كان الفجر قد حلّ، والسماء ترتدي لون الليلك الرقيق. تصرّمت خيوط الضباب على الأرض كأستار منسية، مترددة في الارتفاع. كانت قطرات الندى الصباحية لا تزال تتلألأ على الأسطح وأحجار الشوارع، ومع ذلك كان الحصن ينبض بالحياة—سكانه خرجوا من بيوتهم وبيوتهم لمشاهدة موكب واحد مدوٍ وثقيل.

وقف المواطنون كتفاً إلى كتف، على الأسوار والأسطح والشرفات، تتصاعد أنفاسهم في الهواء البارد. كل العيون كانت معلقة بالطريق، واسعة وموحلة، وقد التهمها الآن زحف جيش لم يُر مثله منذ زمن تناريا.

تقدّموا على موجات، كطغيان بطيء وحتمي. أولاً المشاة الثقيلة—10,000 جندي—مرتدين دروع فولاذية سوداء، خوذهم مزينة بقرنين متعرجين. تقدموا في صفوف مثالية، بحيث بدا كأن الأرض نفسها تنحني خضوعاً. كانت أرديتهم البيضاء، الثقيلة والنظيفة، تتطاير قليلاً مع كل خطوة متزامنة. ارتجت الأرض تحت أقدامهم، وصداه—رعد عميق ومتكرر—تردد في عظام كل من شاهدهم.

وراءهم، ركب الفرسان الثقيلون، مساويون في العدد والفخامة. الوحوش الحربية، مرباة للقتال، شعورها مضفر بالحبال الملونة التي تدل على الوحدة والرتبة، تحمل فرساناً بمدرعات كاملة—رجال كأنهم منحوتون من الجبال نفسها. تلتمع الرماح، وتصدر الأعلام صوت الصفير مع الريح، وكل قدم كأنها دقات طبل الحرب.

تبعهم الذئاب البيضاء—3,000 وحش عضلي وغريزي، أجسادهم محمية بدرع متعدد الطبقات يحمي الأعضاء الحيوية دون أن يعيق السرعة والمرونة. تحركوا كقطيع، صامتين بشكل مدهش رغم حجمهم، موجهين بإشارات دقيقة من متعامليهم.

ثم جاء الصيادون—2,000 رامي، المعروفون سابقاً باسم رماة قوس غوشين، الآن أعيد ولادتهم. يرتدون دروعاً مماثلة مع أردية وقلنسوات بيضاء ورمادية متغيرة، كانوا أشباحاً في الحركة. كثير منهم ركبوا على أحدث عجائب الحرب في تناريا—الهياكل الضخمة المعروفة باسم تيتان X.

كان هناك خمسون من هذه الهياكل العملاقة، كل منها مزيج من خشب مسحور وفولاذ مشكل، طوله خمسة أمتار، ينبض بتهديد صامت.

فوقها كانت توجد برج الحصار الذي يضم عشرين راميًا وسلاحًا يرعب حتى أجرأ المحاربين: الهواتشا—آلة مدمرة تطلق أكثر من 100 سهم في طلقة واحدة.

يحمل كل تيتان X أكثر من 2,000 سهم، مرتبة بعناية على رفوف دقيقة، بجانب أدوات الحرب وصناديق من القماش المشبع بالزيت.

لكن هذه الآلات لم تتحرك على الخيول أو العجلات فقط. داخل كل تيتان X كان ينبض قلب الوحش: الطيارون السحريون.

لم يكونوا مجرد سحرة عاديين. مدرّبون منذ صغرهم على فن يدمج بين السحر والآلة، صبّ الطيارون جوهرهم في الرموز السحرية المحفورة في هيكل التيتان. بدونهم، تصبح الآلات مجرد هياكل ضخمة. بهم، تصبح وحوش حرب. لكل طيار مساعد يساعده في توزيع الطاقة، تدفق المانا، والدفاع، ومعاً يمنحون الحركة للفولاذ والخشب.

العجلات المدعّمة، مزينة بالفولاذ الأسود ومحفورة بالرموز، تسمح للتيتان X بالانزلاق على الحجر والطين والحصى على حد سواء.

ومع ذلك، لم تكن هذه الهياكل أعظم رؤية مخيفة.

تلك المكانة ذهبت لقطع الحصار الأوركية.

خمسون منها تقدمت مع الحرس الخلفي—آلات ولدت ليس في أفران البشر، بل من جنون الحاجة. مصنوعة من خشب أسود متشقق، تبدو قديمة، برية، ومتحدية.

كان كل منها يُسحب بواسطة ثلاثة ذئاب ضخمة، عيونها تتوهج بخفوت، وفروها متشابك بالجلد ورباط سلسلة.

شكل الآلة كان عبارة عن منصة مسطحة ضخمة، عليها مقصورة، مظلمة وقصيرة، محاطة بمشاعل غير مضاءة. في مقدمتها، خلف الذئاب مباشرة، كان هناك جمجمة حديدية، صُممت لتشبه مفترساً منسيّاً—أنياب بارزة، وعيون فارغة وغاضبة.

فوق السطح، كان يوجد منجنيق جاهز كالنسور.

