الفصل 527:
انطوت المساحة على نفسها، وكأن الواقع يئن تحت ثقل لم يُخلَق ليتحمّله.
ومن خلف هذا الحجاب الملتوي، ظهرت شخصياتٌ اعتُقد أنها ضاعت في هاوية التاريخ، دُفنت إلى الأبد في غبار الأساطير. ومع ذلك، ها هم يقفون، ليس كأشباح أو صدى للماضي، بل كرجال ونساء من لحم ودم، أجسامهم كاملة، وحضورهم لا يمكن إنكاره، كما لو أن الموت لم يطالهم أبداً.
أول من تقدّم هم جبال الأربعة العظمى: أثاناتوس، كريوس، أونيكيتوس، وإليوس. ومعهم جاء حشد من اللوردات الذين أصبحت أسماؤهم أسطورة منذ زمن بعيد: الملكة أرتميس الأولى، تاجها الفضي يلمع حتى بعد عودتها الخالدة؛ الإمبراطور ألاريك من سيرينيا، الذي ما زالت فتوحاتُه تُتغنّى في القاعات القديمة؛ الدوق الأعلى زيناس، ذئب الشمال، هالته تشع رغبة في القتال؛ لوسيان الذي لا يُكسر، الذي صُنع اسمه عبر التحدي؛ الملك دومينيك، الصارم والثابت كحجر حصونه؛ وعدد لا يحصى من الذين شكلوا أسس العصور.
وصولهم حطم تماسك كل الحاضرين. حتى أبوليون، الذي لم تهزه غروره قط، ارتسمت على وجهه دهشة لا تصدّق.
في كل قرون عمره الطويلة، لم يسبق لعينيه أن شهدت مثل هذا المشهد: الأموات يعبرون فجوة الأبدية، مرتدين أجساداً جديدة، مستعادين إلى العالم المادي.
لم يشكّ أحد. لم يجرؤ أحد على التساؤل. الجلالة البارزة من هؤلاء العائدين صمتت كل ريبة. لم تكن قوة يمكن استحضارها أو تقليدها، بل وزن الأبدية نفسه.
ومن بينهم، كان أكثرهم رعباً هم جبال الأربعة، آباء الأجناس، الذين لا تزال ظلالهم تُهيمن على التاريخ.
"إذًا… كان بإمكاننا العودة إلى العالم المادي"، زمجر أونيكيتوس، صوته كصخور تصطدم ببعضها.
قبض قبضته الضخمة، متعجبًا من الإحساس، والدم يتدفق في عروق كانت جافة منذ آلاف السنين.
بطول عشرة أقدام، نافس أشر في قامة الشامخة، لكن جسده أعرض وأثقل، وكل عضلة فيه كعمود منحوت بالقوة. ذراعاه سميكتان كأشجار البلوط القديمة، عروقهما حية بالدفء، تحمل نبض الحياة التي لم يشعر بها منذ عصور.
بجانبه كان شقيقه إليوس، حضوره ذاته كفرن. شعره ولحيته لا تحترقان باللون بل بالنار الحية، كل خصلة شعرة شعلة، تنير القاعة المدمرة بتوهج محمر.
متساوٍ في الطول مع أونيكيتوس، وقفت ذراعيه متقاطعتين، ونظره يجوب القاعة كحكم قضائي حتى استقر على سامسون.
وتحت ذلك النظر، شعر إمبراطور اللهب المقدس، الذي حكم النار لقرون، بأنه صغر فجأة، كما لو تحول من إمبراطور إلى طفل، واقفًا متأدبًا أمام المصدر الحقيقي لسلطته.
إلى يسارهم كان كريوس، هادئًا لا يلين، ممسكًا برمح طويل من جليد لا يذوب، بارد لدرجة أنه يلمع أكثر من الفضة.
شعره الأبيض يلمع بنقاء مطلق يجعل شعور أشر الشاحب يبدو باهتًا مقارنة به.
ملامحه، سماوية وملفتة، تجاوزت حتى جمال جيرينت الشهير، رغم أن ندبة عميقة تشق وجهه وعينه وحلقه، تُرِكت من تجارب أخوته القاسية قبل ولادة الأجناس بالكامل. لم تكن قبحًا، بل شهادة محفورة في الكمال عبر المعاناة.
وفي مركزهم كان أثاناتوس، الأكبر بينهم. جلده قرمزي، ويبدو كأن درعه قد نما مع جسده أكثر من كونه لحمًا، كل حركة منه تنبض بالحيوية الخام.
بستة أقدام وأكثر، شاهق فوق الجميع، متوج بشعر ذهبي يتدفق كنهير من الشمس.
وأكثر ما يثير الرعب من حجمه، هالته البدائية المتوحشة التي تتدفق منه موجات من القوة، تجبر الهواء نفسه على السماح للكائنات الضعيفة بالتنفس في حضوره.
