كانت سفينتان من سفن المقاطعة تشقان طريقهما عبر بحر كريوس، تمزقان المياه الملبدة بالضباب متجهتين نحو مملكة إيفرارد.

إحداهما تحمل ثمانية عشر ألفاً من فرسان تنين العاصفة، والأخرى خمسة آلاف من فرسان الرماد الرمادي.

ثلاثة وعشرون ألف مقاتل في المجموع.

مرّت أسابيع، وعلى سطح السفينة المتقدمة، وعلى بُعد مئتي متر، وقف نيرو مكتوف اليدين يراقب بصمت.

كان آشر يتدرّب... من جديد... بلا توقف.

إلى جانبه وقف موسى وسيمون، وقد ظلّ الثلاثة يراقبونه لساعات — بل لأيام.

قال موسى وهو يضيق عينه الوحيدة:

"إنه يلوّح بتلك السيف منذ أسبوعين دون توقف... لا راحة، لا طعام... كيف يمكن ذلك؟"

كل مرة يتحرك فيها آشر، بدا وكأن الريح تخضع له.

كانت ضرباته تشق الهواء بدقة مذهلة، حتى إن كل حركة تُصدر صفيراً حاداً يشبه صرخة الريح نفسها.

أسلوبه بسيط — ضربات متكررة — لكنه لم يكن عادياً على الإطلاق.

كأن سيفه تحرّر من قوانين العالم، يقطع الهواء بإرادته وحده.

قال سيمون بهدوء:

"إنه من المستيقظين... تجاوزوا حدود الأجناس والأجساد. البقاء دون طعام لشهر بالنسبة لهم أمر تافه. لو أطلق طاقته كاملة الآن، لتجمّد كل من على السفينة فوراً. سنصير تماثيل."

تعلّم سيمون ذلك من اللورد "ونتر"، ولم يكن يتخيل يوماً أن آشر — ابن الخامسة والعشرين فقط — سيصل إلى هذا المستوى.

قطّب موسى حاجبيه:

"إلى هذا الحد هم أقوياء؟"

ردّ سيمون:

"القوة لا تكفي لوصفهم. عندما نقترب من رتبة الممجّدين، تتقارب القدرات الجسدية بين المحاربين، ونبدأ نعتمد على طاقتنا القتالية لتجاوز بعضنا — ولكن لفترات قصيرة. أما المستيقظون، فطاقة القتال فيهم مثل البحر... لا تنضب، تدوم لأسابيع."

رمق سيمون آشر بنظرة صامتة وهو يتحرك على سطح السفينة بخفة، ظلّه ينعكس في عينيه كشبح حربٍ يرقص بين العواصف.

ثم أضاف:

"لهذا لا يرسل الحكام جيوشهم لقتلهم ببساطة."

عقد موسى ذراعيه بتشكك:

"إذن، لماذا لم يتمكن أولئك الذين يمتلكونهم من غزو العالم؟"

توهجت عينا سيمون قليلاً قبل أن يجيب:

"لأنهم يموتون."

استدار نيرو وموسى نحوه بدهشة حادة.

تابع سيمون بصوت خافت:

"ذلك المستوى من القوة لم يُخلق للبشر. وحدهم القدماء استطاعوا تحمّله بلا عواقب. أما المستيقظون، فإرادتهم وقدرتهم — القدرة على تمزيق نسيج الواقع وصياغته بما يعكس قلوبهم — تجعلهم... شيئاً آخر، غير طبيعي."

"العالم يرفضهم. أجسادهم نفسها ترفضهم. كل مستيقظ هو كائن يحتضر ببطء."

تنهد سيمون وهو يراقب آشر يقفز في الهواء، يلوّح بسيفه بقوة هائلة، ثم يرفع درعه ويواصل القتال ضد عدو غير مرئي.

"والمفارقة..." قال هامساً، "أن أغلبهم يعيش لقرون. فكيف لمن يرفضه جسده والعالم أن يعيش أطول منا جميعاً؟"

وكأن كلماته استدعت الرد، خفّض آشر سيفه ودرعه، وتوجّه نحوهم بخطوات بطيئة ونظرة غامضة.

وعندما وصل إليهم، قال بصوت منخفض لكنه عميق:

"أنت مخطئ يا سيمون... أنت تقارننا بهم."

تجمّد الثلاثة.

