قبل أن يتمكن آشر من أن يستدير تمامًا، أوقفه صوت عجلات معدنية تخدش الأرض. كان هناك متدربان من الحدادين يقتربان، يرتديان مآزر جلدية سوداء من أثر السخام، وذراعاهما تلمعان بالعرق وغبار الفحم.

بينهما كانا يدفعان جسماً طويلاً مغطى بقطعة قماش سميكة متسخة بالرماد، يبلغ ارتفاعه تقريباً ارتفاع رجلٍ بالغ.

رفع آشر حاجبه وقد أثارت المنظر فضوله.

تحرك المتدربان بصمتٍ مهيب، ودفعا الجسم حتى وضعاه بجانب الدروع الثلاثة المعروضة مسبقاً، ثم انحنيا معاً احتراماً للورد آشر وتراجعا، وأصوات خطواتهما تتكسر على الحصى.

لم يقل دان شيئاً، بل تقدم للأمام، مدّ يده، وبحركةٍ واحدةٍ حاسمة، نزع الغطاء.

كان الأثر فوريًا.

ساد الصمت.

تحت القماش، وقف درعٌ لا يشبه أي شيء رآه آشر من قبل.

كان مهيبًا… ومريعًا في آنٍ واحد.

الصلب قاتم اللون، عاكس للضوء بلمعان خافت لا بريق فيه، صفائحه متداخلة كحراشف وحشٍ قديمٍ من أعماق البحر، كل صفيحةٍ غير منتظمة كأنها صُنعت من عظام كائنٍ أزلي.

صدر الدرع مصمم على شكل قفصٍ صدريٍ مشوه، ألواحه تبرز وتغور بوحشيةٍ فنيةٍ قاسية.

من الخصر تدلت صفائح مدرعة تشبه قشرة خنفساء مفترسة، تتخللها خيوط قماشٍ أحمر ممزق وسلاسل صدئة تتدلى كأنها أوتارٌ ممزقة.

أما الخوذة، فكانت تاج الرعب ذاته—فتحة على شكل فمٍ وحشيٍ مفترس، فتحات التنفس حوله تصدر فحيحًا خافتًا، كأن الدرع نفسه يتنفس.

شقوق العينين ضيقة وعميقة، تنظر بعينٍ لا ترى… ولكنها ترى كل شيء.

كانت إحدى القفازات تنتهي بأصابع حادة تشبه المخالب—سلاحٌ في حد ذاته.

أمال آشر رأسه مأخوذًا بالجمال الوحشي.

"ما هذا؟"

تقدم دان، مطويّ الذراعين، وقال بصوتٍ خافتٍ متين:

"نسميه درع الحارس. صُنع ليس لفارسٍ… بل لفارسٍ مقدّس."

اقترب آشر، ومدّ يده ليلمس المعدن البارد، البرد فيه غير طبيعي.

أضاف آرك، بصوتٍ أكثر انخفاضًا:

"هذا الدرع صُنع للفرسان المقدسين، أقوى محاربينا. ليسوا من يثبتون الخط… بل هم الخط نفسه. إنه أقوى بثلاث مرات من درع المدّ الأسود، ومصنوع من سبيكة تجمع بين خام الإلدن وخام الأقزام. يمكنه مقاومة الأسهم الخارقة للدروع من مسافة عشرة أمتار."

تراجع آشر خطوة، متفحصًا الشكل الهائل.

"وزنه سبعمئة كيلوجرام، مما يجعله مستحيلاً على الفرسان المخضرمين أو حتى الفرسان العظام ارتداؤه. وحدهم فرسان الأديبتوس أو الفرسان المقدسون يمكنهم تحمّله."

التفت آشر إلى آرك وايت وقال:

"فرسان المعبد القرمزي يرتدون دروعاً تزن طناً كاملاً."

تنهد آرك قائلاً:

"إنهم عمالقة يا سيدي."

ضرب دان صدره مفتخراً، فصدر عنه صوت مكتوم:

"لكن درع الحارس أخف من دروعهم وأقوى منها بكثير!"

سأل آشر وهو يحدق في الدرع:

"كم لديكم من هذا الدرع؟"

أجاب آرك:

"اثنان فقط. احتجنا إلى ثلاث حدائد لتشكيل القشرة. يُصنع يدوياً، لكن يمكننا إنجاز مئتي قطعة في الشهر القادم."

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي آشر.

"جيد."

استدار ببطء.

"أروني الآخر."

تلألأت عينا دان حماسًا.

"اتبعني."

