كانت نِفِس، عبقرية مملكة إنتيس، تقف بصمت فوق غصن شجرة شاهقة ذات لحاء أبيض كالثلج وأوراق متوهجة بلون برتقالي عميق يشبه اللهب المتجمد في منتصف حركته. كانت مغطاة بتعويذة إخفاء، تمر الرياح من خلالها كأنها مجرد همسة في الغابة.

انحدر شعرها الأسود الطويل على كتفيها في موجات داكنة، متناقضًا مع الثلوج التي تغطي الأغصان من حولها. ومع ذلك، لم يجرؤ البرد على لمس بشرتها. كانت ترتدي ثوبًا ملكيًا من المخمل الأسود الغامق، يلتصق بجسدها الأنيق بخيوط قرمزية متشابكة عند صدرها.

تزين عنقها تطريزات ذهبية دقيقة، تشبه رموز السحر القديمة، تمتد كأنها نبات متجمد نحو خصرها. وفوقها عباءة حريرية برتقالية محترقة، منسوجة بخيوط فضية، تتدلى من كتفيها كأنها بقايا خريف مشتعلة. أما بطانتها فكانت من فرو ناعم دافئ، مأخوذ من وحشٍ انقرض منذ أزمنة، ومُسحر ليمنحها الدفء ويخفي خطواتها.

تدلت من عنقها قلادة من الأوبال الأسود، تتراقص في داخلها ذرات تشبه غبار النجوم، مربوطة بالفضة، وتصدر طنينًا خفيفًا من الطاقة السحرية. كانت عيناها، خلف حجاب السكون الذي صنعته تعويذتها، تراقبان العالم الثلجي أسفلها بنظرة باردة، حاسبة.

وقف على جانبيها ساحران مسنان في الستينيات من عمرهما، يطفوان في الهواء بثبات وكأنهما يقفان على أرض صلبة. شعرهما الرمادي مربوط بعناية، ووجهاهما يحملان آثار السنين والمعرفة. وعلى الرغم من أعوام دراستهما الطويلة، كانا يقفان باحترام بجانبها.

رحلة السحر طويلة، تستهلك الأعمار، وتتطلب دراسة لا تتوقف وانضباطًا وتضحية.

لكن ما يحتاج الآخرون إلى عشر سنوات لإتقانه، كانت نِفِس تتقنه في عام واحد فقط. بذكائها الفذ وقدرتها على خلق عشرات النسخ السحرية المستقلة، تجاوزت جميع أقرانها بسهولة مرعبة.

العِلم كان ينحني أمام إرادتها، والسحر القديم الغامض يجيب نداءها بلا تردد.

لكن حتى أكثر الموهوبين لا يُعفون من الخيانة.

نعم… لقد خانها.

تذكّرته جيدًا — كيف كان يتودد إليها ككلبٍ مخلص، وكيف كان يُغدق عليها المديح بعينين تلمعان بالولع. لكن كل ذلك الإعجاب تحطم عندما علم بخطبتها من "تشنغ دونغ". اختفى المديح كما يذوب الدخان، وتحولت المودة إلى حقد. في ليلة واحدة دمّر كل ما بنته — تلك الشركة كانت من حقها، ميراثها منذ طفولتها، لكنه أحرقها تمامًا!

والآن، في هذا العالم الجديد، البعيد عن الماضي، ما زالت الندوب تؤلمها. عادت أقوى، أخطر، محاطة بالحلفاء والسلطة. ومع ذلك… عاد هو أيضًا.

آشر.

شوكة لا تضعف ولا تزول.

شدت فكّيها، وأنفاسها تبخرت في البرد.

لماذا لم يكن مثل الآخرين؟ يائسًا، متوسلًا، يسعى لرضاها؟

لماذا لم يقاتل من أجلها كما يفعل الرجال عادةً؟

من سمح له أن يمضي قدمًا؟ أن يتزوج امرأة مثل سافيرا؟

صرّت أسنانها، وملامحها تشوهت بالغضب، وبريق الجنون اشتعل في عينيها.

قالت بصوتٍ مبحوحٍ بالحقد:

"هذه نهايتك."

رفعت يدها، ومع صوت تشقق الهواء، بدأت عصا سحرية تتشكل من الضباب والضوء، حتى تجمدت على هيئة عصا أوبسيديان سوداء منقوشة برموز ذهبية متوهجة. وقلّدها الساحران بجانبها، مستدعيين عصيهما بينما بدأوا بترديد تعويذة عميقة، متناغمة، تردد صداها كأنها ترنيمة من عالم آخر.

