الشهر الثاني عشر من السنة 526، العصر الجديد.

كانت الصقور تحلق عالياً في سماء مكسوة بالثلوج، تصدح صرخاتها فوق اتساع البحر الأزرق.

وفي الأسفل، كانت سفينة عملاقة — تُعرف باسم “سفينة المقاطعة” — تشق الأمواج بثبات، كحصن عائم فوق الماء.

كانت تحفة هندسية مذهلة، ضخمة إلى درجة أنها قادرة على حمل عشرين ألف شخص، ومع ذلك تنساب على الماء برشاقة وحزم.

لكنها لم تكن وحدها.

فإلى جانبها أبحرت سفينة أخرى مماثلة، وعلى بُعد كيلومترات، خلف الأفق، كانت تلوح “سفينة المدينة” — عملاقاً طافياً يفوق حجم معظم العواصم الملكية.

مدينة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى؛ فيها أبراج وقباب وشوارع وساحات، قائمة فوق هيكل ضخم لا يكاد يُصدق من رآه.

ومع ذلك، وسط هذه العجائب البحرية، كانت السفينة الأولى تحمل الأهمية الأكبر — إذ على سطحها وقف آشر آشبورن، السيد الأعلى لهذه السفن، وحاكم هذا المجال العظيم.

كان يرتدي معطفاً أسود طويلاً يتمايل مع الرياح المالحة، وشَعره الأبيض كالثلج يتطاير خلفه كراية فضية، وعيناه الذهبيتان الحادتان تتأملان الجنود الواقفين أمامه بصرامة الملوك.

على السطح، اصطف ثمانية عشر ألف جندي بحري في صفوف متراصة، بحر بشري من الجلد المدبوغ والانضباط يمتد حتى الأفق.

كان هؤلاء في الماضي عبيداً — أجساداً منهكة مكبلة بالسلاسل، أُجبروا على العمل القاسي دون نهاية.

لكن هنا، على متن سفن آشبورن، وُلدوا من جديد.

تغذّوا جيداً، مُنحوا هدفاً، وتدرّبوا بلا توقف على طريق الحديد — أسلوب قتال يصقل الجسد والعقل معاً.

ذلك الطريق دعا إلى مثالية واحدة: “صلّب جسدك حتى يصبح كالفولاذ، لا ينكسر ولا يُثنى.”

وهؤلاء الثمانية عشر ألفاً لبّوا النداء.

لقد صاروا فرساناً من الرتبة الذهبية — أول درجات الفروسية الحقيقية.

في معظم الممالك، كانت تلك الرتبة تجلب الاحترام والمجد، لكن في مملكة آشبورن، حيث المحاصيل المسحورة والأطعمة العجيبة ترفع شأن حتى أدناهم، أصبحت الرتبة الذهبية مجرد معيار عادي.

كل ما هو أقل من ذلك لا يستحق أن يكون جزءاً من جيشه.

في مقدمة الصفوف وقف رجل ذو شعر أزرق متدفق، ملامحه نبيلة ونظرته ثابتة.

كان يرتدي سترة جلدية سوداء مرصعة، فوق قميص كتان بسيط، وساعديه مغطّيين بحراس معدنية، وسرواله مثبت في حذاء جلدي متين.

على ظهره درع خشبي، وفي يده رمح لامع يلمع طرفه تحت الشمس.

كان واقفاً بانضباط، رمزاً للوحدة والقوة، ينتظر أمر القائد الذي حرّرهم وأعاد صياغتهم.

اسمه إيغون، عبدٌ سابق، لكنه وُلد من أسرة نبيلة قبل أن يُبيد جيش “إيفرارد” أهله ويدمر وطنه.

أما الآن، فكل ما تبقّى من هويته انتمى لآشبورن، الذي منحه حياة ثانية وغاية يقاتل لأجلها.

أثبت إيغون نفسه منذ البداية؛ فقد وُلد بموهبة نادرة من الدرجة العليا، تمنحه القدرة على التنفس والحركة في الماء برشاقة الكائنات البحرية.

وهذه الموهبة، إلى جانب صلابته التي صيغت من الألم والإصرار، جعلت اللورد “فين” يختاره قائداً للقوة البحرية.

لكن حتى هو، لم يكن مستعداً لما رآه الآن.

> (هل هذا... هو؟)

ارتجفت عينا إيغون وهو يحدّق بالرجل أمامه — آشر آشبورن — جسده الضخم مغطى بالسواد، شعره الأبيض يتطاير كالنجوم، يحيط به محاربون يكسرون منطق الخيال.

كان آشر بطول مترين تقريباً، ومع ذلك بدا الأصغر بينهم.

إلى جانبه وقف رجل بطول مترين ونصف، أشبه بوحش من العضلات يُدعى “نيرو ذو العين الأفعوانية”، وحوله أربعة فرسان مدرعين بالذهب الباهت، أطوالهم تقارب طوله.

> (إنهم عمالقة!)

شهق إيغون مندهشاً.

لم يسبق له أن غادر “سفينة المدينة”، ولا وطئت قدماه اليابسة يوماً.

كان يسمع فقط حكايات المغنين والجنود السكارى عن محاربين عمالقة، وعن مدن مدفونة تحت الأرض وجزر طافية في السماء — وظنها خرافات.

لكنهم الآن أمامه... أحياء.

أساطير تتنفس.

وفي وسطهم يقف الرجل الذي يحكم هذا العالم العجيب، حضوره أثقل من الحديد، وهيبته تفوق هيبة البحر نفسه.

جثا إيغون على ركبة واحدة وصاح بصوت جهوري:

“نحيي سيدنا!”

