أزاح الكونت ريمون وايفرن ستائر خيمته بعنف واندفع خارجها بخطوات سريعة ومتوترة. كان قلبه يخفق بعنف داخل صدره، وأنفاسه تتسارع كلما اقترب من الحافة المطلة على ساحة المعركة.

ثم رآه.

اتسعت عيناه حتى غدتا نقطتين ضيقتين من الرعب.

السماء كانت لوحة من الفوضى — صخور نارية تعبر الفضاء كنجوم ساقطة، تترك خلفها غيوماً سوداء. السهام تمطر بغزارة حتى كادت تحجب السماء. أما في الأسفل، فكان المخيم جحيماً صاخباً — ذئاب نحيلة مضرجة بالدم تمزق الجنود المصرخين.

ثم جاء سلاح الفرسان.

محاربون ضخام يركبون وحوشاً بدت كأنها أسطورية — مخلوقات هجينة بين النسر والدب، بأجنحة تصفق كالرعد وأقدام مغطاة بالفرو تدك الأرض. كان فرسانهم يرتدون خوذاً بقرون ودروعاً داكنة لا تعكس النور، ورماحهم تخترق الدروع الجلدية والمعدنية على حد سواء، تطعن رجلين أو ثلاثة في ضربة واحدة.

لم تكن الوحشية وحدها ما زلزلت ريمون — بل الرايات.

أعلام سوداء، ترفرف بعنف في الريح، تحمل رمزاً لا يُخطئه أحد: رأس ذئب أبيض.

تجمد نفس ريمون في صدره.

"أليس ميتاً؟" همس لنفسه بصوت مبحوح.

"قالوا إنه مات..."

هكذا كانت الإشاعة، أليس كذلك؟ أنه سقط جريحاً إصابة مميتة، وأنه لن ينهض ثانية. لقد احتفلوا بذلك في قصور النبلاء، ورفع ريمون نخب الانتصار، يتلقى التهاني والتصفيق، متفاخراً بأنه نجا من الرجل الوحيد الذي أسقط أحد تنانينه.

ومع ذلك — ها هم أمامه.

جنوده، فرسانه المفاخرون، يُذبحون كالماشية.

اثنان من التنانين سقطا وسط الدخان والصراخ.

صفوفه انهارت، أجنحته الجانبية تحطمت، وخطته العسكرية تبعثرت.

كل ذلك تحت راية الذئب الأبيض الملعونة.

تحول وجه ريمون إلى قناع من الغضب.

"استدعوا فرسان الجو من فرقة إنتيس لتعزيزهم!" صرخ بانفعال.

لكن صوتاً أجابه — هادئاً، حازماً، نهائياً:

"الدوق آشر هناك أيضاً."

ساد الصمت.

تجمد ريمون، وانقطع نفسه.

الذئب الأبيض... حاضر في ساحة المعركة؟

دوق آشبورن.

مفترس ساحات الحرب.

الرجل الذي لم يخسر حرباً قط.

تسلل البرد إلى عموده الفقري، وتنازعت ملامحه بين الغضب والخوف.

لكن في النهاية، انتصر أحدهما فقط.

"انسحبوا..." قالها أولاً كهمس، ثم بصوت عالٍ متهدج بالحسرة:

"انسحبوا حالاً!"

بعد لحظات، دوّى بوق ضخم عبر ساحة القتال. نغمة ثقيلة حزينة تشبه عواء وحش يحتضر، ومعها بدأ جيش التحالف بالتراجع. كما اندفعوا كالموجة، انحسروا الآن — بسرعة وانضباط، لكن مثقلين بجراحهم وأنينهم.

على أسوار القلعة، صرخ الجنرال كليغان من موقعه:

"افتحوا البوابة!"

كان قائداً لفرقة سماء الظلال، قد أعد نفسه لموت مشرف، مستعداً لأن ينزف حتى آخر نفس دفاعاً عن قلعة الظلام. رأى العدو يقترب بقوة لا تتوقف، وعندما ظهرت تلك الآلات الحربية الغريبة خلف التلال، قبض الخوف على قلبه.

