ضيّق آشر عينيه وهو يتأمل الخوذة السوداء القاتمة التي كانت ترتديها، وقال بصوت هادئ يحمل في طيّاته نصلًا خفيًا:

"هل هذا هو تاج سيد الحروب؟"

كان في مركز الخوذة جوهرة على شكل ماسة، تلمع في منتصف الجبهة كعينٍ ثالثة. ارتفعت منها أربعة نتوءات حادة نحو الأعلى، لتمنحها هيئة تاجٍ شريرٍ ملتوي.

أمالت سارييل رأسها بخفة، وابتسامة ساخرة تلامس شفتيها.

"أهذا ما جئت من أجله؟ كنت أظنك تبحث عن خاتم السيادة"، قالت بسلاسة حريرية تخالطها نبرة استهزاء خفيّة.

لم يجبها آشر، بل رفع سيفه العظيم بحركة واحدة وانقضّ نحوها بسرعة هائلة. كان قد رأى ما يكفي — عينيها، وقفتها، وهالتها.

سارييل لم تكن تنوي الانحناء، بل لم تعترف به أصلًا كندٍّ. سواء كان ذلك الكبرياء من تاجها أو من طبيعتها نفسها، لم يهم.

منذ لحظة دخوله مجالها، بدأ القتل يتسرّب من وجودها — خفيّ، محسوب، لكنه واضح كاللهب في الظلام.

انتهى وقت الكلام.

حان وقت السيف.

صرخات الحرب دوّت كالعواصف، حين اندفع آلاف من عمالقة "جوتن" نحوه، أسلحتهم الضخمة مرفوعة، وخطواتهم تهزّ الجبل تحت أقدامهم. ارتجّ الهواء من شدة اندفاعهم.

قفز آشر عاليًا، جسده يشقّ السماء الباهتة كظلٍّ يقطع النور، ورفع يده اليسرى ثم أنزلها بقوة.

انفجار صامت دوّى في الأفق.

حلقة من الجاذبية المهلكة اندفعت من حوله كعاصفة غير مرئية، فهوت العمالقة نحو الأرض، وسُحقت أجسادهم على الجليد القاسي. تشقّقت الأرض الجليدية كمرآةٍ تنكسر تحت البرق، وتكسّرت العظام، وتحطّمت الدروع تحت الضغط الجارف.

ثم جاء الهبوط.

هبط آشر كنيزكٍ ناري، فارتجّت الأرض تحت قدميه. دار بجسده، وسيفه العظيم يتبع حركته في قوسٍ عريضٍ كالإعصار.

وحينها أجابت العاصفة نداءه.

ضباب كثيف اجتاح المكان، يغمر الأرض كثلجٍ حيّ يتحرك بإرادته. اختفى ميدان المعركة تحت غلافٍ أبيضٍ مميت. العمالقة تاهوا، لا يرون سوى الضباب ولا يسمعون سوى أنفاسهم.

نصف التلّ اختفى في عاصفةٍ من الجليد والموت.

وفي قلبها، كان آشر واقفًا.

تلفّت الجنود بقلق، أعينهم تبحث وسط العدم، لكن بلا جدوى.

جاءهم كطيفٍ من العدم — صامتًا، سريعًا، لا يرحم. لحظةُ سكونٍ… ثم برقُ سيفٍ يشقّ اللحم والعظم، وصراخٌ يتلاشى في العاصفة، والثلج يتلطّخ بالأحمر، ثم لا شيء.

كل من ظنّ أنه لمح ظلّه اندفع خلفه، فلم يجد سوى الموت في انتظاره. سيفٌ لامع، ولهيبٌ أزرق، ثم صمتٌ أبدي.

أما سارييل، فبقيت جالسة على عرشها الجليدي، تراقب المشهد بابتسامة متعجرفة، وكأنها تشاهد مسرحًا تافهًا. دارت بإصبعها المخلب بملل، بينما كانت الرياح تعوي حولها.

لكن الوقت مرّ… والابتسامة بدأت تتلاشى.

ساعة، ثم أخرى.

والضباب ما زال قائمًا.

والصراخ ما زال يتصاعد.

وجنودها ما زالوا يسقطون واحدًا تلو الآخر.

ضيّقت عينيها المتوهجتين بالزرقة، وشدّت قبضتها على قوسها العظيم المصنوع من حجر الأونيكس الأسود، ينبض بخيوطٍ من طاقةٍ داكنةٍ حيّة.

وحين انقشع الضباب أخيرًا، انكشفت المذبحة.

مئات من أعمدة الجليد ارتفعت من الأرض، بعضها بارتفاع الأشجار، ملطخة بدماءٍ متجمدة. أجساد عمالقة "جوتن" مبعثرة في كل مكان، بعضهم مقطوع إلى نصفين، وبعضهم محطم لا يقوى على الحركة.

وفي وسط هذا الخراب، وقف آشر.

يتنفس ببطء، بخار أنفاسه يتصاعد في الهواء البارد، صدره يعلو ويهبط بثقل، دون أن يعلو جسده خدش. شعره الأبيض يتطاير وسط العاصفة المحتضرة، وعيناه المتقدتان كذهبٍ منصهرٍ خلف الجليد.