فتبعه الجنود الثمانية عشر ألفاً في انسجام تام، يقرعون رماحهم على دروعهم ثلاث مرات، فاهتز البحر تحت صدى أصواتهم كالبرق فوق الأمواج.

لم يتكلم آشر، بل اكتفى بابتسامة خفيفة — باردة أكثر مما هي مطمئنة.

ارتعشت يدا إيغون قليلاً.

رغم سنوات القتال والتدريب، شعر بخجل دفين.

فهو الوحيد بينهم الذي خاض حروباً حقيقية، ومع ذلك أدرك ما يراه آشر فيهم:

الضعف.

صحيح أنهم فرسان من الرتبة الذهبية، لكن في مملكة آشبورن، حيث تُدرّس فنون القتال كما تُتلى الكتب المقدسة، لم تعد الرتبة الذهبية سوى بداية الطريق.

أما البحرية، في نظر آشر، فليست سوى تجربة... لا جيشاً حقيقياً.

وبالمقارنة مع “الدرع العظيم” و”جيش الجبهة” — تلك الفيالق الأسطورية التي تهاباها الممالك الشمالية — لم يكن “تنانين العاصفة” سوى متدربين من البحر.

ورأى إيغون الحقيقة واضحة كالماء.

لم يبلغوا بعد مستوى الاستحقاق.

> [تم استيفاء شروط الترقية: ستة أشهر من التدريب المكثف. هل يرغب المستخدم في ترقية فرسان تنين العاصفة من الرتبة الذهبية إلى الرتبة الماسية المسحورة؟ نعم / لا]

أجاب آشر في ذهنه:

> (نعم).

وفي لحظة، انفجر نور ذهبي من أجساد الفرسان، يصعد نحو السماء كألسنة من اللهب.

ارتفعت شهقات الدهشة فوق السطح وهم ينظرون إلى أجسادهم المتلألئة بعدم تصديق.

ثم —

دووووم!

اشتد الضوء حتى صار كالعاصفة المبهرة، يغمر السفينة بضوء ساطع.

سكنت الأصوات، ثم تدفقت المعرفة في عقولهم كطوفان.

الدرجـة الفانية بدأت بالعمل، تغمر أرواحهم بخبرة قتال عمرها عشر سنوات في ثوانٍ.

تكتيكات، ردود فعل، غرائز، تشكيلات — عاشوا معارك لم يخوضوها قط، اكتسبوا مهارات لم يتعلموها من قبل.

وأجسادهم تجاوبت فوراً.

انقبضت عضلاتهم وأُعيدت صياغتها، عظامهم صارت أصلب، أطرافهم أقوى.

صرخوا، لا ألماً بل انبهاراً، وهم يشهدون أنفسهم يتحولون.

من عبيد سابقين وفرسان من الرتبة الذهبية... صاروا الآن عمالقة من الفولاذ.

ارتفعت أطوالهم إلى مترين وأكثر، بعضهم تجاوز المترين وعشرين.

تمزقت دروعهم القديمة تحت القوة الجديدة، واشتعلت بوميض ذهبي قبل أن تُستبدل بأخرى حديثة.

ارتدوا دروعاً شبكية من الحديد السميك المرن، تغطي أجسادهم بإحكام كجلد ثانٍ، تعلوها صدريات على شكل حرف V، مصممة لصرف الضربات لا لامتصاصها.

أكمام فضية معززة، وكتفيات حادة كأنها أنياب قرش، وخوذ مزينة بزَعانف تمتد من الجانبين، تكشف العيون والفم فقط لإضفاء رهبة مميتة.

وسقطت اللمسات الأخيرة كأنها نزلت من السماء — ريشة بيضاء تنسدل من كل خوذة، تليها عباءة بيضاء طويلة ترفرف خلفهم كرايات حرب.

استبدلت دروعهم الخشبية بدروع فضية مستديرة منقوشة بشعار آشبورن، ورماحهم تحولت إلى رماح ثلاثية الرؤوس أطول وأكثر فتكاً، تلمع أطرافها كأنها خارجة لتوها من النار.

لم يعودوا بشراً عاديين.

لقد صاروا ثمانية عشر ألفاً من فرسان تنين العاصفة الماسيين — مقاتلين بحريين مدرعين، دروعهم مسحورة لتكون خفيفة في الماء وصلبة أمام أقوى الأسلحة.

نظراتهم حادة لا تعرف الرحمة، صيادو البحر أصبحوا أسياد المد والجزر.

وفي مقدمتهم وقف إيغون.

دروعه الذهبية تتألق وسطهم، والطاقة القتالية التي تحيط به تنبض كأمواج البحر الغاضب.

قبض على قبضته بشدة، وأنفاسه ثقيلة.

لقد علم تماماً من أين جاءت هذه المعجزة.

إنه آشر.

هو وحده القادر على كسر قوانين النمو وصبّ سنوات الخبرة في لحظة واحدة.

هل هذا دائم؟ لم يكن يعلم.

لكن حتى لو استمر لساعات فقط —

فهذا هو القوة الحقيقية.

قوة لا تُصدق.

والآن... أصبحت لهم.

*********************

[المترجمة: Rose]

هلو گايز كيفكم حابه اقول شغله بعض الاحيان انزل الفصول بليل وهذه بسبب دراستي وبكون كتيير مشغولة بس انا ماسحبت عنكم ابداا حتى وانا عندي امتحانات بتمنى انكم ما تنزعجو بسبب اوقاات التنزيل وبس 🙂‍↕️🤍🤍

2025/10/22 · 28 مشاهدة · 1107 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025