نزل آشر من العربة المنحوتة من الأوبسيديان والتي توقفت بسلاسة أمام ساحة القصر. الهواء كان باردًا، يحمل رائحة الزيت المتبل وأزهار المارليا المتفتحة في حدائق القصر. في قلب نينيفه، العاصمة، كان القصر يلمع كجوهرة، ووسطه يعلو بابه، قديم، عظيم، ينبض بالقوة.

على جانبي الطريق، وقفت صفوف من الخادمات والخدم، مرتدين أردية زرقاء رمادية نظيفة مزينة بالفضة. انحنوا برؤوسهم خاشعين، لا يجرؤون على مقابلة عيني الرجل الذي يخطو للأمام. سكونهم كان توقيرًا، لكن خلفه كان هناك ارتعاش خافت من الدهشة، كأن سيد الحرب قد عاد ليطأ الأرض بين البشر.

خطى آشر بخطوات ثابتة، متأنية، كل خطوة محسوبة لكنها سهلة، بلا عناء.

بجانبه، سار ميرلين بخطى أقل رشاقة قليلًا، حافة عباءته البنية مغطاة بالغبار من السفر. عباءة آشر الزرقاء الداكنة تتطاير خلفه مثل ظلٍ قد تجسد، وحذاؤه يلامس الأرض الرخامية بصمت.

تلمع قبضة سيفه، المثبتة على ظهره قطريًا، أشد من أي تاج يمكن أن يجذب الانتباه.

وجه ميرلين كان جامدًا، عيناه الزمرديتان تنظران بلامبالاة إلى الخدم، حتى رفعت عيونهم الحادة صوب الدرج الكبير أمامهم.

هناك، عند أعلى الدرج، وقف فتى أبيض الشعر. لم يتجاوز عمره ميرلين، مرتديًا سترة حريرية سوداء، مطرّزة بخيوط ذهبية باهتة، وسروالًا متناسقًا محكم داخل أحذية مصقولة عالية. وضعية الفتى كانت مسترخية، حتى كأنه واثق بلا جهد، لكن ميل رأسه وهدوءه كانا يدلّان على السلالة والتدريب.

أتريديس.

ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه، وعيناه الذهبيتان، المتلألئتان كأشعة الشمس عند كسر الغيوم، التقت بعين ميرلين.

لكن عندما رآى عباءة ميرلين المبعثرة، ومظهره المتعب من السفر، وتجاعيد شعره البري، ارتجف ابتسامته قليلاً، وكاد أن يضحك.

تجاهل ميرلين ذلك وابتسم تحت أنفاسه، وهو يعرف أن عليه ألا يجذب انتباه أبيه في لحظات كهذه.

آشر ليس رجلاً قاسيًا، لكنه عملاق بالنسبة لهم، ليس فقط في القامة، بل في الأسطورة.

منذ الصغر، سمع التوأم عن الرجل الذي يقود جيوشًا، الذي مشى في الشمال المحترق بجيشه، والذي كان يمتلك سيريوس، أعظم وحش أليف في تاريخ آشـبورن.

حتى بين حراس القصر، جميعهم يقترب طولهم من ثمانية أقدام، ظل آشر شخصية تفوق الجميع. كتفاه العريضان، أطرافه الطويلة، وهيئته التي لا تخطئ، جعلته مركز الجاذبية في أي مكان يدخل إليه.

بجانب أتريديس، وقف رجل متماسك كتمثال من نبالة، يرتدي قفازات سوداء نظيفة، يضع يده خلف ظهره، ومعطفه الأسود مزدوج الصدر يحمل شعار عائلة سالفاتور. ونظرة صقرية من منظاره تلمع في عينه اليمنى، تلتقط الضوء من الثريا أعلاه.

كيلفن سالفاتور. اسم يهمس به القصور ومعسكرات الحرب على حد سواء.

تطلّع بسرعة نحو آشر، ليس خوفًا، بل اعترافًا بالنبالة الفعلية، وامتلأ قلبه بالفخر.

عندما اقترب آشر، انحنى كل من كيلفن وأتريديس برأسهما:

"جلالتك!"

ثم رفعا رؤوسهما، وتابع كيلفن:

"لديكم ضيف، سيدي. السيدة كاترينا في القاعة المقدسة."

أجاب آشر بصوت ثابت: "أرى." ثم أسقط نظره على أتريديس:

"كم ضربة سيف اليوم؟"

أجاب أتريديس بفخر: "ثمانية آلاف."

