4 - الفصل الرابع :معبد الروح

غرب جبل ناغا، حيث تمتد الغابة كسجادة خضراء يلمع الندى فوق أوراقها، تتخللها خيوط شمسٍ متردّدة، كأنها تخشى النزول كاملًا. الطيور الغريبة والوحوش السحرية تعجّ بالمكان؛ غولم حجري يسير كالجبال، سحالي هائلة متلألئة القشور تُدعى بالجيجر، ومخلوقات أخرى وُلدت من شذرات الختم ذاته.

آشوراز لم يُصدم بما يراه، فقد اعتاد منذ زمن أن يتدرّب بين هذه المخلوقات، بل وكاد الموت أن يلتهمه أكثر من مرة في أحضان الغابة.

عند أطلال معبد إساشن متهالك، غطّت الجذور جدرانه، وقف كلٌ من آشوراز وشين.

رفع الفتى حاجبيه مستغربًا:

— متى وُجد هذا هنا؟ جُلت الغابة مرارًا ولم أره قط.

أجابه شين ببرود، وهو يزيح الأحجار المتساقطة:

— أنت تسأل كثير.

— جئتَ بي كل هذه المسافة، ألن تشرح لي؟

— معبد قديم… يسمونه معبد الروح الكامل. بناه الأوائل للتواصل مع أختامهم.

— وكيف يختلف عن باقي المعابد؟

شين نظر للغابة من حوله وقال:

— الختم طاقة حياة، والطبيعة أعظم ما يُجسّد الحياة. هنا… حيث الوحوش التي نشأت من صميم الختم، يكون الترابط أعمق وأصدق.

سكت آشوراز قليلًا، ثم همس:

— وماذا لو هاجمتنا تلك المخلوقات؟

لم يلتفت شين، صوته كان كالسيف:

— سأهتم بها. أنت، ركّز على روحك.

كان شين في الخمسينات، مغطّى بالضمادات من قدميه حتى عنقه. لم يره آشوراز يومًا بلاها. حاول مرارًا أن يسأله، لكن الجواب كان صمتًا.

الآن، أخذ شين يفك ضماداته بهدوء. لم يتوقع آشوراز ما رأى: أوشام متشابكة، حروف إساشن منقوشة كأنها حُفرت بالنار في جلده.

— ما هذه العلامات؟

— أختام قديمة… تعاويذ ليست لك أن تفهمها الآن.

لم يرد آشوراز، اكتفى بالصمت، فقد لمح حزنًا في عيني معلمه لم يره من قبل.

جلس شين، وبدأ يتلو تعويذة بلغة ضائعة، رَسَم بيديه دائرة من الرموز على أرض المعبد. الهواء تغيّر، والظلال أخذت تنكمش، حتى اكتملت الدائرة.

— اجلس في الوسط، — قالها بصوتٍ خفيض.

تقدّم آشوراز، جلس وسط الرموز، وأغمض عينيه.

— لا شيء يحدث.

— تجاهل العالم… استمع لضجيجك أنت. للعثور على روحك، استحضر ذكرى… هدفًا… حلمًا. هناك، ستلتقي بختمك.

انغمست ذاكرته. صور متلاحقة مرّت: موت والديه، هروبه، أصدقاؤه الذين صاروا عائلته المؤقتة… ثم لقاؤه بشين قبل سنتين، بداية الرحلة. الذكريات تكسّرت كزجاج، ثم تلاشت.

وفجأة… وجد نفسه في مكان آخر.

فتح آشوراز عينيه، فلم يجد أرضًا ولا سماء. بحر ممتد، نصفه يتلألأ ببرودة تشبه القمر، ونصفه الآخر يغلي بسواد لا نهاية له. الهواء كان مزيجًا من همسات وصرخات بعيدة، كأن الزمن نفسه يُنصت.

شعر بغياب شيء… فراغ يبتلع التوازن، كأن نصفًا ثالثًا من العالم لم يكتمل. ولحظة لمس الماء، اخترق جسده بردٌ لا يشبه البرد.

خطوات اقتربت من الضباب… فإذا بوجهه أمامه. نسخة منه بكل التفاصيل، لكن في عينيها ظل لم يعرفه يومًا.

— من أنت؟

ابتسم الآخر بهدوء:

— أنا صداك حين تنظر داخلك… الجزء الذي لا تنكره ولا تعترف به.

ارتبك آشوراز، فأدار بصره إلى البحر الغريب وقال:

— ألا تشعر بأن هناك شيء ناقص هنا؟ لا أعلم… كأن التوازن هش، غير مكتمل.

نظر التجسيد إليه بتمعن، ثم ابتسم وكأنه وجد ما يبحث عنه بالضبط:

— كل توازن يخفي فراغًا… وكل نور يخشى ظلَّه.

سكت قليلًا، ثم أشار بيده إلى الأفق:

— هذا المكان… ليس حياة ولا موت. هنا، الأرواح لا تعود ولا ترحل… فقط تنتظر. إنه الفضاء ما بين النور والظلام، حيث يبحث كل شيء عن صدى وجوده.

ابتلع آشوراز ريقه:

— ولماذا جئت بي هنا؟

اقترب التجسيد، عينيه تتقدان كشرارة:

— هذا لقاء فقط… إن أردت التواصل حقًا، فعليك عبور اختبار الروح.

تراجع آشوراز خطوة:

— اختبار آخر؟!

ضحك التجسيد بخفوت:

— نعم… البداية كانت سهلة، أما الآن فستعرف كم أنت هش.

هنا تغيّر الجو. النور والظلام من حوله بدأا يلتفان معًا كدوامة، وأصوات بعيدة كأنها صرخات خ

افتة تسللت إلى سمعه. شيء ما… يترقّبه.

"ومن قلب العدم، يولد الاختبار…"

— يتبع —

2025/09/18 · 119 مشاهدة · 593 كلمة
K.Z.Seven
نادي الروايات - 2025