"إذن، لن أتركك حيًّا."

تلألأت عين جيرالد اليمنى كنجمةٍ مشتعلة بالغضب. وفي اللحظة التالية، سقط عمودٌ هائل من البرق خلفه بصوتٍ يشبه انشقاق السماوات نفسها. دوّى الرعد واهتزت الأرض، كأن الأبواق الإلهية أعلنت الحرب.

لكن الأمر لم يتوقف هناك.

سقطت المزيد من الأعمدة — رماح من نورٍ أبيضٍ مزرقّ تهبط من السماء، كأحكامٍ نهائية يصدرها إلهٌ لا يعرف الرحمة. ومن الأفق البعيد، شاهد المئات المشهد برعبٍ خالص، إذ كانت السماء تمطر قضاءً وعذابًا على قصر اللورد. أعمدة البرق المتفجرة مزّقت التلّ الزمردي وأحرقته، حتى تحوّل إلى أطلالٍ سوداء متفحمة، كأن مطرقة الآلهة هوت عليه مباشرة.

لكن الدمار لم يقتصر على القصر.

بعض الأعمدة اخترقت قلب فردوس نفسه. ارتفعت الصرخات، وانتشرت الفوضى كالنار في الهشيم. كل مئة متر، يسقط قضاءٌ جديد، ويأتي الموت معه، لا من اللمس فقط بل حتى من القرب. الهواء نفسه صار سكينًا كهربائيًّا يمزق اللحم ويهشم الحجر.

وسقط أحد الأعمدة مباشرة على آشر.

ومع ذلك، ومن داخل العاصفة، ظلّت عيناه الذهبيتان مثبتتين على المدينة التي كانت تغرق في الفوضى.

فردوس.

تمزقت بالكامل... على يد رجلٍ واحد.

قالوا إن «المستيقظين» ليسوا مجرد جيش — بل كوارث حية، أساطير من لحمٍ ودم، كوابيس تمشي على الأرض. وهذا كان الدليل القاطع.

كان جلده يتبخر تحت الألم الكهربائي، لكنه كان يتجدد بالسرعة نفسها، عالقًا في حلقةٍ من العذاب الأبدي. إلا أن الألم الحقيقي كان في صدره، حيث صرخ قلبه أعلى من أعصابه. وفي عينيه المتوهجتين، انعكست صورة ألكسندر وهو يهبط فوق السفينة الطائرة وسط الخراب.

قال جيرالد ببرودٍ قاتل، محدقًا في العاصفة التي صنعها بيده:

"هذا هو عالمي... هكذا أراه. عالمٌ لا ينجو فيه أحد من الحكم — حكم البرق والرعد."

استدار ليمضي، وسيفه يعود إلى غمده كإعلانٍ للنهاية.

لكن زمجرةً واطئة، بدائية، اخترقت الضوضاء.

سيريوس.

قفز الذئب الأبيض إلى القاعة، دافعًا آشر بعيدًا، ووقف داخل قلب البرق نفسه.

توقف جيرالد مذهولًا — متوقعًا أن يتبخر الذئب في لحظة — لكنه لم يفعل. كان جسده يتمزق ويُشفى في اللحظة نفسها.

ثم عوى.

صرخةٌ قديمة، مهيبة، اهتزت لها السماء، وارتجفت الجدران. بدا كأن القمرين في الأعلى ارتعشا تحت صوته.

للمرة الأولى، تغيّر وجه جيرالد.

الريبة.

ثم...

انشقّ الفضاء خارج أسوار المدينة.

ومن الشقّ تدفقت الذئاب — ذئاب قطبية ضخمة، بيضاء كالجليد، تنحدر كعاصفةٍ من الغضب. سقط بعضها فوق السفينة الطائرة، فحوّلتها إلى ساحة حربٍ دامية. واندفع بعضها الآخر عبر الشوارع، ينقذ المدنيين ويمزق جنود سيرينيا كما لو كانوا أوراقًا تتطاير في العاصفة.

اتسعت عينا جيرالد وهو يحدق في سيريوس.

"أأنت... ما زلتَ موجودًا؟!"

اشتعل الغضب في عروقه كحممٍ بركانية.

