عباءته ترفرف في الرياح العاتية، حلق آشر بصمت فوق القلعة، وعيناه الذهبيتان تتلألأ كالشمسين خلف الخوذة. أسفل منه، الفوضى تسود. الصرخات تتردد بين الجدران المحطمة، النيران تتصاعد، والحجر ينهار.
ومع ذلك، لم تحيد نظرته عن هدفه. كان مركزه على رجل واحد فقط: الكونت.
رغم أنّ المباني حجبت كثيرًا، إلا أنّ بصر آشر تجاوز الجدران. هبة من القوة التي تفوق البشر، شيء يمتلكه زيناس، الحقيقة الخاصة بعينين آشبرون الذهبيتين. كان يستطيع رؤية الكونت وهو يختبئ في ممر تحت الأرض كفأر يفر من النار.
انبعث بخار جليدي من كفه الأيمن، ملتفًا بسرعة حتى شكل رمحًا لامعًا. رمية واحدة، حركة واحدة بلا جهد، وهذه كانت ستكون النهاية.
لكن حين شدّ ذراعه، اختفى الكونت في ومضة ضوء غريبة، غير طبيعية. لقد هرب عبر قناة انتقال مخفية في القاعة.
خفض آشر ذراعه ببطء. تلاشى الرمح إلى ضباب، متساقطًا كالصقيع على الريح. لم يتردد لأنه لم يستطع الضرب، بل لأنه اختار عدم ذلك.
بقفزة مدهشة، انطلق نحو السماء. فرقت الغيوم بعنف وهو يحلق بينها، ثم تباطأ، عائمًا عاليًا فوق العالم. تحته امتدت ساحة شاسعة، أراضٍ مفتوحة تمتد لأميال، تغمرها الشمس وتنتظر.
هذا كان خطته.
بدلاً من تفكيك القلاع واحدة تلو الأخرى، أو اللعب مع اللوردات الصغار، سيتركهم يأتون إليه. الكونت سيهرع إلى روييل، روييل سيستدعي حليفه، والأمير آرون سيستجيب.
ليجمعوا قواتهم.
لتُرفع الرايات.
ليختار الشمال بطله.
فقط من خلال حرب أخيرة واحدة ستُحسم المصير.
لأن آشر عرف الحقيقة:
الشمال المنقسم لن يصمد أمام الرعب القادم. العالم ينهار بالفعل تحت وطأة المجهول.
وإذا حكم ملك الهاوية على جنس كامل... فهو يقود الملايين. ربما عشرات الملايين. جحافل لا نهاية لها، مولودة من الظلال والكراهية.
لم يعرف آشر المدى الكامل لذلك. ولم يعرف أحد.
لكنه عرف شيئًا واحدًا: النهاية قادمة.
وإذا لم تُوقف، فكل شيء، الممالك، وحتى الإمبراطوريات ستبتلعها.
استدار، نازلًا مرة أخرى. القلعة المدمرة كانت تحته، محترقة ومكسورة لكنها لا تزال صامدة. اقترب ببطء، وعباءته تتبع أثره كذيل نجم ساقط.
لكن عندما اقتربت قدماه من الأرض، قاومت الأرض نفسها.
بدأ الحجر تحت مكان هبوطه بالاهتزاز، تتشكل شقوق دقيقة عبر بلاط الساحة. ارتفع الغبار، وارتجف زمجر عميق عبر الأرض، كأن الأرض نفسها ترفضه.
وقف الفرسان في صفين صامتين عند بوابات القلعة، دروعهم الذهبية باهتة ومشوهة، ورماحهم مشدودة بإحكام. الدرع يلمع تحت الضوء القاسي، كواحدة من براسهم العريضة، محملة بشعارات قديمة، مثخنة من الحروب السابقة.
لم يفلحوا في الانحناء أمام حضوره، لكنهم شعروا به.
