رجل يرتدي ثيابًا نبيلة مشى بخطوات واثقة في قاعات رخامية مصقولة بإحدى قلعته الكبرى، ومع كل خطوة تأرجح معطفه الثقيل خلفه.

أشعلت المشاعل على جانبي الممر ظلالًا متراقصة على تجاعيد خصلاته الذهبية التي أطرّت وجهه المنحوت، إلا أن أي ضوء لم يصل إلى عينيه. كان تعبيره عاصفًا، مثقلاً بما هو أعمق من مجرد التفكير.

توقف أمام باب مزدوج شاهق، عيناه مثبتتان على الرجل الواقف حراسةً بجانبه.

جارين.

حارسه الشخصي، الفارس الرابع في ترتيب الفرسان الملقبين، الأقوى بين المستيقظين الذين تعهدوا بالولاء له.

مرتديًا درعًا فضيًا متلألئًا حتى في الضوء الخافت، وقف جارين بهدوء يبعث على التهديد، كأنه شفرة مسلّحة. بروش على شكل تنين من الذهب الخالص يربط الرداء الملكي الأزرق الثقيل على كتفيه، عيناه تتلألأ كالياقوت.

لحظة توقف آرون، ارتعشت فتحات أنفه قليلًا. "لقد شربت، سيدي"، قال بصوت هادئ لكنه حاد.

"بالطبع شربت"، تمتم آرون بابتسامة ملتوية، ثم ضرب صدره برفق بقبضته المغلقة. صدى الصوت تردد على الجدران الحجرية. صوته عميق، خشن من أثر الخمر والمرارة. "قل لي، جارين… هل تعتقد حقًا أن الدوق آشر مات؟"

لم يرد جارين فورًا. أمال رأسه قليلًا كما لو كان يزن الحقيقة بعناية.

"بالطبع"، قال أخيرًا. "لا أحد يمكنه النجاة من تعويذة قديمة المستوى أداها ثلاثة سحرة عظماء. ولا حتى هو."

اتسعت ابتسامة آرون، لكنها كانت ابتسامة مليئة بالخطر، لا بالمرح. بريق عينيه حاد كقطع الزجاج. "إذن، لا يهم. خذ خمسة آلاف رجل. ابحثوا في كل زاوية من الغابة. أريد حاميات في كل معقل، حصن، ومدينة تحت رايتنا. وإذا وجدت أي شخص بشعر أبيض وعيون ذهبية…"

لم يكمل الجملة.

انحنى جارين برفق، صوته بارد. "كما تأمر، سيدي."

استدار آرون نحو أبواب القاعة، يده على المقبض الحديدي المصقول. توقف.

"ما طلبته"، قال بهدوء، "هل هو داخل القاعة؟"

"نعم"، أجاب جارين.

إيماءة واحدة، ثم فتح آرون الباب ودخل.

ملأت أضواء النار الدافئة الغرفة، لكنها لم تستطع طرد البرد الذي تسلل إلى جسد المرأة عند سماعها دخول آرون.

كانت جالسة بصمت على كرسي من خشب البلوط المنحوت بجانب السرير، رأسها منخفض، وضعها متوتر. التقطت النار خصلاتها الحمراء، فتلألأت كالجمر.

يونا مورمونت.

ارتجفت كتفوها عند صوت خطواته.

توجهت نظرة آرون إلى يدها. على إصبعها خاتم متلألئ، شريط من البلاتين مرصع بحجر أزرق نقي كضوء نجمة متجمدة.

"تتأملين خاتمك؟" ضحك آرون بشكل مظلم وهو يقترب. "صنعته على يد أفضل صائغ في البلاد. فقط الأفضل لملكاتي."

لم ترفع يونا رأسها، ولم تتحدث. ارتجف جسدها ليس من البرد، بل من وزن حضوره.

اختفت ابتسامة آرون. "استلقي."

في قاعة عظيمة، كانت رائعة في العصور القديمة لكنها متداعية الآن، وقف رجل طويل، شخصية لا تلين، مليئة بالعظمة والفخامة. رأسه الأصلع، محفور عليه آثار الزمن والحكمة، يعلوه لحية بيضاء متدفقة، لكن ما يجذب العين أولًا هو الشرر المتوهج في عينه اليسرى.

درعه لا يقل عن عدم قابلية للتدمير، هائل، باروكي، وكثيف بشكل لا يصدق. بدا وكأنه مصنوع من سبيكة ذهبية داكنة مهترئة، محفور عليها شارات قديمة ومرتبة من الرتبة العليا. كتفه مليء بالحوامل الضخمة، مثل أبراج حصن منسي، تحمل رموز الشمس وأجنحة معدنية مخيفة، ملكية ومرعبة في آن واحد.

على صدره، رمز دائري، عين بلا بؤبؤ، محاطة بحزام من الرموز القديمة، كرمز للسلطة المطلقة أو الحراسة.

صدره محفور على شكل صفائح تشبه أضلاع وحش حرب هائل، تحمي قلبه وأجزاءه الحيوية.

قفازه ضخم، الأيسر ملفوف بالمعدن يمتد إلى مخالب، كأنه صُنع ليس للحرب فقط، بل للإعدام. يمسك بيده اليمنى رمحًا ضخمًا، أشبه بالحربة الطويلة، حافة حادّة وقاسية، شبه احتفالية بأناقتها المدمرة.

