صرخ القائد المتجلي بصوتٍ دوّى كطبول الحرب:

"اشهروا سيوفكم! أنتم فخر بيت نيثانيل! لسنا خالدين، لكن فولاذنا صُنع لمثل هذه اللحظات! أياً يكن ما يقترب… سنثبت! استعدوا أيها الرجال!"

شينغ! شينغ! شينغ!

في لحظةٍ واحدة، انطلقت السيوف من أغمادها كوميض فضّيٍ تحت ضوء الغابة، كأن آلاف الشهب اشتعلت دفعة واحدة. قلوب الجنود تصلّبت بالعزم، وارتفعت معنوياتهم أمام شجاعة قائدهم...

حتى انشقّت الغابة أمامهم.

ورأوهم.

لم يكونوا أولئك العمالقة الذين تتغنّى بهم الأساطير، ولا أولئك الذين يعلون البشر ببضعة أقدامٍ فقط.

بل كانوا جبابرة حقيقيين.

خرجوا من عمق الغابة كقلاعٍ تمشي على الأرض. أجسادهم المدرّعة تحجب الأفق، ارتفاع الواحد منهم اثنا عشر مترًا، أي أعلى من أشجار الغابة نفسها.

اصطفّوا في صفوفٍ محكمة، دروعهم من الفولاذ الأسود، أكتافهم تعادل حجم عجلات العربات، وخوذهم تعلوها ريشٌ أبيض شاحب كأطياف الموتى.

كلّ خطوةٍ منهم كانت كضربة مطرقةٍ على سندان الأرض.

نهِه! نهِه!

أصاب الذعر الخيول، فصاحت وارتفعت على قوائمها الخلفية، ترفس الهواء بجنون. بعض الفرسان تمسّكوا بلجامها، والبعض الآخر طُرح أرضًا كأكياسٍ من القش.

وبدأ الهروب.

فرسانٌ يديرون خيولهم نحو الغابة، يفرّون تاركين الانضباط والتدريب وراءهم.

تحطّم صفّ الجيش كما يتحطّم الزجاج.

صرخ القائد المتجلي بغضبٍ مجنون:

"أيها الجبناء! ستُنفى عائلاتكم! من بقي فليثبت مكانه!"

لكن تهديداته لم تُجدِ نفعًا.

الخوف كان أعمق من الولاء.

حتى من حاول البقاء، وجد حصانه يرفض الأوامر، يرفس الأرض ويدحرجه عنها.

عضّ القائد على أسنانه محاولًا تثبيت جواده المرتجف، بينما الأرض تواصل اهتزازها تحتهم.

ثم انفجرت الأدغال أمامهم.

وفي لحظةٍ واحدة، اندفع المئات من المينوتور، والذئاب، والأسود المتحوّلة من بين الأشجار، ينقضّون على الفرسان من الجانبين كطوفانٍ من الحديد والعضلات.

انفجر الميدان بالفوضى.

سقطت الخيول تصرخ، تصطدم بأجسادٍ فولاذية لا تتزحزح.

دروع الفرسان اللامعة—رمز مجدهم—تحطّمت كأوراقٍ معدنية تحت وطأة الهجوم.

في بعض الحالات، انثنت الصفائح إلى الداخل، لتغرز في صدور من كانت تحميهم.

وفي حالاتٍ أخرى، انقسم الرجال والخيول إلى نصفين بضربةٍ واحدة، واختفى صراخهم تحت أصوات الحديد المتكسر والعظام المتحطمة.

المينوتور كانوا تجسيدًا للوحشية ذاتها.

ضخامٌ كالجدران، أعينهم تشتعل حُمرة، يندفعون بلا رحمة.

يخترقون الخيول بقرونهم، ويرمونها في الهواء كدمىٍ تندفع عشرات الأمتار.

أما من تجرّأ على إصابتهم، فكان جزاؤه مضاعفًا—غضبٌ يفوق العقل.

ثم جاء دور الذئاب.

ضخمة، مدرعة، تتحرك بانضباطٍ مذهل.

رفعوا دروعهم في آنٍ واحد، واصطفّوا على شكل هلالٍ فولاذي، مشكّلين جدارًا مغلقًا حول الفرسان.