ازدادت كثافة الهواء، وتضاعفت الاهتزازات. وعندما نظر بعضهم إلى الأسفل، رأوا الحجر يتصدع تحت قدميه.
ضيّق آشر عينيه وتنهد، كأن الصوت يهرب كبخار من فتحة. بحركة بطيئة ومترددة، رفع الخوذة-التاج عن رأسه.
توقف الاهتزاز فورًا.
نزل الآن برفق، بهدوء، حطّ قدماه دون أي صوت.
"لماذا أزال تاجه؟" تمتم كيل’زيران، وهو يقف قرب البوابة المكسورة.
بجانبها، ساريل، التي تقلصت الآن لتصبح بعشرة أقدام مثيرة للإعجاب، وضعت قوسها الطويل على ظهرها.
"لا يستطيع التحكم الكامل في قوته"، قالت، عيونها تتعقب كل خطوة لآشر. "الخوذة تتغذى على عواطفه، تصبح أقوى بغضبه. إنها سلاح حي... ولعنة أيضًا."
التفتت إلى ملك أسود الأسد، بصوت ثابت: "لو هبط مرتديًا إياها، لكان صدى الانفجار مزق القلعة، والساحة كانت ستنهار."
ضيّق كيل’زيران عينيه إلى شقوق. "إذا سيطر عليها يومًا، وسيطر على ذلك القوة حقًا—هل سيتمكن من كبح هذا الدمار؟"
أومأت ساريل بجدية. "بالضبط. عندما يأتي ذلك اليوم... سيكون أكثر من ملك."
بحوزته الخوذة بجانبه، دخل آشر إلى القاعة الكبرى للقلعة. صدى خطواته على الأرض الحجرية الباردة، القاعة صامتة إلا من طقطقة نيران بعيدة وأنين قلعة مجروحة لكنها لم تمت بعد.
رفع نظره إلى نهاية القاعة، نحو العرش.
خلفه، محفور في الجدار نقوش عميقة باسم روييل، حجارة كانت فخورة يومًا، لكنها الآن تتفتت أمام عينيه.
تساقطت القطع كلحاء ميت، صامتة على الأرض. في لحظات، أصبح الاسم مجرد غبار.
في مكانه، ظهرت حروف جديدة ببطء، محفورة في حجر ذهبي باهت، كما لو استُدعي المصير نفسه:
ميغدال-إل
وقف آشر صامتًا، يحدق بها. ثم، ببطء، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه.
"لقد مضى خمسة أشهر"، تمتم، عينيه تغلقان للحظة. فتحهما مرة أخرى، ضوء هادئ في أعماق الذهب. "أخيرًا يمكننا العودة إلى الوطن."
خلفه، توقفت خطوات درع نيرو. صامد، صامت، وجهه مخفي خلف فولاذ داكن.
التفت آشر إليه: "جمع الرجال"، قال، صوته هادئ لكنه حازم. "نعود إلى تيناريا. فرقة الفأس الذهبي ستبقى وتحرس القلعة. جميع الجنرالات يعودون معنا."
انحنى نيرو بعمق، ثم رحل بلا كلمة، عباءته البيضاء الملطخة بالدماء تتبع أثره.
ظل آشر واقفًا، متجهًا نحو النافذة المقوسة المطلة على الجدران الخارجية. ألقت الشمس ظلالًا طويلة على الساحة، مظهرة ما يقف هناك.
هناك، كجبابرة الحرب، وقفت العمالقة الحقيقية.
كل واحد منهم ارتفع ما يقرب من أربعين قدمًا، دروعهم السوداء والذهبية تتلألأ كالسُمك البركاني محفورة برموز قديمة. الأرض تحت أقدامهم مشوهة من أثر سيرهم. فؤوس ضخمة، أكبر من أبراج الحصار، مستلقية على أكتافهم. ولحينها، كانوا صامتين.
وقفوا صامتين، يراقبون وينتظرون.
وضع يده على حافة النافذة وهمس:
"العمالقة الحقيقيون."