الفصل الأول: "الواقع لا يحلم"
على ارتفاع مئة متر من سطح الأرض، في بناء زجاجي يخترق السماء، بدا كل شيء مثاليًا من الخارج.
لكن في الداخل، في الطابق الخامس، تحديدًا داخل غرفة ضيقة وباردة… كانت الحياة تنهار ببطء، دون أن يلاحظ أحد.
جلس كورو على مكتبه، عيون بنية باهتة تحدّق في شاشة مضيئة، يده اليمنى تتحرك بين الفأرة ولوحة المفاتيح، ويده اليسرى تسند رأسه بتعب.
كان في أواخر العشرينات، لكن ملامحه توحي برجل تجاوز الثلاثين من عمره: هالات داكنة، بشرته شاحبة، ظهره منحني، وصدره يعلو ويهبط بتعب مكرر.
"مرة أخرى…"
قالها صوت أنثوي، بنبرة نصف هازئة ونصف مشفقة.
رفع عينيه ببطء.
كانت "ليا" واقفة عند باب الغرفة. شعرها الأسود الطويل مربوط بخفة، سترتها السوداء تحضن قميصًا أبيض أنيق، وسروالها المستقيم يعكس جدّية لا تخلو من قسوة.
قالت وهي تتقدم نحوه بكعبها العالي:
– "أنت تقرأ مجددًا؟ الروايات؟ في وقت العمل؟ كم مرة علي أن أكرر أن هذا لا يفيدك في شيء؟"
ابتسم كورو، بابتسامة متعبة لكن دافئة:
– "أعمل وأقرأ، ليا-نيم. لا يمكن لعقلي أن يبقى حيًا بالأرقام فقط."
تنهّدت، وجلست على طرف الطاولة.
– "لا أزال لا أفهم كيف تتحمل هذه القصص المملة."
نظر إليها، بعينيه المرهقتين:
– "لأنها تمنحني شيئًا لا أجده هنا… احتمال. احتمال أن يكون هناك معنى، حتى لو كان مختبئًا خلف الدماء والدموع."
قبل أن تجيب، دق جرس نهاية الدوام.
وقفت، أعادت خصلات شعرها خلف أذنها، وقالت بنبرة نصف ساخرة:
– "دائمًا ما يُقاطع حديثي هذا الجرس السخيف."
نهض كورو، كشف عن طوله المتوسط وقامته النحيفة.
– "أراك غدًا، ليا-نيم."
– "حاول ألا تضيع وقتك في الأحلام، كورو."
---
فتح كورو باب بيته، استقبلته رائحة الخبز، ووجه والدته الذي بدا أكثر تعبًا من المعتاد.
– "أهلاً بك يا بني."
– "مرحبًا، أمي."
خلع حذاءه، مشى عبر الممر نحو غرفة المعيشة.
على الأريكة، استلقَت أخته "ليندا"، في زي منزلي، شعرها الأسود مفرود، وعيناها تلمعان بمكر المراهقين.
– "أهلاً بالنيت المجنون."
– "وأهلًا بالعالة النائمة."
ضحكت، لكنها سرعان ما هاجمته بالوسادة.
– "تقرأ رواياتك الخيالية وكأن العالم بحاجة لأبطال مثلك."
– "العالم لا يحتاجني… لكني أحتاج للهروب منه."
– "اذهب إلى غرفتك… وهربك المعتاد."
– "بالضبط ما كنت سأفعله. ولا تزعجيني."
..................................
جلس كورو في غرفته، الهاتف في يده، روايته المفضلة وهو يقرا و يستمتع
عقله مشبع بالأفكار، قلبه يتسارع، كأنه يشعر بشيء قادم…
لكن النوم خطفه، والهاتف سقط على صدره بهدوء.
---
الصباح…؟ أم شيء آخر؟
استيقظ كورو.
كل شيء بدا طبيعيًا… للحظة.
نزل إلى المطبخ… وتجمّد.
كانت والدته مرمية على الأرض.
الدم يحيط بها.
وجهها بلا حياة.
جسدها لا يتحرك.
اقترب منها، جثا على ركبتيه، لم يصدق عينيه.
كان جسدها باردًا…
عيناه تبللت، صدره اختنق.
صرخ:
– "أمي؟! من فعل هذا؟!"
ركض بحثًا عن ليندا… لا وجود لها.
ركض نحو الباب، فتحه.
فرأى الكابوس يتجسّد.
الناس يركضون، يصرخون.
السماء ملبدة، الأرض تصرخ.
وحوش من الظلال، أجسام سوداء تلتهم كل شيء.
فجأة…
واحد منها يقف أمامه.
بنفس طوله.
بلا وجه.
بخمس مخالب.
وقبل أن يدرك…
ذراعه اليسرى… طارت.
سقط.
صرخ.
الدم غطى يده اليمنى.
الوحش التهم ذراعه.
أراد أن يهرب… لكنه لم يقدر.
ضربة أخرى.
تفادى الموت بصعوبة.
تنفسه يقطع، قلبه يخفق.
– "هذا ليس حلمًا… هذا جحيم…"
اخذ الوحش مخلبه
وقام باسقاطها عليه
لكن فجأة....................
يتبع في الفصل الثاني