قال أشر ببطء وهو يقوم من عرشه، صوته ثابت يملأ القاعة:
"لن نستطيع وحدنا هزيمة الهاوية. فلماذا لا نشكل أعظم جيش شهدته هذه الأرض، جيش ينسج من كل خيوط التاريخ؟ من فجر الأساطير وحتى هذه اللحظة، المادي والروحي، البشر والقدماء على حد سواء. كل قوة، كل سلاح، كل روح نستطيع حشدها ضد سايليكس."
تحرك رأس أبوليون نحو أشر، عينيه الرماديتان واسعتان، عدم تصديق يتصارع مع الغضب.
"أ… أنت فعلت هذا!" صوته رعد كشق الجبال.
ضيقت أرتميس عينيها بشك، أفكارها محتجزة: جلب الأموات إلى العالم المادي… أي قوة، أي موهبة يمكن أن تسمح بهذا؟! ولكن حركة شفتها تكشف عن الإعجاب.
بين لوردات الأرواح، وقف زيناس شامخًا، وجهه ممتلئ بالفخر. الرجل الذي حمل عبء الهاوية على كتفيه ذات يوم، نظر إلى أشر كأب يرى ابنه يخطو إلى مصيره.
لكن جبال الأربعة… كانت نظراتهم ثقيلة وبعيدة. ثلاثة منهم نظروا إلى أشر بلا احترام، عيونهم مليئة بالبرود البارد للعمالقة. بالنسبة لهم، لم يكن أشر سوى جسر، أداة، قناة عبرها عادوا إلى الحياة. لا أكثر.
لكن كريوس كان مختلفًا. عند زاوية وجهه الجليدي، ابتسامة خفيفة ظهرت. الصقيع في نظره خفّ، والدفء تسرب عبر البرد الأبدي. هذه الإشارة، وإن كانت طفيفة، كانت أثمن من ألف صوت.
ثم تحرك أثاناتوس. رفع يده الضخمة، وصوته يدوي كالرعد فوق السهول:
"انتهى هذا الاجتماع. استعدوا، ففي غضون عام، سنسير إلى الهاوية."
عندما وقعت نظراته على سافيرا، خفت صوته كما لو التقت الفولاذ المخملي بالحرير:
"و… هل ذلك مقبول لكِ، سيدتي تيناريا؟"
تحركت القاعة كلها مع وقع كلماته. لم يكن من المعتاد أن ينحني أثاناتوس، أبو الأمم، في خطاب بأدب.
لكن سافيرا شدّت جبهتها، وغضب وميض في عينيها الزمرديتين لتلقي خطابًا مألوفًا بقوة.
فتحت شفتيها لتتكلم، لكن قبل أن تنفجر العاصفة، لمست يد أشر مؤخرة يدها. لمسة لطيفة. عيونه الذهبية وجدت عينيها، ثابتة، هادئة، تطمئن قلبها بلا كلام. كان سيصبر على هذا التجاوز… في الوقت الحالي.
زفرت، وأومأت برأسها برقة لكنها مشدودة.
ارتاح أثاناتوس واختفى في وميض من القوة، وتبعته بقية لوردات الأرواح، تتلاشى أشكالهم كالدخان في الريح.
توجه بعضهم فورًا إلى أسلافهم من البشر، مجددين روابط كانت مفقودة منذ الأبدية. إليوس اقترب مباشرة من سامسون، والنار في حضوره انعكست في روح إمبراطور اللهب.
أونيكيتوس ذهب إلى نسله في صمت، ووضع يده الضخمة كالسندان على كتف أبوليون. زيناس، الذي احترق فخره في أشر، اختفى دون كلمة. بعد لحظات، تبخر كريوس، وابتسامته الأخيرة تلاشت في الصقيع.
تجول أشر بعينيه في القاعة. فلاحظ فلاديمير في حديث عميق مع الدوق الأعلى لوسيان، صوتهما منخفض وجاد. عبر القاعة، أرتميس انحنت إلى الملكة الأولى من سلالة عائلتها، ووجوههم المرآة متشابكة في حوار عبر الأجيال.
أما أشر؟ سار نحو البوابة الكبرى وحده، تبتلعه الأبواب الشاهقة في صمت.
في المشهد الكبير الذي انكشف الآن، كان مجرد نقطة، شرارة بين النيران المشتعلة. عودة العمالقة، إحياء الأساطير، إرادة الآلهة نفسها، أمام كل هذا، بدا صغيرًا تقريبًا، تافهًا.
لم يتوقف أحد ليسأل عن شعوره، ولا لأحد كان يهمه ما يثقل كتفيه. وربما كان هذا مناسبًا، لأن أشر نفسه لن يسمح لمشاعره بأن تقف في وجه الحقيقة الوحيدة.
الحرب ضد الهاوية تتطلب التضحية. حتى لو كانت التضحية بنفسه. لكن هل يجب أن تكون؟
---