ارتجّت الأرض بأصوات عظيمة كأنها صدى صخورٍ هائلة قذفها عمالقة نحو أعماق الجبال. اهتزّت الممرات تحت الأرض، وتشققت الجدران، وتهاوى الغبار من شقوق السقف. تحركت عشرات الظلال عبر الممر، تتمايل فوق الجدران الحجرية بينما تومض الشموع الخافتة على الجانبين.

لم يكونوا رجالاً ونساءً عاديين. كلٌّ منهم كان ذا شأن — لوردات، قادة، ومستشارون من أراضي آشبورن. ومع ذلك، لم تكن الثقة تكلل وجوههم، بل القلق والحذر. لم يمشوا كمنتصرين، بل كحاملين لجنازة، بخطواتٍ مترددة وأفكارٍ متشابكة في خيوط الخوف.

مرّ أسبوعان منذ وقع ما لا يمكن تصديقه — اللورد آشر آشبورن قد تحدّى الموت. انتشر خبر عودته من حافة القبر كالنار في الهشيم في كل أرجاء المملكة. ومع ذلك، لم تصدر عنه أي دعوة أو كلمة، ولم يسمح لأحد بمقابلته — حتى البارونة آشكلون لم تنل منه لحظة. همسات المجالس العليا تحدّثت عن السبب — عن امرأته، وعن الصمت الذي أحاط بها، وعن الظلال التي ألقاها على قلبه.

تجمّع العرق على جبين البارون كلود رغم برودة الهواء، يتصبب من صدغيه بينما يسير بجانب البارونة كاترينا، اللورد فين ووترز، والكونت أليك، والسيدة إيريتريا، وثلاثة من كبار القادة العسكريين — القائد لامبرت، والجنرال آدم، والقائد أكويلا. خلفهم تبعهم آخرون من ذوي الشأن — القائد بول، ورئيس الصيادلة جيمس، وعدد قليل آخر، وكلٌّ منهم يحمل رسالة مختومة بتوقيع الدوق ذاته: أمرٌ لا يجرؤ أحد على تجاهله.

لكن غياب شخص واحد أثار القلق — الوصي لم يُستدعَ. وذلك جعل حضورهم أكثر غموضًا. ما يحدث تجاوز حدود البروتوكول والسياسة.

عندما وصلوا إلى نهاية الممر، كانت نيران الشموع تتراقص بعنفٍ أكبر، تُلقي بظلال ذهبية على الحجارة كأنها أسراب من اليراعات تحاصرها العاصفة. تباطأت خطواتهم، وحبسوا أنفاسهم.

ثم رأوه.

سلاسل من الجليد الخالص — سميكة وثقيلة، تتلألأ بالصقيع — متدلية من خطاطيف حديدية في السقف، متصلة بصخورٍ زرقاء ضخمة كالكريستال، كل واحدة منها تعادل ثلاثة رجال طولًا وعرضًا. كانت السلاسل تئنّ وتصرّ مع كل حركة، نغمة جنائزية باردة تملأ الكهف.

وشخص واحد فقط يقف تحتها، يرتدي سروالاً ممزقًا، وجسده مغطى بالضمادات — ذراعاه، صدره، ساقاه — وقد اختلط بياض الشاش بزهريّ الجراح التي تلتئم ببطء. بقع الدم نضحت في بعض المواضع، وشعره الأبيض كالثلج التصق بظهره المبتل بالعرق. التفّ الضباب البارد حول جسده العاري، ومع ذلك كان يتحرك بإصرارٍ لا يتزعزع.

كان يسحب السلاسل إلى الأسفل، يجبر الصخور العملاقة على الارتفاع، متحديًا الجاذبية بقوة الإرادة وحدها. ثم يتركها تهوي، فتضرب الأرض بدويٍّ هائلٍ يهزّ أركان القبو الحجري.

ارتجف أليك وهو يحدق في المشهد. لقد تدرّب مع آشر من قبل، قاتل بجانبه، ونزف معه وضحك معه. لطالما كانت قوّة آشر غير طبيعية، تتضاعف مع كل مرحلة حتى فاقت أكثر الفرسان عراقة. لكن هذا؟ كان جنونًا. حتى هو لم يكن ليجرؤ على رفع هذا الحمل — لا وهو مضمّد الجراح، لا بعد أن أفلت للتو من براثن الموت.

مجرد السلاسل وحدها تزن أطنانًا، أما الصخور… فلا مجال لتقديرها. ومع ذلك، كان آشر يرفعها. يأمرها بالطاعة.

ارتطمت ركبتا أليك بالحجر وهو يركع دون تفكير، بانبهارٍ خالص.

"مولاي…"

ولحق به الآخرون، لا طاعةً لبروتوكولٍ بل خضوعًا غريزيًا أمام حضورٍ مهيب — حضور اللورد الذي لا يموت. الرجل الذي تحدى الموت من جديد. العاصفة في هيئة بشر.

ثم التفت آشر برأسه.

عيناه الذهبيتان استقرتا عليهم — لامعتان، ثاقبتان، غير بشريتين. لم تعودا عيني إنسانٍ عادي. توهجتا أولاً بخفة، ثم اشتعلتا كجمرٍ مقدس — كنجمتين غارقتين في ذهبٍ مصهور، كشمسين انضغطتا في بؤبؤين يرى بهما ما لا يُرى.