أسفل الدرع، قماش أسود ممزق، متآكل لكنه غير متأثر بالعمر، يتدلى وراءه كرايات ممزقة. أحذيته مصممة بنقوش دقيقة مشابهة لدرعه، ويمشي على رخام مكسور.

أشعة الضوء من فتحة عليا مكسورة سقطت عليه، أضاءت التاج فوق رأسه، وصبّت ظلالًا متقطعة على درعه، جعله يبدو أقل إنسان وأكثر جسد للحكم. قائد حرب. مسيح مشوّه.

إمبراطور عاش أكثر من العصر الذي ولّدته.

وقف ثابتًا، لكن حضوره خانق.

هذا كان الإمبراطور أبوليون غالفيا، الأول من اسمه.

أسطورة متجسدة في لحم.

رجل عاش زمن الدوق الأكبر زيناس وأوائل الملوك والأباطرة، عند سقوط العصر المجيد—زمن حكم فيه أصحاب القوة السحرية كطيّارين، مستنزفين حياة الأرض لتعزيز قوتهم. لم ينسَ أبوليون، ولم يغفر.

ورغم أنه ربما كان أقدم إنسان لا يزال يتنفس، وقف أبوليون مستقيم الظهر، وحضوره هائل. مجرد ثقله كان كافيًا لجعل المحاربين من الرتبة العليا يبدون كأطفال ضعفاء. كل نفس كان يزفره يحمل رائحة الحروب القديمة وثقل التوقعات.

"أشعر به"، زمجر بصوت عميق كالزلازل. "قوة الهاوية… عادت."

أغلق عينيه.

"قارتنا تنهار. تناريا تتعفن من الداخل."

زفر ببطء، نفس محمل بقرون من العبء.

"لو كان الدوق الأكبر زيناس لا يزال على قيد الحياة، ربما كنت أعتقد أن الشمال سيصمد. لكن الآن؟ الشمال ظل ظلًا محطمًا لنفسه السابق. بائس."

"ليس بالضبط"، جاء صوت، ناعم كالزيت، بارد كالليل.

فتحت عينان حمراوان في الظلام حيث لم يجرؤ الضوء على الوصول. من بين الفراغ، وقف شخص، مغطى بالظل كجلد ثانٍ.

"الفتى… آشر. من دم زيناس، ودمر ملاذي. ربما سيأتي لرأسك بعد، لأنك، سواء علمت أم لا، مؤسس النظام الظل الذي هدد أطفاله."

توجهت نظرة أبوليون نحو الظل.

كان ذلك الصوت للقاتلة الأولى في ترتيب نظام الظل. كائن تحدثت عنه الأساطير، أقدم من أبوليون نفسه.

من الظلام، انبثقت ضبابات، تحركت وتجمعت لتكوّن شخصية رشيقة. امرأة.

شعر فضي باهت يتدلى على كتفيها، يحيط بوجه جميل بشكل يفوق الطبقة الدنيا. بشرتها شاحبة، بلا دم، تتلألأ كالصقيع تحت ضوء القمر. رموش طويلة تحجب عينيها الحمراوين المتوهجتين بالجوع والسرور القاسي.

ثم جاء الابتسامة، باردة وحسية. انجرفت خلف أبوليون كالشبح، شفاهها قريبة من أذنه.

"لقد وصل بالفعل إلى الرتبة الأسطورية"، قالت بصوت سام كالعسل. "وتيناريا… زوجته الآن. قارتك الثمينة تخضع لإرادته."

"ملك الهاوية يستيقظ. قائد حرب بقوة أمة كاملة، موحدة. اتحاد التجار يجمع جيشًا من المرتزقة والسيوف الحرة، بالتأكيد للضرب علي. لن أتوقف عن مهاجمة سيلفرمون، وسايرينيا قد نمت بصمت، مختبئة في الشمال البعيد. الحرب حتمية. عرش العالم لن يبقى فارغًا للأبد." زفر أبوليون. "ومع ذلك تسألني عن فتى…"

زمجر أبوليون ببطء، صوت خشن، مليء بالازدراء.

"خائف، أليس كذلك؟" قال. "الإلف البالغ من العمر ألف سنة يرتجف لفكرة فقدان رأسه؟"

قبل أن تتصرف القاتلة، استدار أبوليون.

قبضته الحديدية أمسكه بحلقها، رفعها في الهواء بسهولة مرعبة. تعلقت قدماها. اتسعت عينها الحمراوانة، ليس بالدهشة، بل بالغضب.

القوة التي أمسكته كانت ساحقة.

"ستجدينه"، زمجر أبوليون، صوته يهز أعمدة القاعة. "ستأتي لي بقسم ولائه أو رأسه."

ارتسمت ابتسامة على شفتيها رغم قبضته على عنقها.

"لطالما كنت مبالغًا، أيها الإمبراطور."

"وطالما قدّرتِ قيمتك أكثر من حقيقتها"، زمجر أبوليون، ثم رماها على الأرض. هبطت في وضعية القرفصاء، فهست، لكنها لم تقل شيئًا آخر.

2025/10/23 · 17 مشاهدة · 1017 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025