"ها قد بدأت رحلتي… من اليوم سأكون أحد طلاب هذه الأكاديمية."

صبيٌ صغير يخطو بخطواتٍ حاسمة، عيناه تبرقان بطموحٍ لا ينثني، وهو يعبر بوابة الأكاديمية الرئيسة شامخًا.

ولم يكن وحيدًا، بل معه عشرات، بل مئات من المستجدّين الذين اندفعوا في الممرّ الصاعد، كأنهم سربٌ من أسماك يسبح ضد التيار، كلٌّ منهم يسعى إلى موطنه الجديد.

وفجأة دوّى صوتٌ من الخلف، صوت امرأة يشي بالذعر الأمومي:

"يا إلهي! انظروا إليه! ماذا لو نسي حقيبته؟!"

كانت تلك والدته، تركض مهرولة نحو البوابة وهي تناديه بصوتٍ ملهوف:

"هيه! يا فيكير! لا تنسَ حقيبتك!"

عندها التفت بعض الطلاب بدهشة.

"هاه؟ أنا؟"

"من تنادي؟"

نحو عشرة فتيان في أماكن متفرقة أداروا رؤوسهم، إذ إنهم جميعًا يشتركون في الاسم ذاته: فيكير.

أما الفتى المعني، فقد احمرّ وجهه خجلًا وهو يهرول عائدًا ليلتقط حقيبته المنسيّة، ثم يصعد من جديد بين نظرات زملائه وضحكات مكتومة.

أما التسعة الآخرون، فتنفّسوا الصعداء بعد أن أدركوا أن المناداة لم تكن تخصّهم.

… لكن.

كان هناك واحد فقط لم يلتفت أصلًا.

شَعرٌ يغطي نصف وجهه، نظارات سميكة تُعتم عينيه، ثيابٌ بالية على جسدٍ نحيل، وحقيبة متواضعة على كتفه.

ذلك هو فيكير… فيكير فان باسكرفيل.

فتى تخلّى مؤقتًا عن اسم أسرته العريقة في باسكرفيل، ليخوض امتحان القبول بصفته "عاميًا" مجهولًا. فقد أراد أن يُخفي نسبه الذي بات عبئًا يثقل أنفاسه، ويحول حياته اليومية إلى سجنٍ لا يُطاق.

همس لنفسه:

"لو كشفت اسمي الحقيقي… لانتهكتُ الغاية التي جئت من أجلها."

فالسبب الذي دفعه للالتحاق بالأكاديمية لم يكن مجدًا ولا منزلة، بل غاية أعمق بكثير: ملاحقة الشياطين المتخفّين بين البشر، أولئك الذين خانوا الإنسانية وتآمروا على الخراب.

كان يريد اقتلاعهم من جذورهم قبل أن يُعاد مشهد الهلاك العظيم.

ذاكرته ما قبل "الارتداد" عادت لتلسع ذهنه. عشرة من عتاة الشياطين هبطوا في الأرض، وأقاموا أعمدةً شاهقة فتحت أبواب جحيم السماء. واحدٌ منهم، "أندرومايوس"، لبس جلد "سِث لو باسكرفيل" كقناع. ولولا تدخّل فيكير يومها… لانفتحت أبواب الفاجعة.

لكن هذا العالم ما زال يضجّ ببقية التسعة، متنكرين بين وجوه البشر.

وقد علم فيكير من "سيندي ويندي" أن بعضًا من هؤلاء المتصلين بسِث يتخفّون الآن في قلب العاصمة الإمبراطورية.

هكذا جاء متنكّرًا باسم عاميّ، يركّز على الاختبارات الكتابية وحدها.

"إنها النظريات… وحدها أستطيع الاعتماد عليها. أخفيني بين الكتب، فهناك قوتي."

لقد حلّ أوّلًا في الامتحان التحريري، وهو إنجاز لم يكن يحسب له بالًا، لكنه استغله ليغدو طالبًا "عاديًا" لا يثير الريبة.

… وهنا يبدأ صراعه الخفي.

2025/10/04 · 17 مشاهدة · 377 كلمة
ZeroMove
نادي الروايات - 2025