في البداية، سارت أبيجيل—بخطوات محسوبة وهادئة، يتردد صدى خطواتها بخفوت في أرجاء الساحة الصامتة.
ثم حدث شيء ما.
تسارعت وتيرتها.
بعد لحظة قلب، كانت تركض—عباءتها تتمايل خلفها، وعيناها مركّزتان على نيرو بكل حدة. كادت قدماها ألا تلمس الأرض وهي تقفز في الهواء، مقربة المسافة في قفزة مقوسة واحدة. انحدرت شفرتها كالمنشار المقصّي، ضربة قاتلة اختبرت قوته منذ البداية.
لكن نيرو كان يتحرك بالفعل.
حتى قبل أن تهبط شفرتها، شعر بها—الاهتزاز الطفيف في الهواء، اضطراب النية. انفتحت الساحة بأكملها أمامه كخريطة حية. كل تحوّل وزن، كل ومضة نفس، كل شعاع حركة—كُشف له بالكامل. لم يرَ شفرة أبيجيل كتهديد—رآها كنمط، خيط ليُحلّ.
وفي تلك اللحظة، لم تكن عيناه عليها إطلاقًا.
كانت على آشر.
تحرك جانبًا بلا جهد، متجنبًا ضربة الانحدار القوية. لم تتوقف أبيجيل.
دارت في هجوم أفقي، محاولة الإمساك به أثناء تحركه—لكن نيرو صدّها برمش من معصمه، فولاذ يلتقي فولاذ. اقترب، ضاغطًا الهجوم، زخم جسده أجبرها على الرجوع خطوتين.
ابتسامة ارتسمت على شفتي أبيجيل. دمها تهتاج.
اندفعت من جديد، شفرتها تلمع بالرطوبة.
"عاصفة الشفرات الزرقاء."
ترددت الكلمات في عقلها بصمت وهي تحرّك سيفها للأمام.
انبثقت فجأة سحرية—ثلاثة أقواس هلالية مضيئة من الماء، متراكبة فوق بعضها البعض، تتلألأ بحدة كالشفرة. شهقت الحشود، إذ شقّت التقنية الهواء كأنياب وحش بحري.
لكن بدلًا من التراجع كما توقعت، فعل نيرو المستحيل.
اندفع.
بسرعة مذهلة، انطلق في قلب الهجوم، جسده يتحرك كتيار بين الأمواج. في اللحظة الأخيرة، قفز، ملتويًا في الهواء في لولب، متسللًا بخفة عبر الفراغ الضيق بين القوسين الثاني والثالث.
ثم—اختفى.
خفق قلب أبيجيل. غرست غرائزها صراخها. استدارت بسرعة، مدفوعة بسيفها نحو المكان الذي اعتقدت أنه قد يظهر فيه—
لكن تجمدت.
توقفت منتصف الضربة، ملتوية، يختنق تنفسها في الحلق.
سيف عند رقبتها.
بارد. لا يرحم. حقيقي.
اتسعت حدقتاها. دقّ قلبها كالرعد.
هل هذا… حقًا صبي يبلغ الثالثة عشرة؟
"هل تعتقدين أنني أستطيع البقاء بجانب سيدي بمستوى مهارة السيف هذا؟"
صوت نيرو هادئ، شبه بلا إحساس—لكنّه حمل وزن الحقيقة.
عضّت أبيجيل على أسنانها، وتحركت. بسرعة تفوق الخيال، لوّحت بسيفها في قوس ضيق—مصممة ليكون من المستحيل تفاديه.
لكن في طرفة عين—اختفى مرة أخرى.
غموض الحركة—وفجأة، عاد سيفه إلى عنقها، هذه المرة من الجانب المقابل.
لم يستغرق أكثر من ثانية واحدة.
على مدرج النبلاء، وضع آدم وجهه في كفه وتنهد.
"من المفترض أن يكون هذا ترفيهًا…"
صوته هادئ، يميل للشفق—ليس تجاه نيرو، بل تجاه أبيجيل.
كان للفُرسان كبرياء. ونيرو قد حطم ذلك بكل سهولة سريرية.
في السكون الذي تلاه، ارتفع صوت نيرو، أبرد من ذي قبل.
"هل تعرفين كم هو صعب أن تكون دم-السيف؟"
لم يصرخ. لم يكن بحاجة لذلك.
