السماء شاسعة بلا نهاية، مظللة بسحب سوداء كالمداد. لم يلمع أي قمر تلك الليلة—فقط نجوم باهتة معلقة بصمت، كأنها مراقبون قدامى.
تحت مظلة الأشجار الشاهقة، محاطة بجدران خشبية سميكة، كانت المدينة تنبض بالحياة بهدوء. النار تتراقص في دوائر حيث اجتمع رجال طوال القامة، نصف عمالقة ومحاربون مخضرمون، ومعاطفهم على الكتفين ودروعهم بجانبهم. البرد قارس، لكن ضوء النار كان دافئًا على وجوههم.
في مركز تجمعهم، كان قدر ضخم معلق فوق نار مفتوحة. موسى يقلب الحساء بملعقة عملاقة، ورائحته الغنية تثير الضحكات المتوقعة من الجالسين حول النار.
قال ليفي ساخرًا: "من علمك الطهي أيها العملاق الكبير؟"
ابتسم موسى بثقة: "والدي. عندما كنت همجيًا، كنت أفضل طباخ في بلدتي."
اندلعت الضحكات في المخيم.
سأل أحدهم مازحًا: "وماذا كانت النساء تفعل حينها؟"
رد آخر: "تقاتلن للفوز بيده!"
ترددت ضحكات قوية عبر المخيم، والجو أصبح خفيفًا رغم الظلام الذي يضغط على حواف الغابة.
مال إليازار للأمام، وعيناه تتألقان من وهج النار: "سمعت أن لك اسمًا آخر حينها. ما هو؟"
توقف موسى، وضع الملعقة على حافة القدر: "بوبّا. بوبّا، قاذف النار ذو العين الواحدة. قاتلت سيادته قبل أن أنضم إليه، وألقيت بي في سجن سيلفرليف."
عم صمت مفاجئ بين المجموعة.
اتسعت عيون ليفي: "نجوت من ذلك المكان؟"
سمع الجميع عن الأساطير. سجن سيلفرليف—حصن هائل من المعدن على جبال آش، مكان لا تتدفق فيه القوة. مكان تتحول فيه القوي إلى فريسة، والضعفاء… لا يلبثون طويلًا. كان مقر الحراس، وحارسهم يُشاع أنه يستطيع التحول إلى تنين.
لم يشك أحد في موسى بعد ذلك. اكتفوا بالإيماء وتقديم الاحترام الصامت.
…
في منزل اللورد، مبنى حجري طويل مدعّم بالأعمدة الخشبية، كانت نار أخرى تتراقص في حجرة آشر الخاصة.
الجو أثقل هنا.
على طاولة حجرية واسعة، كان هناك خريطة بدائية مرسومة على الرمال والعصي والحصى. الأحجار تمثل المرتفعات البعيدة، والعصي خطوط الأشجار، وقطع الطحالب تمثل المسارات والتلال.
وقف آشر أمامها، درع ليفياثان يلمع بخفة تحت الفوانيس، وسيمون بجانبه هادئ، بينما نيرو يحك عنقه بوضوح قلق.
قال نيرو: "نحن محاطون بالغابة البيضاء. لا أنهار. لا بحيرات. المصدر الوحيد للماء هو البراميل التي جلبناها من ديارنا."
تركزت عيون آشر على الخريطة: "ننشئ سدًا، ونحفر بئرًا. إذا لم يكن هناك شيء، نخلقه."
تحدث سيمون بنبرة منخفضة: "ليست المشكلة فقط قلة الماء. إنه الصمت."
أومأ نيرو بجدية: "سلكنا غابات كهذه من قبل. يجب أن يكون هناك شيء. خنازير، ثعابين، وحوش ضالة… شيء. لكن يبدو أن كل شيء يعرف ألا يخطو هنا."
التقط آشر حجرًا صغيرًا ووضعه عند حافة الحفرة: "إنهم لم يذهبوا. لقد تم تطهيرهم."
عبّرت سيمون: "بواسطة المينوتورات؟ كل شيء؟!"
رد آشر: "هم ليسوا صيادين. هم مستوطنون. ما رأيناه—عشرات الآلاف ربما—كان فقط ما كان خارج الكهف."
عم الصمت في الغرفة، ما عدا صوت النار.
قال آشر منخفضًا: "نحن نبني على حافة عاصفة نائمة. خطوة واحدة خاطئة… وستستيقظ."
وفجأة، دوى بوق—عميق وغليظ، محمّل بالإنذار.
حبس آشر أنفاسه.
استدار نحو الصوت، اتسعت عيناه لرؤية وهج أحمر يخترق الظلام—نيران، ودوامات كثيفة من الدخان.
إشارة من برج مراقبة.
الرسالة واضحة: الأعداء قريبون، ويقتربون بسرعة.
صاح آشر: "استعدوا! إلى الأسوار!"، وصوتُه قطع الهواء كالبرق. أسرع المحاربون، يمسكون الرماح والسيوف والدروع، وانهارت المدينة في حركة فوضوية.
بلمحة واحدة، أخرج آشر سيفه، وغرس قدميه في التربة—بووم—وبانفجار قوة، قفز إلى أعلى الجدار الخشبي، ومعطفه يرفرف في الريح.
أمعن النظر في الأفق.
هناك، بعد التل الثاني، تحركت شخصيات في الظلام.
قال: "أشعلوهم."
مد ذراعه، وانفجرت كل مواقد النار على الجدران. رقصت النيران عالية، دافعة الظلال، مضيئة الليل. أطلق المحاربون على الأسوار هتافات النصر.
في الأسفل، اندفع عمر، ضخم البنية، على البوابة نصف المغلقة: "إليّ! ثبتوا البوابات!" صرخ، وتبعه عدة نصف عمالقة. استخدموا الحبال والأعمدة لتثبيت البوابة.
ظهر نيرو بجانب آشر على الجدار: "هل تراهم؟"
قال آشر بجدية: "فرسان."
أحد نصف العمالقة، عريض وضخم، خرج من الغابة، يجري نحو الأشجار الأخيرة، لكن لم يصل.
انقطع رأسه بشفرة فضية خاطفة، ورذاذ الدم انطلق في الهواء.
ظهر فارس من الظلال.
مرتديًا الأبيض والذهب، على حصان ضخم كثلج جديد، يحمل سيفًا هائلًا مشعًا، كامل جسده من الذهب اللامع، بنقوش نابضة بالقوة.
عرف آشر على الفور: سيف الملك—سلاح السلطة العليا، لمن يحمل التاج.
الفارس كان آرون، اسمه ما زال يتردد في كل تيناريا، وليس وحده.
من خلفه، خرجت فرقة من فرسان النخبة، بجيادهم الثقيلة ودروعهم المتألقة، ورايات بنفسجية بشعار الخالدين، حراس إمبراطورية ساقطة.
وفي قلبهم، ظهر ريول، ملك إنتيس، صديق آشر القديم.
تسارع نبض آشر.
الرسالة كانت واضحة: لقد أتوا للقضاء عليه.
===================================
[المترجمة: Rose]
گايز روايتنا دخلت المرتبة ال[5] 🥺🥳🎆🎇
عقبال تصعد اكثر ان شاء الله