لم يبقَ مفرّ.

الموت كان الدائرة التي تحاصرهم.

وسط المذبحة، رجلٌ واحد وقف صامدًا.

القائد المتجلي نفسه.

سيفه العظيم يشقّ الهواء، وكلّ ضربةٍ تسقط وحشًا.

عشرات الجثث من المينوتور والأسود المقاتلة تكدست حوله، دماؤهم تصبغ الثلج بلونٍ قاتم.

لهاثه يخرج من خلف الخوذة، وبخار العرق يتصاعد من درعه كدخانٍ يغلي.

بخطوةٍ هائلة، دار بسيفه في قوسٍ عريض، شاطر اثنين من المينوتور إلى نصفين، لتتناثر دماؤهم كأقواسٍ حمراء عبر الساحة.

ثم... سقط شيءٌ من السماء.

كااانغ!

اصطدم الفولاذ بالفولاذ.

تراجع القائد خطوة، محدّقًا بعينين ضيّقتين خلف خوذته. أمامه وقف رجلٌ غامض، يرتدي عباءة داكنة.

عينان رماديتان باردتان تحدّقان فيه كعيني أفعى.

إنه نيرو.

قال القائد باستهزاءٍ أجوف:

"مجرد إمبراطوري تافه؟"

أصدر الأرض تحت نيرو خريرًا منخفضًا، ارتفع التراب والتفّ حول قدميه، محاولًا حبسه.

اغتنم القائد الفرصة ورفع سيفه ليضرب عنقه.

لكن الضربة لم تصل.

يدٌ ضخمة مكسوّة بقبضةٍ فولاذية أمسكت النصل في منتصفه.

تجمّدت أنفاس القائد.

أمام عينيه وقف مينوتور هائل، مكسوّ بدروعٍ داكنة يتصاعد منها البخار، وعيونه تتوهّج بحلقاتٍ حمراء كالجمر.

كان كايلور... ملك المينوتور.

مدّ يده الأخرى، قبض على خوذة القائد، ثم...

اقتلع رأسه.

انكسر الحديد والعظم معًا كقطعة خزف، وسقط الجسد بلا حياةٍ على الثلج.

رمى كايلور الرأس بعيدًا، ثم رفع قرونه إلى السماء.

وأطلق زئيرًا.

صوتٌ بدائيّ، غارق في القوة، هزّ الأشجار والقلوب معًا.

وعند صرخته، بدأ الجبابرة بالحركة. خطواتهم كانت كالزلازل، كلّها تتجه نحو هدفٍ واحدٍ بعيد—قلعةٌ سوداء تتربّع على تلةٍ مكسوةٍ بالثلوج.

كانت أعينهم لا ترى الجنود بعد الآن.

بل القلعة.

بعض الفرسان الهاربين وصلوا بالفعل إلى أطرافها، يركضون مذعورين، والجيش العملاق يطاردهم كالطوفان.

---

أحد القادة، وهو نفسه الذي كان يسخر سابقًا من آشِر، أمسك بلجام حصانه بقوةٍ يائسة، يجلد الهواء بسوطه.

كان يركض بأقصى سرعة، الريح تمزّق عباءته، وقلبه يخبط في صدره كطبلٍ حربيّ.

العرق يملأ وجهه، والدموع تختلط بالتراب.

القلعة تقترب أمامه، كملاذٍ أخير وسط فوضى الجحيم.

صرخ بأعلى صوته، مبحوحًا من الرعب:

"أغلقوا الأبواب! أغلقوها بسرعة!"

لكن الجنود عند البوابة لم يتحرّكوا.

لم يمدّ أحد يده نحو الروافع، ولم يصدر أمرٌ واحد.

كانوا جامدين... أعينهم متسعة، أفواههم نصف مفتوحة، يحدّقون خلفه.

تسلّل الخوف إلى عموده الفقري، فأدار رأسه ببطءٍ ليرى ما ينظرون إليه.

وما رآه...

جمّد الدم في عروقه.

2025/10/24 · 16 مشاهدة · 709 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025