على بعد مترين منه، عمود عمودي ينتهي بعش للطيور، حيث يمكن للكشافة مراقبة العالم من ارتفاع إلهي. لم يكن مجرد عمود—بل عرش يقظة.

خلف المقصورة، يهيمن السلاح الحقيقي: منجنيق ضخم على شكل ملعقة، مربوط، محمل وجاهز لإسقاط الصخور المشتعلة على الأعداء. كانت عربة تابعة محملة بالحجارة، جاهزة للإمداد.

وراء هذه العجائب جاءت عربات الإمداد—مئات منها—مليئة بالقمح، البراميل، أدوات الحدادة، خيام طبية، وكل ما يحتاجه جيش مارش للنجاة.

وهكذا ساروا.

عند الفجر تحركوا.

عند الظهر استراحوا، أطعموهم، أصلحوا المعدات.

وعند الغسق، ساروا مجدداً.

وفي هذا الإيقاع، بدا العالم محبس النفس.

على اليسار، ارتفعت جبال آش—عالية، حادة، وصامتة، كعمالقة جالسين على عروش حجرية. قبل شهر، أرسل آشر الكشافة للعثور على ممر عبر الجدار الجبلي. ووجدوه.

مرت أسبوعان كالدخان.

وقف آشر الآن على ارتفاع، محاطاً بالكونت أليك، القائد لامبرت، القائد بول، وعدد من الضباط رفيعي المستوى. أمامهم امتدّ معسكر واسع، بين بحر من العشب الأخضر وزهور تتمايل. خيم بيضاء تتلألأ تحت الشمس، وأعلام البيوت النبيلة تتطاير بفخر.

"من كان يظن أن جنة كهذه مخفية خلف جبال آش"، تمتم آشر، عيناه تحدقان بعيداً. "يبدو أن لا عرق عاقل قد سكن هذا المكان."

أومأ الكونت أليك ببطء، ذراعيه مطويتين خلف ظهره. "أرض عذراء، يا لورد آشر. لم يلطخ دمها ترابها."

استدار آشر للقائد أكويلا، عيناه حادتان. "كم تبقى حتى نصل إلى منزل نوبس؟"

أجاب أكويلا، دقيقاً كالعادة، دون تردد: "أسبوعان آخران، يا سيدي."

أومأ آشر، ببطء وجدية.

"سنحافظ على الوتيرة و—"

توقف كلامه فجأة، ذهبت كأنها تبخرّت في الريح، وعينيه ارتكزتا على الأفق. اتبع الضباط حركته، بحركات حادة وموحدة، كما لو كانت غريزة جماعية صقلت في ساحات المعارك.

بعيداً على السهول، ظهر ظل داكن يتحرر من حافة العالم. في البداية، بدا كظل منفلت، يركض بسرعة مستحيلة. أشعة الشمس الصاعدة عبرت المشهد، لكنه بدا غير متأثر بالضوء—صورة ظلية من الغسق الحي.

ارتجت الأرض بخفوت تحت أقدامهم. إيقاع اقترابه كان كالرعد مخمّد بالحرير—سريع، سلس، لا يلين. مهما كان، كان يتحرك بلا قيود.

خيم الصمت على التلقي. لم يتحدث أحد. حتى الأعلام فوق المعسكر تباطأت في الريح.

مع اقتراب الكائن، اتضحت ملامحه—ثم رأوه.

كان حصاناً، لكن ليس كأي حصان عرفوه. ضخم، أطرافه متوترة بعضلات رشيقة وحوافر كأنها سندانات من الأوبسيديان، كان ينساب بدل أن يركض، كل خطوة تبتلع الأرض كما لو أن الفضاء ينحني له. معطفه أسود حالك، أعمق من منتصف الليل، يلمع كالأونيكس المصقول تحت ضوء الصباح. يرفرف عرفه كالحرير المنسوج، طويل وفخم، مخطط بخيوط تتلألأ كالنجوم.

لكن ما سرق الأنفاس حقاً كان القرن—وحيد، ملتوي، بلوري، يبرز بفخر من جبينه. التقط الشمس وعكسها بألوان متعددة، كزجاج ملون صنعته يد إلهية. لم يكن مجرد قرن—بل تاج.

"إنه وحيد القرن…" همس أحدهم خلفه، مذهولاً.

لكن آشر عرف. لم يكن وحيد القرن عادي—إن صحّت الكلمة أصلاً. كان ملك الخيول. كائن أسطوري، يقال إنه موجود فقط في أغاني الحكماء القدماء وأحلام الملوك المحتضرين.

تباطأ وحيد القرن الأسود عند اقترابه، فخور ومسيطر. كل جندي وقائد، نبيل كان أو متدرّج، توقفوا بلا حراك.

خطا آشر إلى الأمام، رداءه يلوح في الريح، وعيناه ملتقيتان بعين الوحش.

"ماذا تفعل؟" تمتم لنفسه.

وتوقف وحيد القرن على بعد أقدام قليلة منه.

طويل، قوي، وصامت. انحنى برأسه قليلاً، ولحظة، وقف حاكم البشر وحاكم الخيول في اعتراف هادئ ببعضهما البعض—سيّدان على حافة المصير.

2025/10/19 · 36 مشاهدة · 995 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025