في منتصف النهار، كان السماء صافية ومشرقة، لكن آشر شعر بشيء يتحرك.
بدأ الأمر بنسيم خفيف، لطيف، وكأنه يلعب بين أغصان شجرة الوايتوود. لم يعره آشر أي اهتمام في البداية، لكن النسيم سرعان ما ازداد قوة، ثم أصبح أقوى، يتحول من همسة إلى قوة ثابتة، كأن الهواء نفسه يُسحب من اتجاه واحد غير طبيعي.
أمامهم، ارتفع التل، مشكلاً كمنقار النسر، حافته الحادة تقطع السماء. حسب كلام كايلور، حالما يتجاوزون هذا التل، سيكون عرين ملك الذئاب في مرمى البصر. لكن ما كان في الجانب الآخر لم يكن ينتظر بصبر.
اشتد الريح أكثر، لكن ذلك لم يوقف المسيرة. واصلوا التقدم بين الأشجار، أقدامهم تسحق الأوراق المتساقطة، ودروعهم تصطك بإيقاع متناغم. تحول حفيف أوراق شجرة الوايتوود إلى فوضى، كآلاف الأعلام الصغيرة تصرخ إنذارًا صامتًا.
ثم، فجأة، هاجمهم.
رياح هائلة هوت عليهم كغضب السماء. اجتاحت الغابة كوحش مطلق، تحمل سحابة من الغبار والرمل كثيفة تحجب الشمس. ضربتهم كجدار، دافعة الأشجار، رافعة العباءات، وممزقة الأغصان من جذورها.
اتسعت عينا آشر من هول القوة. لم يشعر بشيء مثل هذا من قبل.
لم تتح له سوى لحظات ليتصرف. بصوت عميق، غرز سيفه في الأرض وركع على ركبة واحدة، مثبتًا نفسه. انتفض معطفه بعنف خلفه، وشعره يصفع وجهه بينما يضغط على الأرض ليتجنب الارتقاء مع الريح. أصبح التنفس مؤلمًا، والحجارة تضرب درعه.
حولَه، تكافح الرجال والمينوتورات على حد سواء. صرخ الجنود وهم ينزلقون ويتدحرجون، أحذيتهم تخلف آثارًا في الأرض. بعض المينوتورات، رغم قوتهم، فقدوا توازنهم تمامًا، مقذوفين في الهواء كدمى مكسورة.
ارتطمت بعض الأشجار بالمقاتلين قبل أن تُقتلع من الأرض بصوت هدير، جذورها الضخمة ملتوية نحو السماء.
كانت الفوضى عارمة.
واحدة تلو الأخرى، اقتلعت الأشجار العملاقة، مقذوفة بعيدًا كالعيدان الصغيرة من غضب العاصفة. جذوعها انكسرت في الهواء بصوت مدوي، مرافقة معها محاربين تعساء. أصبحت ساحة المعركة عاصفة من الحطام والصرخات.
"ما الذي يحدث؟!" صرخ آشر في ذهنه، مغطياً وجهه. الدم ينزف من جرح فوق حاجبه حيث ضربته حجر.
ثم جاء الرعد، ليس من السماء، بل من التل.
صدى عميق رن خلال الريح. مالت آشر برأسه قليلًا ليكشف عنهم.
الذئاب.
مئات منهم، ينحدرون كأشباح الموت، ظلالهم تقطع العاصفة الميتة. سقطوا من قمة التل بتناغم مثالي، كأن العاصفة كانت مجرد مبشر لوصولهم.
كل محارب ضخم، على الأقل مترين، برؤوس ذئاب وأجسام بشرية عضلية. صدورهم العارية ترتعش بالقوة، مرتدين تنانير حربية مزينة بدرع معدني وفراء أسود وذهبي للوحوش. فؤوسهم بيد واحدة تلمع، وأنيابهم مبسطة في ترقب شرس.
الدفعة الأولى هوت بقوة على المينوتورات المتعبة. ارتفعت سحب من الأوراق الممزقة والغبار، لكن غضبهم لم يتراجع. هجموا بدقة بلا رحمة، شفراتهم تخترق الرقاب والمفاصل.
لكن المينوتورات لم يكونوا فريسة.
رغم التعب والكدمات والهزات، كانوا مرتدين معدن الأدمنتين، خامة من إدن معروفة بمتانتها الهائلة ووزنها الكبير. تصادمت فؤوس الذئاب مع الدروع السوداء والذهبية، تاركة فقط جروحًا سطحية بيضاء.
ثم زأر المينوتورات.
اهتزت الأرض وهم يندفعون للأعلى، فؤوسهم الكبيرة تقطع الهواء بقوس واسع. الذئاب سريعة، لكن المينوتورات جبال، كل ضربة تكسر العظم، تشطر الفولاذ، وتدمر الأجساد.
انطلقت الدماء في الهواء كضباب، وأصبحت الساحة دوامة من العنف والموت.
ومع ذلك، استمرت الذئاب في الهجوم.
من فوق التلال، موجة تلو الأخرى تهبط، تعوي كالشياطين، أعدادهم بلا نهاية. لم يأتوا ككشافة، بل كاحتياطي مخفي، فرقة كاملة من جنود ملك الذئاب النخبة أُطلقت بلا رحمة.