انفصل أحد الساحرين عنها قليلًا، وزاد من قوة الإخفاء حولهم، مضيفًا طبقات من الصمت والعتمة حتى صار وجودهم أشبه بالعدم. لا أثر للطاقة، ولا حركة تُكشف.

وفي الأسفل، بين الثلوج، كان آشر يقاتل اثنين من القادة، وبجانبه تجلّي "كيروس".

اصطدم الفولاذ بالفولاذ، الشرر يتطاير، والثلج يذوب تحت الأقدام.

انحرف آشر بحدة لتفادي ضربة آرون الواسعة — لكنه فوجئ بما هو أسوأ.

لم تكن ضربة مادية — بل مشهدًا عابرًا في ذهنه.

رأى "نيرو" ميتًا عند قدميه. و"أليكس" ينظر إليه بعينين خاليتين من الحياة.

تجمد قلبه للحظة، لكنه لم يُمنح وقتًا ليلتقط أنفاسه.

ظهر مشهد آخر — نصف مملكته مدمّر، الأرض سوداء ميّتة، السماء بلا حياة، الرماد يغطي بقايا شعبه.

لم يكن هذا وهماً من صنع الخيال كخداع "روييل"، بل حقيقة ممزقة من داخله — خوفه الأعمق.

لقد أصبح أسيرًا داخل عالم آرون الداخلي، عالمٍ يُظهر أكثر ما يرعب النفس.

والأسوأ أن كل جرح كان يُحدثه في جسد آرون يلتئم في لحظة، بينما جراحه هو تتآكل بسُمٍ خفيّ، لحمُه وروحه ينهشان ببطء.

اشتدت نظراته، جسده يتخذ وضع القتال، وغضب الأجداد يجري في عروقه كالرعد.

لكن حتى قوتهم لم تكن كافية لإنهاء آرون.

كل ما استطاع فعله هو إصابته — مرة بعد مرة — بينما العدو يشفى بلا نهاية، كصدى لُعنةٍ لا تموت.

وفي الأعلى، كانت نِفِس تراقب المشهد، قبضتها مشدودة على عصاها، وترتيلة انتقامها ترتفع بين الغيوم، والستار السحري حولها ينبض بقوة، واللحظة الحاسمة تقترب.

اندفع آشر للأمام، سيفه يرسم قوسًا لامعًا في الهواء، والبرد يتفجر منه كعاصفة جليدية غلفت السلاح بالثلج المتلألئ.

كانت البرودة شديدة لدرجة أن ضبابًا أبيض كثيفًا غطى ساحة المعركة بأكملها.

حشد كل ما تبقى من قوته، وضرب الأرض بقدميه فانفجرت الصخور تحته، وانطلق كطيفٍ جامح بسرعة لم يبلغها من قبل.

ض narrowed آرون عينيه، ورفع سيفه الملكي العملاق بثقة.

ضربته كانت عمودية، ثقيلة كأنها قُصد بها شق جبل نصفين.

اصطدم السيفان.

توقّف العالم لثانية.

صوتٌ مروع دوّى في الغابة، جليدٌ ضد سلطان، ذئب ضد ملك.

تحطم سيف "ليفاياثان" الخاص بآشر، تناثرت شظاياه اللامعة في الهواء، ولم يبقَ سوى المقبض في يده.

تجمد في مكانه، يتأمل أنقاض سلاحه الذي كان رمزه وقوته.

لم يتوقف آرون، بل أدار جسده بضربة مرتدة سريعة نحو خاصرة آشر، يريد أن ينهي كل شيء.

لكن كيروس تدخّل.

في لحظة واحدة، ترك معركته مع "روييل" واندفع كالبرق، فاعترض الضربة، وتلاقى السيفان بصوت مدوٍ.

ارتجّت الأرض تحتهم، وتبادلوا النظرات، التوتر يخنق الهواء.

أما آشر، فظل ممسكًا بمقبض السيف المكسور، ينظر إليه بفراغ غريب، والثلج من حوله بدأ يذوب ببطء على جلده الملطخ بالدماء.

كل شيء يتحطم — سيفه، إيقاعه، يقينه — لكن روحه لم تنكسر بعد.

وكان كيروس لا يزال بجانبه.

لكن من بعيد، اشتعل ضوء برتقالي ساطع من قلب بلدة وايتوود…

ضوء بدا وكأنه — بداية النهاية.

2025/10/23 · 15 مشاهدة · 877 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025