أومأ آشر، ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه، ووضع يده برفق على رأس ابنه، إيماءة مليئة بالرضا الصامت. ثم، مع همسة رداءه وخطواته على الأرض المصقولة، تقدم بلا كلمة أخرى.

. . .

فتحت أبواب القاعة المقدسة بصرير ثقيل بينما دفعتها اثنان من القديسين الحديديين، رجال عظام محاطين بدروع ذهبية طقسية، بدقة متزامنة. صدى المفصلات المعدنية اهتز في القاعة الكبيرة كالرعد.

دخل آشر، ذيل معطفه الطويل يتبع خلفه كالظل، وشعارات الذهب المطرزة على القماش تلمع تحت الضوء. استقر نظره فورًا على كاترينا، الواقفة في منتصف القاعة أمام العرش الفارغ، ظهرها إليه، تفرك كتفيها ببطء.

كان المعطف البني السميك يغطي جسدها، والياقة الفرو ملفوفة حول رقبتها. شعرها الرمادي مربوط في جديلة طويلة، لكن ارتعاش يديها كشف عن توترها.

تنهد آشر وقال بصوت هادئ، لكنه يحمل القلق:

"ترتدين معطفًا، ومع ذلك تشعرين بالبرد؟ ربما عليك زيارة الصيدلية."

التفتت كاترينا عند سماع صوته، وعينها الممتلئة بالراحة سرعان ما غمرها الحزن. أسقطت بصرها للحظة على الأرض الرخامية.

اقترب آشر بخطوات متأنية، صوته يتردد تحت السقف المرتفع:

"هل كان لديك حلم؟"

أومأت ببطء: "للأسف."

"مر عامان منذ آخر مرة." قال بصوت أخفض. "ماذا رأيتِ؟"

نظرت نحو نوافذ الزجاج الملون الشاهقة، متأكدة من عدم وجود مستمعين، ثم زفرت كما لو كانت تطرد ثقل الرؤية نفسها:

"تخسر أمام ملك الهاوية. يقتلك في مبارزة، ويأخذ تاجك... وقبل ذلك، فيلمورن ملكه بالفعل."

توقف آشر. جسده كله توتر، عيناه تضيقان كالسيوف المشرعة. صمت مشدود يخيّم على القاعة.

تابعت كاترينا بصوت يرتجف من الخوف:

"ملك الهاوية قادم. لا يمكن إيقافه. ولا حتى سيف الملوك سينقذك. سلاحه ليس من هذا العالم، حتى جرحه لا يُشفى! جيشه ينهار كفيضان عبر الأرض، بلا رحمة، بلا توقف!"

تنهد آشر ببطء، كمن يتأمل حافة جرف. "هكذا تقولين." همس أخيرًا، صوته لا يُقرأ. ثم بدأ بالمشي نحو المخرج الكبير.

صاحت كاترينا يائسة:

"إنه المستقبل، آشر!"

توقف عند العتبة، مائلًا رأسه ليطل على ملامحها، رجل منحوت من العزم:

"هل أختبئ في قصري إذًا؟ أم أنتظر المحتوم؟ إذا كان سلاحي أدنى... فسأجد واحدًا أعظم."

تقدمت كاترينا، صوتها على حافة الانكسار:

"كيف؟! لا يوجد صانع سيوف على هذا القارة قادر على مجاراة صانع الملوك، وأنت تتحدث عن التفوق؟ هذا جنون!"

لم ينظر آشر خلفه. "لا تقلقي، أسمع خوفك في صوتك. أنا لم أمُت بعد."

لمس الشعار الفضي على ذراعه اليسرى، علامة رحلته الفاشلة، سعيه وراء صانع الملوك لم يترك سوى ألغاز وأثر بارد. كانت كاترينا محقة، لم يكن أحد حي قادرًا على صنع سلاح يضاهيه. فكيف بتجاوزه؟

بوم!

تدحرجت الأبواب أمامه بقوة، أوقفت آشر في منتصف الخطوة. تدفق نسيم دافئ إلى القاعة.

هناك، في مدخل الضوء، وقفت زوجته، شامخة، كريمة، شعرها مربوط بتاج جديلة، وإلى جانبها مشى قزم ضخم لم يرَه منذ سنوات.

ارتطمت حذاؤه بالأرض بخطواته، لحيته السميكة المضفرة تصل إلى بطنه وتتمايل مع كل خطوة، وسندان ثقيل قديم يعلق على ظهره. عيناه تحرقان بنار هادئة.

توقف قلب آشر. لم يتحرك، فقط ظل محدقًا.

المستحيل قد دخل قاعته.

2025/10/25 · 14 مشاهدة · 892 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025