فمجرد كلمة نحن التي قالها، جعلت أجسادهم ترتجف.

رغم أن الصوت كان صوته، إلا أن شيئاً غامضاً تغيّر فيه.

صدى عتيق، عظيم، كأنه صادر من عالم آخر.

الهواء أصبح أثقل، والواقع بدا أبعد.

كان يتحدث عن نفسه، ومع ذلك شعروا وكأن أمة بأكملها تتحدث بلسانه.

تابع آشر قائلاً:

"أولئك الذين بلغوا حالة الاستيقاظ احتاجوا إلى قرون ليصلوا إليها. معظمهم لم يعش أكثر من عقدين أو ثلاثة بعد عبور تلك العتبة، ومنذها وهم نائمون في عزلة.

لكننا... نحن الوحيدون الذين بلغناها في هذا العمر الصغير."

أدار وجهه جانباً، ووميض غامض مرّ في عينيه.

> (يمكنك القول إننا ربما لن نعيش حتى نبلغ المئة.)

لم يكد يخطو بضع خطوات حتى اخترق صرخة حادة الصمت.

رفع آشر رأسه، فرأى صقراً يشق السماء، ثم يهبط كنجمة ساقطة.

فردّ جناحيه وهبط على كتفه برشاقة.

مد آشر يده إلى جيبه وأخرج قطعة طعام صغيرة.

لقد تعلم منذ زمن أن تلك المكافآت الخاصة تصدر رائحة لا تراها إلا أعين الصقور المدربة — علامة ترشدها إلى من أُرسلت له الرسالة. وكان يحتفظ بها دوماً معه.

تناول الصقر طعامه، فيما فتح آشر الرسالة.

تغيّر وجهه على الفور.

> (منظمة الظل؟)

(مقرهم... في إيفرارد؟)

قال بصوت بارد:

"هكذا إذن..."

...

بعد شهرين.

في أنتيوخ — إحدى أكبر مدن جزيرة إيفرارد الحدودية.

مدينة لا تنام، تشتهر بأسواق العبيد الضخمة ومرافئها المزدحمة.

العشرات من السفن تصطف عند الأرصفة، ورائحة الملح والعفن تملأ الأجواء.

وفي أحد شوارع سوق العبيد، تجمع رجال ونساء من الطبقة الثرية، تتلألأ جواهرهم تحت الشمس وهم يضعون أيديهم على أفواههم في صمت مذهول.

كانوا يقفون أمام جدار الأسماء العظيم.

رجل سُمّر عليه.

جسده مغطى بالطين الأسود والدم الجاف، رأسه متدلٍ، وبشرته باهتة كالجليد.

المسامير الحديدية تثبّت معصميه وكاحليه على الجدار، الذي كُتبت عليه آلاف الأسماء بخطوط من رماد ودم.

ذلك الرجل كان جوزيف — أحد نبلاء آشبورن.

تقدّم براكسن أول، الحاكم السمين لمدينة أنتيوخ، متمايلاً بخطواته الثقيلة.

خدوده ترتجف مع كل خطوة، وفي يده رمح احتفالي طويل.

بزفرة متعبة، غرز الرمح في صدر جوزيف، بين ضلوعه.

لم يصرخ. لم يتحرك.

قال براكسن متبرماً:

"هاه، مات أخيراً... لا أعلم مما يصنعون عظام رجال آشبورن، لكنها كالفولاذ. استغرق شهراً كاملاً ليموت."

ضحك بخفة، ثم التفت إلى ضيوفه — مبعوثي إمبراطورية غالفيا، زبائنه المفضلين!

وقال بابتسامة متغطرسة:

"للأسف، لم ينهار الآخرون بعد. لذا لا أستطيع تزويدكم بعد بالمحاربين العبيد، لكني أظنكم لن تمانعوا ببعض نسائهم الشاحبات الجميلات، أليس كذلك؟"

تلألأت نظرات الاهتمام في أعين بعضهم، فاتسعت ابتسامته أكثر.

لم يكن يعلم أن في تلك اللحظة بالذات، كانت سفينتان ضخمتان من سفن المقاطعة تقتحمان مياهه الإقليمية.

وعلى مقدّمتهما، وقف سيد لا يعرف الرحمة، عيناه باردتان كالفولاذ الشتوي...

قادماً نحوه ومعه العاصفة... والانتقام.

2025/10/22 · 25 مشاهدة · 839 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025