لم يحتج الأمر أكثر من ذلك.

كل النبلاء والقادة جثوا على ركبهم دفعة واحدة، وقلوبهم تدق بجنون بين الرهبة والإعجاب. حتى أكثر المحاربين صلابة شعروا وكأنهم أمام إلهٍ أو قوةٍ غاضبة.

شهقت السيدة إيريتريا وهي تسحب أنفاسها، لترى البخار يخرج من فمها في زفيرٍ بارد. تجمّد الهواء من حولهم. تبادلت النظرات مع أكويلا، وكلاهما فهمت الحقيقة ذاتها.

"لقد تغيّر…" همست بصوتٍ بالكاد يُسمع.

لكن حتى تلك الكلمة كانت أقل مما يصفه.

لقد عاد من الموت.

لكن الرجل الواقف أمامهم لم يكن هو نفسه.

في كل مرة يتحدى فيها الموت… كان يتحول أكثر إلى شيءٍ آخر.

وظهر من الظلام رجل عملاق يقارب طوله الثمانية أقدام، عريض المنكبين، يرتدي درعًا سميكًا مائلًا للحمرة كأن دمه من دماء التنانين. تقدّم، وفكّ السلاسل الجليدية. سقطت على الأرض بارتطامٍ مدوٍ، غاصت نصفها في الحجر، وكأن الأرض نفسها عجزت عن حملها.

ذلك العملاق لم يكن سوى نيرو، سيف الدم للورد آشر.

ساد الصمت بينما تحرك آشر. ومع كل خطوة، ألقت نيران الشموع ظلالًا أعمق على الضمادات الملفوفة حول جسده، وشعره الأبيض المبتل يلتصق بعنقه. ثم دوّى صوته — عميقًا، قويًا، كقرع جرس الحرب البطيء — يرتد من جدارٍ إلى آخر حتى اخترق عظامهم.

"مرّ وقت طويل…"

اشتعلت عيناه الذهبيتان كأن فرنًا إلهيًا يحترق خلفهما.

قال البارون كلود بانفعال وهو ينحني أكثر:

"أشكر الخالق لأنك ما زلت حيًا يا مولاي!"

ردّ آشر بصوتٍ هادئ لكنه ثقيل كالحديد:

"البارون كلود…"

تجمّد الجميع.

"زوجتي تحدّثت عنك،" تابع بصوتٍ يشبه النقش على الصخر. "أخبرتني عن وفائك… وعن العار الذي سمحت له أن يلطخ اسمك حين تركتُ موهبتك تذبل في الظل."

توقف لحظة، ثم اقترب منه بخطواتٍ بطيئة.

"من هذا اليوم، تُرفع إلى لقب الفيكونت كلود فليم‌هارت، تابع بيت آشبورن."

ارتجّ سمع كلود، وكأن أبواق الحرب دوّت في رأسه. هل قالت سافيرا هذا للورد؟ كادت ركبتاه تضعفان تحت وطأة تلك الكلمات التي أثقل من أي سلسلة.

"يحق لك الآن أن تُعيّن بارونات تابعين لك — رجالاً يوالونك، ويوالون آشبورن من بعدك. وستُوسّع أراضيك… كثيرًا."

ثم التفت آشر نحو البارونة، وقد رقّت ملامحه.

"وأنتِ، البارونة كاترينا، تُرفعين إلى لقب الفيكونتيسة كاترينا دريملِن، سيدة آشكلون. كل ما ترينه من قمة جبال آشكلون… لكِ."

تفتحت شفتاها، لكن الكلمات خانتها. لمع الدمع في عينيها، وكل ما تمكنت من همسه:

"مولاي…"

ثم نظر آشر إلى المحارب الشائب بجانبها وقال:

"أثنت عليكِ زوجتي أيضًا يا لامبرت، لأنك صهرت فرساننا حتى صاروا من فولاذ. لذلك أمنحك لقب السير لامبرت، رمح آشبورن. وستُمنح أرضًا على مشارف آشكلون."

ثم التفت فجأة إلى الرجل الطويل ذي الملامح القاسية — آدم.

"أما أنت — فقوتك مشهودة، ونارك لا تخبو. من اليوم، أنت القائد الأعلى للفيلق الأمامي. أمنحك لقب الفارس الهادر. ستحكم أرضك الخاصة، ويحق لك تأسيس كتيبة لا تتجاوز المئة. اختر رجالك بحكمة."

انتشرت الدهشة بين الحاضرين كالرعد. لم يتوقع أحد هذا.

لا أحد.

وفي الصمت الذي تبع ذلك، بقيت حقيقة واحدة معلّقة في الهواء، أثقل من السلاسل التي سقطت على الأرض:

لم يكن هذا طموح آشر.

بل رحمة سافيرا.

كان يمكنها أن تستغل عودته لمصلحتها، أن تلتفّ حول إرادته وتُخضعه لها.

لكنها لم تفعل…

بل رفعت شأن الآخرين.

وأكرمت أسماءهم.

2025/10/19 · 30 مشاهدة · 1024 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025