تلك الكلمات ثقلت الجو، غاصت في كل روح حاضرة. لم تكن تفاخرًا. لم تكن غطرسة.
كانت حقيقة.
لم يكن هذا مجرد صبي يحمل سيفًا.
كان الشبح الذي يغيّر مجريات المعارك. الظل الذي يحسب قتله بالمئات كل مرة يدخل فيها ساحة المعركة.
الذي حمى بوابات جوشين وحده.
الذي واجه داريوس—ولم يسقط.
الرجل المعلّم بتوراة، الشعلة البشرية.
ظل آشر.
عين الثعبان.
لم تكن هذه ألقابًا تُهمس في القصور. كانت تُذكر بخشوع في معسكرات الحرب المليئة بالدم، وخرائب منسية—أسماء للتخويف لا للتفاخر.
لكن هنا، القليل فقط يعرف.
وأقلهم فهمًا.
على شرفة المشاهدة، ضاقت روت عينيها، صوتها حاد بالفضول.
"هل هذا أقوى فارس في بيت آشبرن؟"
بجانبها، أجاب لوكاس أداموس بلا تردد.
"ماذا لو لم يكن؟ إنه في الثالثة عشرة."
زفرت روت ببطء، هادئة، كما لو أنها أدركت فجأة أنهم جميعًا شهدوا ما أخفته بيت آشبرن طوال هذا الوقت.
…
استمرت المعارك بعد مغادرة نيرو الساحة، لكن حضوره ظل—كظل ممتد في قلوب من شهدوه. أداءه تشبّث بالذاكرة كما تتشبث اللحم بالعظم: لا ينفصل، لا يُنكر، وواقعي.
مرت الساعات، وبدأت الشمس تغرب خلف جدران المدينة الغربية.
في النهاية، انتهت أحداث اليوم، وتلاشت الهتافات والهمسات الأخيرة في صمت. لكن مهام آشر لم تنتهِ بعد. النبلاء والتجار انتظروا—وجوههم مرسومة بابتسامات دافئة. التقاهم واحدًا تلو الآخر، صوته ثابت، عينه حادة، حتى خبت عقله من المحادثات التي لا تنتهي.
فقط عند حلول الليل انسحب أخيرًا إلى هدوء حجراته.
هناك، أخيرًا، انزلقت الثقل من كتفيه.
استلقى على سريره بجانب سافيرا، تنفسها رقيق، وجسده يغوص في المرتبة الفخمة. غلفهم السكون الناعم للسهرة كنسيج منسوج من السلام.
همس الحياة خارج النوافذ بدا بعيدًا، لا يهم. عاد السلام إليه—ليس ذلك الذي يأتي من الانتصار، بل الهدوء النادر الذي يوجد ببساطة في الشعور بالأمان.
لفترة، لم يوجد شيء سوى النفس والأحلام.
حتى—
BANG! BANG! BANG!
اهتز الباب بسلسلة من الطرق العنيفة، محطمًا الهدوء كقرن حرب في معبد. فتحت عيني آشر على وسعه. نهضت سافيرا بجانبه، والملاءات ملتفة حول أطرافها.
"سيدي! سيدتي!"
الصوت، يائس، خام، شبه محطم، تردّد من وراء الباب الثقيل.
لم يضرب أذنهم فقط، بل أرواحهم.
"إنه… ميا." لم تستطع سافيرا الكلام بشكل صحيح.
ارتجف قلب آشر.
لماذا؟
ما هذا الشعور؟
هل هو خوف؟ هل المدينة تحت الحصار؟ هل القتلة في القاعات؟
لماذا يشعر صدره بالضيق، كما لو أن شيئًا ثمينًا ينزلق من بين أصابعه؟
عاد الصوت—أعلى، متصدع.
"سيدتي! افتحي الباب! ميرلين وأتريدس… إنهما… إنهما—!"
توقفت الكلمات هناك، عالقة في حلق المرسل. لكن ما لم يأتِ عبر الباب وصل في موجات من الصمت التالي.
الرعب.
خام، صافٍ، لا يخفف.
كان آشر بالفعل على قدميه، عاري، يلهث، قلبه يدق كطبول الحرب وهو يقطع الغرفة—
كالشبح، ظهر عند الباب.