مرّ شهران منذ بدأت الأمطار، وما زالت السماء تبكي دون توقف.

الآن، في القاعة الحجرية العظيمة لمدينة نينيفي — حيث يتسلل ضوء الشمس الشاحب والمتعب عبر النوافذ المقوّسة العالية — اجتمع مجلس النبلاء التابعين.

القاعة كانت تعجّ بصمت مشحون بالتوتر. على رأس المائدة جلس الوصي كيلفن سالفاتور، شعره الموشّى بخيوط فضية مسرّح إلى الخلف كالفولاذ المصقول، وعيناه الحادتان تلمعان تحت جفنين ثقيلين. وعن جانبيه جلس كبار النبلاء في المملكة:

الكونت أليك ليون، ضخم الجسد كبرميل وله شعر أسود كثيف كبدة الأسد؛

الكونت فين ووترز، نحيف وهادئ، تنقر أصابعه بخفة على كأسه؛

النبيلة كاتارينا دريملن، شاحبة الوجه وشفاهها رفيعة، ترتدي رمادياً قاتماً؛

الفيكونت كلاود فلامهارت، برداء أحمر وبرونزي، وعيناه تشتعلان غضباً مكبوتاً؛

سيدة المدينة أكيلا، هادئة وجميلة الملامح؛

والقائد آدم، مرتدياً درعاً أسود مائل للسواد، ويداه المقيّدتان بالقفازين الحديديين متشابكتان على الطاولة المستطيلة.

رغم ضوء الشمس الزائف، كان الجو بارداً خانقاً. في الخارج، واصلت السماء انهمارها — مطر خفيف ثابت لا يلين — لم يتوقف منذ ستين يوماً. كانت قطراته تهمس على الزجاج والحجارة الملساء، همساً لا ينقطع يرهق الأعصاب.

تحوّلت المدن والقرى المنخفضة إلى مستنقعات، وغمرت المياه الحقول، واختفت الطرق في الطين، وطفحت الأنهار حتى ابتلعت ضفافها. تم إجلاء مجتمعات بأكملها، وحُشر الناس في المدن المجاورة تحت ملاجئ مؤقتة. والمرض بدأ يخيّم في الهواء كعاصفة ثانية.

والأسوأ أن إمبراطورية اللهب المقدّس أكّدت أن الأمر لا يخصّ مدينة آشبورن وحدها.

بل إن المطر يهطل في كل أنحاء قارة تيناريا.

قارة تفوق مساحة كل قارات الأرض مجتمعة، بل مضاعفة، كانت الآن تغرق ببطء تحت سمائها. المحيطات التي تحيط بتيناريا — وكانت يوماً هادئة وبعيدة — صارت تهمس كأنها تنتظر اللحظة التي تستعيد فيها آخر بقايا الحضارة.

داخل القاعة جلس اللوردات في صمت، أرديتهم المطرّزة بشعارات بيوتهم، ومشابك الذهب تلمع على صدورهم. بعضهم أثقلهم تعب السفر في المطر، وآخرون بدا عليهم الإرهاق من ليالٍ بلا نوم.

اجتمعوا لا من باب الطقوس أو المجاملات — بل لأجل شيء واحد فقط:

الأزمة.

تهديد لا يطال مدينة أو إقليماً واحداً، بل المملكة كلها.

وفي قلب كل اجتماع كهذا، لا بد أن يكون هناك شخص واحد:

سيدهم الأعلى.

قالت كاتارينا بصوت خافت، تحدّق بالعرش الفارغ في وسط القاعة — مقعد فخم منحوت من الحجر والفولاذ، يعلوه الصمت والبرودة:

"إنه غير حاضر."

وأضافت بصوت يحمل القلق:

"عاد بعد غياب شهر كامل… ومنذ ذلك الحين أغلق على نفسه الأبواب لشهرين آخرين. والآن تنتشر الشائعات — همسات عن أن السيدة سافيرا خرقت عقد الزواج وأنجبت أبناء غير شرعيين. إهانة للعرش. المدن تضجّ، والناس يطالبون بالعدالة لسيدهم."

انحنى اللورد كلاود فلامهارت إلى الأمام وقال بحدة:

"لا يمكننا تجاهل هذا بعد الآن."

التفت إليه كيلفن بعينين باردتين كالسيف:

"وماذا تقترح يا لورد كلاود؟"

أجاب بصوت مرتفع:

"أن نكشف الحقيقة! الناس في اضطراب. منازلهم تغرق، الطرق مقطوعة، والتجارة تنهار، والوحوش تهرب من الغابات الغارقة، ومع ذلك لا يسمعون كلمة من حاكمهم! إذا استمر هذا الصمت، فالتمرد لن يكون بعيداً."

