الفصل 525:
تبدلت ملامح الجميع في القاعة دفعة واحدة، كما لو أن ريحًا من الوحي قد هبّت عليهم جميعًا في لحظة واحدة.
تغيّرت وجوه الدوقات والنبلاء الواقفين خلف العروش إلى الغضب المكتوم، لكن التبدّل الأوضح كان على وجوه أولئك الجالسين فوق العروش الحجرية العظيمة.
قال أبوليون أخيرًا، وصوته يجرّ الحديد على الحجر:
"كلنا نعلم عن الهاوية."
رمق آشر بنظرة داكنة كجناح الغراب، ثم التفت إلى العملاقة ذات الشعر الزمردي الجالسة إلى جانبه.
كلماته حملت ازدراءً، لكن تحتها خيط من الحذر الخفي.
"نحن جميعًا نستعد لضربتها الحتمية، لكن السلاح الوحيد الذي يمنح جيوشنا فرصة ضئيلة للبقاء هو منجم كريستال الميثريل. وإن لم تشاركنا فيه…" مال قليلًا للأمام، وظله الزاحف امتد على أرض القاعة. "…فسنأخذه بالقوة."
أما جيرينت، فلم يلتفت إلى أبوليون، بل ظلّ محدّقًا في سافيرا.
ملامحه الحادة، المعتادة على البرود والسيطرة، بدت لينة على نحو غريب لم يره أحد من قبل.
في عينيه لم يكن خوف ولا شك، بل وجع قديم ممزوج بمحبّة دفينة، دفء أبويّ عمره قرن.
مئة عام مضت منذ آخر مرة رأى فيها وجهها — الوجه ذاته الذي احتضنه يوم كانت طفلة ضعيفة خرجت للتو من رحم أمها.
حينها كان يعلم أنها لن تكون كسائر البشر.
أما الآن، وهي تقف أمامه بطولها المهيب وجمالها المتجاوز للطبيعة، طُعن فخره القديم بخنجر من الندم والغضب.
غضب من الرجل الذي بجانبها… من آشر الذي تجرّأ على امتلاك ما لم يكن من حقه امتلاكه.
قطع سامسون هذا الصمت العاصف بصوته العميق كالجبال المتصدعة:
"محاربة الهاوية معًا… هل هذا سبب دعوتك لنا؟"
كانت نبرته هادئة، لكن ما تحته كان أكثر تعقيدًا — تعب، خيبة، وكأنّه كان يأمل في شيء أعمق من دوامة الخطط والنزاعات المعتادة.
ساد صمت ثقيل، قبل أن تتحدث سافيرا من جديد، بصوت هادئ عميق كأن الأرض نفسها تتكلم عبرها:
"بلا شك، سنضمن أن تنال كل جيوشكم نصيبًا من غبار الميثريل، يكفي لحمايتها وللقتال. لكن افهموا هذا… الغاية من هذا الاجتماع ليست الكريستال ولا الفولاذ."
توتر الهواء في القاعة كوتر قوس مشدود.
ثم تابعت بصوت واضح رنان:
"علمنا أن مـالراث ليس ملكًا. الهاوية لا تملك ملكًا… بل ملكة."
ارتد الصدى في أرجاء القاعة الحجرية، وامتد الذهول كالنار بين القوم.
"مالراث، الذي تخافونه، الجزار الذي ابتلع أممًا في العصور الماضية، ليس سوى قائدٍ تحت أمرها."
انتشرت شهقات الدهشة بين الحاضرين، وبعضهم تراجع متشبثًا بأسلحته، وآخرون تمتموا بتعاويذهم القديمة، بينما تجمّدت ملامح اللوردات والسيدات على العروش، كأنّ الصدمة نُحتت على وجوههم بالإزميل.
قالت سافيرا بصوت يزلزل الجدران، وهي تعلن بحزم لا يُقاوم:
"أنا تيناريا."
اهتزت القاعة كلها، والغبار تساقط من السقف المتشقق، بينما جذور عرشها النابض بالحياة تمددت عبر الأرض.
"الأرض التي تقفون عليها، حصونكم ومدنكم، أنهاركم وجبالكم — كلها أنا. أنا الجسد الذي يقوم عليه عالمكم، والعظام التي تحمل أبراجكم. لا حاجة لي بالكذب."
عمت الفوضى المكان. ارتفعت الأصوات، بعضها يصيح بالإنكار، وبعضها يهمس بالرعب.
رمشت مورغانا بسرعة، فاغرة فمها من الصدمة، وقلبها يخفق بجنون حتى كاد يخرج من صدرها.
أما أرتميس، بجانبها، فلم تصدر صوتًا، لكنها حوّلت نظرتها الحادة إلى سافيرا بنظرة حادة كالسيف، كأنها تخترق جلدها.
تجمد فلاديمير، دوق نوبِس العظيم، الرجل الذي لطالما تكلّم بيقين من يعرف الحقائق قبل وقوعها.
شحب وجهه، وتصلّبت نظراته كمن يرى العالم الذي بناه بعقله يتهاوى أمام عينيه.
لم يكن يتوقع هذا… لم يكن أحد يتوقع أن تكون القارة نفسها من لحم ودم — وأنها زوجة آشر.
الصدمة سرت في القاعة مثل البرق.
وما إن استوعب الجميع الأمر حتى علت فكرة واحدة في عقولهم جميعًا:
إذا كانت سافيرا هي تيناريا — أرضهم ذاتها — فإن زوجها هو سيدها، هو الحاكم الشرعي على القارة كلها.
تبادل الملوك النظرات المرتبكة، وجوههم مشدودة، والفهم المرعب يترسخ في أذهانهم:
آشر لم يعد مجرد لورد أو محارب، بل أصبح السيد الأعلى لكل ما يقفون عليه.
تلألأت في عيني أبوليون الرماديتين لمعة خبيثة — مزيج من الغضب والطمع.
أما جيرينت فبقي مدهوشًا، وجهه كمن تجمد في لحظة لا يريد تصديقها.
وجلس سامسون، الضخم على عرشه، ثابتًا كأنه تمثال من الحديد، لكن تحت مظهره كانت النار تغلي.
ارتفعت أنفاسه الثقيلة، ويداه المتصلبتان تمسكان بذراعي العرش كمن يقاوم رغبته في تحطيم كل شيء.
قال بصوت كالرعد قبل الانفجار:
"ولِمَ… لم تُبطلي هذا الارتباط؟!"
كانت كلماته تحمل غضبًا هائلًا مكبوتًا، كل حرف يرن في القاعة كزلزال محجوز خلف سدّ هش.
التفتت سافيرا نحوه، ونظرتها الزمردية تخترق عنفه بهدوء جليّ:
"لأنه هو من سمح به."
ارتجّت القاعة بالهمهمات والأنفاس المذعورة، وكأن الأرض نفسها قد خانت من يقفون فوقها.