم الدروع يرافق قدومه.
فارس مرتدي درعًا أسودًا ثقيلًا يبتلع الضوء من حوله، ووجهه مخفي خلف خوذة كبيرة، وثيابه البيضاء ترفرف كراية شبحية، وشعره الأبيض يتدلى كجدول من الثلج.
لكن ما أزعجها حقًا كانت عيناه — كرتان ذهبيتان مشتعلة داخلهما نار، ظاهرتان حتى من خلال فتحات الخوذة.
قالت وهي ترتجف:
"إنه… ملك الدم!"
ثم، كما لو أن القدر كتب ذلك، خلع الفارس خوذته، وكشف وجهًا تعرفه جيدًا.
"سيدي!" تمتمت، صوتها مرتجف بين الخوف والتقدير.
لكن الكابوس لم ينته هناك.
فجأة، استيقظت كاترينا على سريرها، أنفاسها الثقيلة تذكرها أنها كانت مجرد حلم.
اندفع حراسها إلى الغرفة، لكن أشارت إليهم بالتراجع، واضعة يدها على قلبها لتهدئة دقاته.
همست:
"ليس مرة أخرى…"