سأل الكونت أليك ليون بغضب مكتوم:

"هل تلمّح إلى أننا نعتقل السيدة سافيرا؟"

تنفّس كلاود بحدة:

"بالطبع لا. المسكينة وضعت مولودها قبل شهرين. وسيده… لم يبدِ أي اهتمام، لا رسالة، لا كلمة. لكن لا يمكننا البقاء في جهل."

أغمض كيلفن عينيه بتعب وقال:

"أعداؤنا يستغلّون هذه الإشاعة بالفعل. إنها شرخ سيكسر عمود المملكة إن لم نحذر. ومع ذلك… هل رآها أحد؟"

قالت كاتارينا بوجه مشدود:

"حاولت، لكن معبد القرمز منعني من الدخول."

وأضافت أكيلا ببرود:

"وأنا كذلك. لكني سمعت أن كبير المعالجين استُدعي إلى جناحها على عجل في الأسبوع الثاني قبل ثلاثة أشهر، وهذا يؤكد أنها أنجبت… توأمها."

تدخّل فين ووترز بصوت هادئ:

"لو كانا بالفعل وريثي اللورد، لاحتفل بهما، لا لاختبأ في الصمت. كان سيقيم مأدبة تزلزل أركان آشبرن."

قال فين بعدها:

"حرسه الشخصي زعم أنه أمرها بالرحيل. لابد أن شيئاً خطيراً قد حدث ليطرد سيدنا المرأة التي كان يعلن حبّه لها جهاراً. لا خيانة أعظم من كسر العهود المقدسة."

سألت أكيلا ببطء:

"أتظن حقاً أن امرأة في مكانتها قد تهبط لتشارك فراش أي رجل هنا… أو أسوأ، أحد الحراس؟"

ساد الصمت.

انعقد حاجبا أكيلا وارتسمت على شفتيها ابتسامة جميلة متحاملة تحمل احتقاراً خفياً. مجرد التلميح بأن الليدي سافيرا — امرأة ذات جمال سماوي يجعل الملوك أنفسهم يجثون عند قدميها — قد دنّست نفسها مع رجل مجهول، كان إهانة. قبضت بيديها على ذراعي الكرسي بقوة.

قالت محتدة:

"بابتسامة واحدة يمكنها أن تأسر نصف رجال المملكة، ونُصدّق أنها نامت مع رمّاح مغمور؟ شخص لا يستحق حتى تلميع حذاء سيدها؟ مهما بدت كلماتك منطقية يا فين، فإنها إهانة لنا جميعاً."

رفع كيلفن يده وقال بصوت منخفض لكنه حاسم:

"يكفي. هذا الموضوع شديد الحساسية. سيدنا سيتحدث… حين يكون مستعداً. حتى ذلك الحين، لا يُذكر هذا الأمر مجدداً."

ساد صمت متوتر، لا يُسمع فيه سوى طرقات المطر البعيد على الزجاج الملوّن.

تنحنحت كاتارينا ودفعـت الحديث إلى الأمام:

"فلنتحدث إذن عن الفيضانات. هل وجد أحد منكم حلاً؟"

في تلك اللحظة، انفتحت الأبواب العظيمة ببطء.

سكن المكان، ودخل رجل يرتدي عباءة سوداء مذهّبة تلمع بخفة تحت الضوء المصفّى. كان يسير ببطء، بخطوات محسوبة، وظهره منحنٍ من سنوات طويلة قضاها بين اللفائف والزجاجات والنصوص القديمة. خصلات من الشعر البني تحيط بوجه نحيل متفكّر، لكن في عينيه بريقاً حاداً كالنصل المخبأ تحت الحرير.

كان هو جيمس — كبير المعالجين في آشبرن.

انحنى برأسه قليلاً، فقوبل حضوره بالهمسات والنظرات المريبة. بعض اللوردات اعتدلوا في جلستهم، وآخرون تبادلوا النظرات.

قال القائد آدم، كاسراً الصمت:

"أعتقد أنه كان ينبغي أن تستدعيه بنفسك يا وصيّ المملكة. لكن بما أنك لم تفعل، فقد دعوتُه في الوقت الذي رأيتُه مناسباً."

قطّب كيلفن حاجبيه دون أن يرد، بينما ازداد التوتر في القاعة كثافة كالعاصفة بالخارج.

توقف جيمس عند حافة الدائرة، مستنداً على عصاه الخشبية، وعيناه الداكنتان تخفيان الكثير.

قال آدم بصوت ثابت:

"لدينا أسئلة، تتعلّق بتوأمي سيدنا."

تردّد صدى كلمة التوأم بين جدران القاعة، فاضطرب الحاضرون.

ظلّ جيمس صامتاً لحظة، وكأنه يزن ثقل السؤال، ثم قال بهدوء:

"اسألوا… لكن اعلموا أن بعض الحقائق، متى نُطقت، لا يمكن التراجع عنها."

2025/10/21 · 33 مشاهدة · 931 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025