ساروا عبر السهول التي تحركها الرياح، نحو قلب مجمع الحدادة.

تعلو الأفق مداخن الدخان كأصابع عملاقٍ يحتضر، تبصق البخار والسخام في السماء الرمادية.

كان صرير الحديد وصوت المطرقة يشكلان إيقاعاً ثقيلاً يرنّ في الهواء.

داخل الورشة، كانت الحرارة خانقة. البخار يتسرب من الأنابيب النحاسية، ورائحة المعدن المنصهر تمتزج بعرق الرجال والسخام والزيت.

صفوف من الحدائد الصغيرة تصطف على جانبي القاعة الكبرى، يعمل عندها الحدادون العراة الأذرع، عضلاتهم متوترة، وشرر النار يتطاير حولهم كحشراتٍ مضيئة في الظلام.

لكن لآشر ونيرو، لم تكن الحرارة سوى أنفاس الغاية.

صعدوا سلماً خشبياً ضيقاً يئنّ تحت أقدامهم، ثم دخلوا منصة رفع.

ومن طرف عينه، رأى آشر رجلين يديران عجلةً ضخمة، وظهراهما مشدودان بالجهد.

الحبل الغليظ المتصل بالبكرة صريره يملأ المكان، والرافعة تهبط ببطءٍ نحو الأعماق.

هبطوا إلى ما تحت مستوى الضوء، نحو بطن الحدادة القديمة.

الجدران صخرية، رطبة، تتلألأ عليها قطرات الماء.

المشاعل موضوعة في حوامل حديدية، ألسنتها تلعق الظلام، ترسل ظلالاً تتراقص على الجدران.

خطواتهم تتردد كهمساتٍ في قبر.

سار دان وآرك أمامهم في صمتٍ مهيب، حتى وصلا إلى بابٍ معزز، فتحاه، فكشفا عن قاعةٍ منحوتةٍ في الصخر الصلد.

كان سقفها مقوساً ككاتدرائية، وفي وسطها منصة يعلوها سيفٌ ودرع، يضيئهما وهج شعلةٍ معلقة.

أول ما جذب نظر آشر كان السيف—تحفة فنية من العنف النبيل.

نصله المزدوج اللامع منقوش برموزٍ خافتة، وحارسه الجانبي يمتد كجناحين، ومقبضه ينتهي برأس ذئبٍ فضيٍ يزمجر متحديًا الأبد.

إلى جواره، استند الدرع—مستدير، عريض، أسود كهاويةٍ بلا قاع.

سطحه يبتلع الضوء بدلاً من أن يعكسه، وحافته مقواة بالفولاذ، وداخله تماوجٌ خافت، كدخانٍ يدور في زجاج.

تقدم دان، ممسكًا بمشعل، واقترب من الجدار البعيد.

ومع اقترابه، تراجعت الظلال… وشيء ما تحرك داخلها.

خرج شكلٌ من الظلام.

درعٌ واقف، صامت، كفارسٍ دُفن واقفًا منذ قرون.

أضاءت ألسنة النار تفاصيله ببطء—قطعةً قطعة.

كان على النقيض التام من درع الحارس السابق.

ذاك كان مرعباً، أمّا هذا… فكان مهيبًا.

صُنع من فولاذٍ رماديٍ قاتم تتخلله عروق فضية دقيقة كأمواجٍ منقوشة.

صدره العريض مصقول ومقوّس كجسد عملاقٍ نبيل، تتوسطه زخرفة دوامية كرمزٍ ملكيٍ نُسي عبر العصور.

أكتافه ضخمة، منقوشة بحواف منحنية تمنحه مظهر الهيبة قبل الحماية.

ذراعاه مكسوتان بصفائحٍ متحركةٍ انسيابية، وقفازاه دقيقان في صنعهما حتى في مفاصل الأصابع.

ساقاه مصفحتان، منقوشتان بنقوشٍ حلزونية كتياراتٍ منقوشةٍ على الصخر، وتحت الخصر يمتد نصف عباءةٍ سوداء بحاشيةٍ برونزية خافتة، تمنحه توازناً بين القداسة والقتال.

الخوذة بلا ملامح—وجهٌ أملس، جامد، يشي بالسلطة أكثر من الغموض.

لم يكن درعًا فحسب، بل رمزًا… صدى نظامٍ عظيمٍ منضبط، صُهر فيه الشرف والقوة معًا.

وقف آشر صامتًا، مأخوذًا بجلال المشهد.

2025/10/19 · 36 مشاهدة · 815 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025