وحوش فولاذية عملاقة، آلات موت تمشي على الأرض.

ظن أن نهايتهم قد حانت.

لكنها لم تتجه نحو القلعة — بل نحو جيش التحالف.

وفوقها، رفرفت الراية التي بددت اليأس في لحظة:

ذئب فضي أبيض على أرضية سوداء.

بيت آشبورن.

تدفقت موجة من الأمل في صدره، لكن في أعماقه، بقيت جذوة من القلق. تلك الآلات — بتلك القوة وذلك الانضباط — كانت أشبه بالمعجزات أو اللعنات. تحركت بدقة مذهلة وقوة تزلزل الهواء ذاته.

كانت معجزات آشبورن دائماً محلّ أسطورة — اختراعاتهم تتحدى العقل والدين، وتُعتبر هرطقة بقدر ما هي عبقرية.

لكنها الآن أمامه، حقيقية لا جدال فيها.

نزل كليغان الدرجات الحجرية بخطوات سريعة، حتى وصل إلى الساحة أمام البوابة العظيمة. هناك، وقف مشاة نوبس، آخر خطوط الدفاع — مئة من النخبة يرتدون دروعاً فولاذية متقنة، تلمع تحت الشعلة، وعباءات زرقاء داكنة تتدلى من أكتافهم.

كانوا كتماثيل — شامخين، صامتين، لا يتزحزحون.

توقف الجنرال أمامهم، يده على مقبض سيفه، واليد الأخرى إلى جانبه.

وقف منتصباً، مهيباً، كأنما يجسد شرف فرسان نوبس كلهم.

قال بثبات:

"نستقبل حليفنا. أروهم انضباط نوبس. قفوا وكأن عيون المملكة كلها عليكم."

لم يحتج أن يقول أكثر. فقد كانوا كذلك فعلاً.

بدأت البوابة الحديدية تفتح ببطء، ومع أول فرجة ضيقة، ظهر حصان أسود فاحم، يضرب الأرض بحوافره في توتر.

وعلى ظهره، فارس بشعر أبيض كالثلج — يتوهج تحت الضوء الخافت كشعاع قمر فوق الظلام.

كان هو أول من دخل، كأنما نذيرٌ لما سيأتي.

خلفه، دخل الفرسان العمالقة — يركبون نسوراً-دببة تسير في صفوف محكمة.

دروعهم مغطاة بالسخام والدماء، وحجمهم المذهل جعل حتى نخبة نوبس يتنفسون بدهشة.

هل هؤلاء رجال حقاً؟

أم عمالقة من الأساطير؟

ارتفعت حرارة الجو فجأة، وكأن الهواء نفسه احترق.

تصاعد العرق على الجباه من خلف الخوذ المعدنية، وارتجف الصمت.

تقدم الجنرال كليغان بخطوة إلى الأمام، وصوته يرن بانضباط صارم:

"دوق آشر من بيت آشبورن، أنا الجنرال كليغان نوبس، ابن عم الدوق فلاديمير نوبس.

مرحباً بك في قلعة الظلام."

انحنى بعمق.

وتبعه الجنود بانحناءة موحدة متقنة.

طَق... طَق...

رنّت حوافر الحصان الأسود على الأحجار، حتى توقف على بُعد متر من كليغان.

كان آشر جالساً بثبات، شعره الأبيض يشع وسط درعه الأسود كالقمر فوق الليل.

قال آشر بصوت بارد لكنه متزن:

"نعتذر عن وصولنا المتأخر، أيها الجنرال كليغان."

ابتسم كليغان بخفة، شقّت ملامح وجهه المرهق من الحرب.

تلك الجملة وحدها كانت كافية ليعرف — هذا رجل يمكن الوثوق به في ساحة القتال، والقتال بجانبه شرف.

رفع رأسه وقال:

"هناك ما يثقل كاهل الدوق، بلا شك.

لكننا ما زلنا أحياء.

وطالما نتنفس... فالأمل باقٍ لقلب موازين الحرب."

أجابه آشر بصوت عميق ثابت:

"هو كذلك."

2025/10/20 · 33 مشاهدة · 796 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025