كان سيفه الكبير مغروسًا في الثلج إلى جانبه، كأنه يستريح من مجزرةٍ طويلة.

رفع رأسه، فالتقت نظراتهما.

وفي تلك اللحظة الصامتة، أدركت سارييل أنه ليس بشرًا عاديًا.

أطلقت سهمًا بسرعة البرق.

انحرف السهم بضربةٍ من سيفه، لكن سهمًا آخر اخترق كتفه من الخلف. تأوه آشر قليلًا، انتزع السهم بيده، وبخاره يتصاعد من الجرح كأن الجسد يغلي.

تقدّم خطوة، وثبّت قدميه، واستعدّ.

ثم اندفع كنيزكٍ ثانٍ نحوها.

كانت سارييل سريعة كأفعىٍ طائرة، قفزت عاليًا في الهواء، أطلقت ثلاثة سهامٍ تدور حولها كنجومٍ داكنة، تتلوها ظلالٌ كالدخان الأسود.

صدّها آشر بسهولة، لكن همستها لامست شفتيه:

"سيفٌ خشبي؟… مثيرٌ للشفقة."

استدار بسرعة وضرب، فأطلق سيفه موجةً هائلةً من الطاقة قطعت عرشها الجليدي نصفين.

ضحكت من فوقه بخفة:

"أخطأتني."

ثم تفتحت السماء بوابلٍ من السهام، عشراتٍ منها، كل سهمٍ يلاحق الآخر كزهورٍ قاتلة.

تحرك آشر بسرعة، أطلق موجاتٍ متتالية من الطاقة، تبعتها صدمة جاذبية دمّرت معظم السهام، لكن بعضها اخترق دفاعه، فغرس نفسه في لحمه.

خرج صوت ألمٍ خافت من بين أسنانه.

ومن الجراح، انطلقت خيوطٌ مظلمة تشبه السلاسل، تربطه بالأرض وتجرّه على ركبتيه.

نزلت سارييل من السماء، جسدها يلمع بالدروع، وهالتها كإلهة حربٍ منسية.

لكن قبل أن تلمس الأرض — انفجر الضغط من حولها!

قوةٌ ساحقةٌ من الجاذبية أجبرتها على الركوع، حتى اصطدمت ركبتاها بالجليد، وكادت وجهها يسقط.

صرخت بغضب، وانفجرت منها طاقةٌ مظلمةٌ تمزّق الهواء، فحرّرت نفسها بالقوة.

لكن حين رفعت رأسها — رأت آشر.

يقف شامخًا، يسحب جسده من قيوده، وسيفه يلمع بالضوء.

ضربةٌ واحدة — انطلقت من سيفه الخشبي الذي سخرت منه — على شكل قوسٍ أبيض ناري، يقطع الهواء بصوتٍ كالزئير.

قفز أحد جنودها ليحميها، فشطره النور نصفين.

واستمر القوس، شطر التلّ الجليدي إلى نصفين، فتح واديًا عميقًا يمتدّ حتى أعماق الأرض.

تقدّم آشر بخطى بطيئة، كل خطوةٍ كأنها حكمٌ يصدر.

قال ببرود:

"اركعي… أو لن أوقف سيفي في المرة القادمة."

توهّج الحجر في خوذتها بضوءٍ حاد، وبدأت شقوقٌ في الهواء تُفتح حولهم — بواباتٌ إلى عوالمٍ أخرى، جبالٌ سوداء، سماواتٌ محترقة، سهولٌ متجمدة، وجنودٌ عمالقة يخرجون من تلك العوالم واحدًا تلو الآخر.

لكن قبل أن تكتمل البوابات، تحرّك آشر.

مدّ يده، فانطلقت سلاسل من الجليد، التفّت حول ذراعيها وساقيها، وسحبتها بقوةٍ إلى الأرض. صرخت، لكن البوابات انهارت، وتلاشت كأنها لم تكن.

أمسك آشر بالخوذة وانتزعها من رأسها.

شهقت سارييل بشدة، والدروع السوداء تفتّتت من حولها، تبخّرت كدخانٍ في الريح، كأنها لم تكن سوى وهمٍ ثقيل.

انكشفت امرأة زرقاء البشرة، ذات شعرٍ أبيض يتهادى كالثلج، ملامحها كأنها منحوتة من الحلم، وعيناها الزرقاوان صافيتان كمن خرج من كابوسٍ طويل.

قالت بصوتٍ ضعيفٍ لكنه صادق:

"ذلك التاج… لا ترتده. إنه ليس سلاحًا… إنه قفص."

نظر آشر إلى الخوذة في يده، والجوهرة في مقدمتها ما زالت تخفق بضوءٍ حيٍّ غريب.

ثم أعاد نظره إليها، دون أن يُظهر ما يفكر به.

وهمس بهدوء:

"أهكذا هو؟"

ثم… دون تردّد، رفع الخوذة ووضعها على رأسه.

2025/10/24 · 17 مشاهدة · 935 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025