وقف آشر وسط كل ذلك، سيفه في اليد، وعيناه تضيق. هذا لم يكن ما يريده، على الإطلاق.
تدفق القوة في جسد آشر، عضلاته تمددت، عروقه تبرز وتتلوى تحت جلده كأحبال منصهرة. ارتفع طوله بسرعة حتى وصل إلى ثلاثة أمتار. بضربة واحدة من سيفه، قطع ستة ذئاب، أجسادهم تنهار في الهواء كدمى مكسورة، لكنه بقي هادئًا.
لم يتردد.
في حركة واحدة سلسة، ثنى ركبتيه وقفز في الهواء، جسمه كسهم من الفضة والأسود، الريح تتلاعب به. هبط على قمة التل في انحناءة، الأرض تشققت تحت قدميه.
ما رآه شد قبضته على السيف.
أسفله، عبر الحوض، كان هناك جيش. لا، جيشان، متحدان تحت راية واحدة.
وراء الملكين، بحر من الذئاب، كل واحد بارتفاع 2.6 متر، مرتدين دروعًا فضية لامعة، يحملون فؤوسًا مصممة لاختراق حتى دروع المينوتورات. لم يكونوا جنودًا عاديين، بل نخبة مدربة للقتل، الجيل المتقدم.
يحاذيهم الأسود البري، مختلف تمامًا.
الذكور بارتفاع ثلاثة أمتار، بشعر مضفر يمتد إلى صدورهم، صدور عارية لإظهار عضلاتهم الصلبة والمليئة بالندوب. أجسامهم مصقولة في المعارك والبقاء.
لكن المشهد الحقيقي كان الأسود الإناث، أطول من 2.5 متر، أجسام رياضية ملفوفة بالجلد والحديد، حزم جلدية على الصدر مثبتة بمشابك معدنية هلالية، تنانير قتالية مرنة للحركة. سيفان منحنيان معلقان عند الورك، قبضتهم جزء من أجسادهم. يتحركن برشاقة الراقصات وفتك القتلة.
لم يرتدين دروعًا، ليس لعدم الحاجة، بل لأن بشرتهن كجلد مُقوّى، صلب كالحديد، لكنه مرن بما يكفي للحركة بخفة قاتلة. ندوبهن ليست مخفية، بل تُعرض كأوسمة.
جيش واحد، الذئاب، يتحرك بتشكيلات منسقة، كآلة حرب ميكانيكية من حاملي الفؤوس الدوّارة.
الآخر، الأسود البري، يعتمد على المهارة والسرعة والغريزة المكتسبة من المعارك والنجاة عبر الأجيال.
معًا، كانوا مرعبين. معًا، يستطيعون تدمير مملكة.
حتى آشر، المعزز والمتغير، شعر بثقل قوتهم على كتفيه، كأن الجاذبية تزداد مع كل نبضة قلب. تنفسه تباطأ، ونبضه تضيق.
لكن ما أزعجه أكثر لم تكن الجيوش.
كان الملكان.
شعر به في أعماق عظامه. وجود، قوة قديمة ووحشية. كل منهما يستطيع مواجهة آلاف. كل منهما أتقن طريق سلالته إلى القمة. والآن كلاهما ينظر إليه مباشرة.
تحول الهواء إلى برد.
ملك الأسود البري يصدُر منه هالة ملك مُخضرم في المعارك، نال عرشه بالوحشية والحكمة. وجهه يشبه الأسد، شعره مضفر بعظام وأنياب وتمائم حرب تروي مجد الأسلاف وغزواتهم. عينيه تشعان معرفة قديمة وفخر ملكي، تكشف عقل الحاكم لا الوحش فقط.
يرتدي رداء من الفراء السميك على كتفيه، جزء درع وجزء عباءة، مصنوع من جلد وحش منقرض. جسده العضلي، مرتدٍ درعاً عظميًا مقوسًا وواقيً مخلب، انصهار الوحش والعتاد، يعطي انطباع إله حرب حي.
إذا كان ملك الأسود البري سياديًا بحنكة وحكمة بدائية، فإن ملك الذئاب كان الغضب مُتجسدًا.
كان أطول، أنحف، وأكثر حدة، مبنيًا للحرب. كان العبوس حاضرًا دائمًا، وعيناه مليئتان بالمكر والوحشية. مفترس قمة حقيقي، مغطى بالوحشية.
ارتدى رداءً من الفراء والعظام، مع جلود أسد على كتفه، ربما غنيمة من خصم سابق. الدرع متباين لكن فعال قاتلًا، يجمع بين الفولاذ والجلد والعظام. أشواك بارزة من ظهره، مزينة بأعلام حمراء ورماح، تحذير متنقل لكل من يتحداه.
في يده فأس مزدوج، منحني كالهلال، محفور برونات الحرب. قفازاته مخلبية، وقدماه عارية، أكثر وحش من إنسان. على عكس ملك الأسود البري، الذي يمشي بأمر، كان ملك الذئاب وحش حرب.
قال كايل’زيران بصوت عميق كالكانون: "أنت من أخذ خاتم كايلور. أخبرني، ما الذي جعله يركع أمام إنسان؟"