كان البحر ممتدًا أمامهما، نصفه يشتعل بضياء بارد يشبه نور القمر، والنصف الآخر يختنق بظلام كثيف. سكونه لم يكن سكونًا، وهيجانه لم يكن هيجانًا… كأن الموجتين المتناقضتين لا تريدان أن تنتصرا، بل فقط أن تُثبت كل منهما للآخرى أنّها على خطأ.
— لماذا المكان هكذا؟
سأل آشوراز بنبرة متردّدة.
أجابه التجسيد بهدوء:
— كل حياة تحتاج نقيضها كي تُكمل. أنظر… حتى الموجة لا تقوم إلا إذا سبقها صمت.
ثم أضاف بصوت أشبه بالهمس:
— أترى؟ حتى الصمت هنا لا يكتمل إلا بضجيج… هكذا نحن، نبني توازننا من تناقضاتنا.
سكت آشوراز لحظة، وكأن الكلمات اخترقت أعماقه. واصل السير بجانبه حتى ظهرت بوابة عملاقة، شاهقة حدّ أن جسده بدا أمامها كالنملة إلى الفيل.
قال التجسيد وهو يبتسم ابتسامة غامضة:
— هنا تنتهي رحلتي معك. هذا أقصى ما أستطيع أن أوصلك إليه… الباقي عليك.
اقترب آشوراز، وضع كفّه على البوابة ودفع بكل ما أوتي من قوة، لكن لم تتحرك قيد أنملة. أرهقه العجز، تنفّس بصعوبة، والتفت:
— ألا تساعدني قليلًا؟
— لا يُسمح لي. هذا اختبارك، أنت وحدك.
— ألستَ روحي إذن؟ أو ما يشبهها؟
— أنا طاقة الحياة… روحك هي الجوهر.
— وما الفرق بحق الجحيم؟
— الروح شجرة… والطاقة أوراقها.
زمجر آشوراز:
— كفاك ألغازًا! سأتعامل معها بنفسي.
استحضر في ذهنه قسوة تدريبات شين: صخور عملاقة على كتفيه، صعود متواصل إلى قمة الجبل. ومع الذكرى، عاد له يقينه. صرخ:
— هذا الباب اللعين… لا شيء مقارنة بالصخور التي كنت أحملها يوميًا!
ضغط بيديه مجددًا، وكل عضلة فيه تتمزّق، حتى انشق الباب، وانسكب نور أبيض كنهارٍ مفاجئ على عتمة الليل.
عبر البوابة، ووجد نفسه في أرض لا سماء لها ولا حدود. كان المشهد أقرب إلى حلم منسيّ. ومع كل خطوة، ازداد شعور غريب داخله، ثِقَلٌ لم يستطع تفسيره. أحسّ وكأن العالم كله وُضع فوق كتفيه. ركع، ويداه ترتجفان، عرقه يسيل كالنهر، وملابسه الخفيفة بدت وكأنها صارت طبقات من الصوف تخنقه.
وفجأة، دوّى صوت من الأفق:
— يالك من ضعيف… لم تتحمّل المكان أصلًا.
تلاه ضحك مستفز، كأنه طُعن في كبريائه.
ارتبك آشوراز، لم يفهم. هل كان التجسيد يخدعه؟ هل خانه؟ لكن لا إجابات، فقط صدى أسئلته في الفراغ.
حاول الوقوف، لكن قوته خذلته. صوته الداخلي المتهكم عاد:
— هذا هو اختبارك… اختبار الروح. أنظر إليك، حشرة تحتضر تحت قدم الناس، بلا قيمة. أين عزيمتك التي فتحت بها الباب؟ أين صلابتك؟ أنت… لا شيء هنا.
انهارت إرادته، وتكسر إصراره كزجاج.
وفي الخارج، حيث جسده ما زال في دائرة التعويذة، رأى شين جسد آشوراز يرتعش بعنف، كأنه في نوبة صرع.
اقترب بخطوات حذرة، لكن فجأة:
بوممم!! انفجار هائل هزّ الأرض من حوله، كأن مذنبًا ضربها. اهتز المعبد وارتجفت الجذور.
شين صرخ:
— ما الذي يجري بحق السماء؟
خطوات ثقيلة تتقدّم. "طف… طف… طف…" حتى ظهر غولم عملاق، خمسة أمتار على الأقل، أسود الجسد، عيناه ونقوشه تتوهج بالذهب. على صدره جوهرة ساطعة، ورداء رمادي تغطيه نباتات وفطر كأنما كان جزءًا من الغابة.
تجمّد شين لوهلة:
— غولم التراكست؟! لا… هذه ليست أرضهم.
اندفع الوحش فجأة، وبسرعة غيّرت كل الحسابات، اتجه مباشرة نحو آشوراز الراقد!
صرخ شين:
— اللعنة! اضطرابات طاقة آشوراز تجذبه.
قفز بخفة، حرف قبضة الغولم العملاق قبل أن تسحق الفتى، ثم تراجع واضعًا نفسه بين الوحش وتلميذه.
— يجب أن أحميه… وأحافظ على التعويذة في الوقت ذاته.
شد قبضته، رفع يده ك
أنه يستدعي شيئًا من أعماق الأرض.
"المعركة… لم تبدأ بعد."
— يتبع…