أشهر سيفه وهو يزمجر — لكنه توقف.

كان آشر قد وقف من جديد.

شامخًا. هادئًا.

عيناه مشتعلة بالبياض، لكن بداخلهما سكونٌ خطير، غضبٌ مكبوت بإرادةٍ جبارة. والبرق الذي كان يمزقه صار يغذّيه.

قال بصوتٍ ليس صوته:

"لم أتوقع أن أخرج الآن."

الصوت الذي انبعث من فمه كان أعمق، أقدم، يحمل في نبرته ثِقَل الأزمنة ونفَس الخلود.

تجمّد جيرالد.

عرف هذا الصوت. لم يكن صوت آشر... بل صوتٌ آخر.

"امتلاكي لهذا الجسد قد يدمّره،" قال الصوت، "لكنه اختار ذلك بنفسه. قد لا أقتلك هنا... لكنك لن ترحل سالمًا. سلّمها الآن."

لم يكن في صوته غضب — بل يقين. يقين المحارب الذي خاض من الحروب أكثر مما تنفّس معظم الرجال.

حتى وسط العاصفة، بين الرعد والعذاب، كان هذا الكيان واقفًا دون أن يهتز.

"من أنت؟" صاح جيرالد.

لم يجبه آشر. فقط شدّ قبضته على سيفه إيثامار.

وبمجرد أن لمح جيرالد تصميمه، اندفع نحوه — سيفه يشق الهواء كالبرق.

لكن آشر تقدّم بخطوةٍ واحدة فقط، وطعن.

لم تكن ضربة. كانت تحررًا.

انفجرت موجة ضوءٍ من سيف إيثامار كأن الشمس نفسها تصرخ.

طار جيرالد عبر الخرائب لمسافة كيلومتر، محطّمًا الجدران والأعمدة، حتى ارتطم في وادٍ صخريٍ بعيد.

تبعثرت قطع درعه حوله.

رفع يده إلى شفتيه — دم.

اتسعت عيناه بالدهشة.

لقد صُدم — لا من الألم، بل من الحقيقة.

في الأعلى، انتزع ألكسندر سيفه من جثة ذئب، ودفع الجسد من على حافة السفينة. وهو يلهث، استدار — ورآهما.

آشر وجيرالد.

يقفزان.

ظلالٌ سوداء أمام القمرين قبل أن يهبط آشر على الأرض كوميض.

"شغّلوا السفينة! سنرحل الآن!" صرخ ألكسندر، والذعر واضح في صوته.

أما جيرالد فنهض ببطء، جسده مشدود، وعيناه تلمعان.

انكمش عالمه الداخلي، وتجمّعت كل أعمدة البرق التي دمرت المدينة لتشكل مجالًا واحدًا مرعبًا.

البرق. الرعد. الحكم.

قوةٌ هائلة لدرجة أن الرجلين لم يعودا قادرين على رؤية بعضهما بوضوح.

『هل يمكنك تحمّل هذا؟』 سأل زيناس بصوتٍ خافت.

"أعِدها إليّ."

لم يكن صوت آشر عاليًا، لكنه لم يرتجف.

ضحك زيناس ضحكة قصيرة بلا متعة. لقد سمع هذا النبر من قبل — في أفواه الرجال الذين قرروا الموت.

『إن استخدمتُ عالمي الداخلي، قد يُشلّ جسدك... أو تموت في الحال.』

"لن أموت."

سكت زيناس لحظة. صمتٌ ثقيل امتدّ بينهما. ثم عاد صوته، هذه المرة هادئًا، مفعمًا بالفخر.

『كما تشاء.』

انفجرت من عينه اليمنى أشعة بنفسجية كفيضانٍ سماوي، وفي اللحظة نفسها، ثقل الهواء حوله.

ضاقت عينا جيرالد حين رأى النور البنفسجي المبهِر.

『لاااا!』

انفجرت الأرض تحت قدميه وهو يقفز نحو آشر، أسنانه تصطك غضبًا.

وفي تلك اللحظة —

تم إسقاط العالم الداخلي لزيناس في العالم الحقيقي...

في ومضةٍ بنفسجية مبهرة.

2025/10/19 · 29 مشاهدة · 799 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025