التحول

فجأة... توقف الزمن.

تجمّد كل شيء، وبقي كورو واقفًا، يتنفس ببطء، ينبض قلبه رغم أن كل شيء حوله أصبح ساكنًا. لم يمت، بل بقي معلقًا في لحظة لا تنقطع، وكأن القدر قد قرر أن يمنحه فرصة أخيرة للوقوف على حافة الوجود.

تحوّل العالم إلى لونين فقط: الأبيض والأسود، فقد اختفت كل درجات الحياة الأخرى للحظة واحدة. وقف كورو مذهولًا، ونظر حوله بنظرات مشوشة بحثًا عن تفسير لما يجري.

خرج صوتٌ عميقٌ، همس برداءة عابرة:

"[يبدو أنك محظوظ حقًا.]"

دارت رأسه بسرعة نحو مصدر الصوت، وفي تلك اللحظة التقت عيناه مع شخص قصير القامة يرتدي عباءة تخفي معظم ملامحه؛ لا يُظهر سوى طرف صغير من وجهه الأبيض الناصع الذي لم يُكشف عن جنسه. كانت الإطلالة غامضة ومتوترة، كأنها تعكس حقيقةً لا يمكن للمرء تصورها بسهولة.

ارتجف كورو وهو ينطق بصوت مرتجف، "من أنت؟ هل... هل جئت لقتلي؟"

رد الصوت ببرود واستعلاء، وكانت كلماته مليئة بالازدراء والفضول:

"[قتلك؟ لماذا أقتل مخلوقًا دنيئًا؟ صراحةً، كنت سأقتلك، لولا أن أحدًا أخبرني بعدم فعل ذلك. لقد تم اختيارك، وهذا هو السبب الوحيد لنجاتك.]"

ارتبك كورو، وقلبه خفق بسرعة مختلطة بين الخوف والأمل، فسأل: "اختارني؟ من؟ ولماذا؟"

صمت الشخص الغامض للحظة، ثم سأل بسخرية مُحتسبة:

"[هل ترغب بالنجاة؟]"

اهتز كورو من شدة التردد، ثم، ومع دقات قلبه الراجفة، اشتعل بريق الأمل في عينيه رغم رعبه. فقد أدرك أن النجاة ليست خياراً لمن يعيش في الظلال، بل هي نداءٌ يتطلب التضحية. قال بصوت حازم: "أجل، أريد النجاة. لكن... من اختارني؟ وكيف؟"

ترددت الكلمات في الهواء وكأن الزمن نفسه يسخر من أسئلتهم. جاء الرد بصوتٍ واثقٍ من نفسه، يعلو فيه الأثر القاسي للحقيقة:

"[يا للبشر... حتى على حافة الموت لا تكفون عن الأسئلة. ألا يكفيك أنك ستنجو؟]"

تلك الكلمات جُرح بها كبش كورو الذي كان يبحث عن إجاباتٍ دون جدوى. ثم، بابتسامة تحمل بين طياتها غموضاً لا يُكشف، تتابعت الكلمات:

"[سأساعدك لأنني مُطالب بذلك، لا أكثر.]"

تناثرت أسئلةٌ في ذهن كورو كفيضٍ لا ينضب، من هو هذا الكائن الغريب؟ ومن الذي أرسله؟ ولماذا اختاره المصير بهذه الطريقة؟ لكن دون أن يمنحه الوقت للتفكير، رفع الغريب يده وأظهر فيها بريقًا أسودًا غريبًا، ثم ضغطه على صدر كورو كما لو كان يحاول أن ينقل له سرًّا خطيرًا.

لم يكن أمام كورو خيار سوى الترقب والتضرع. وفي لحظة حالمة، انغرز البريق الأسود في صدره، فاجتاح ألمٌ لا يوصف كل جسده، عصراً في كل عضلة وكل عظمة، حتى بدا أن حرارةً مشتعلة تلتهم كيانه من الداخل. صرخ، لكن صوته خرج مكتوماً كما لو أن العالم نفسه رفض أن يسمعه.

"[اصبر، الأمر مؤقت فقط.]"

كانت تلك الكلمات بمثابة وعدٍ باقٍ من شخص لا يُعرف من يكون، لكن تأثيره كان لا يُقاوم.

وبعد لحظات مريرة، خفت آلامه تدريجيًا، وقف كورو ببطء وهو يلهث بصعوبة، لكنه لم يشعر بأي مشاعر؛ لم يكن يشعر بالحزن أو الفرح، حتى لم يعرف الخوف. فجأة، اجتاحه صرخةٌ مدوية، صرخةٌ غريبة كانت تأتي من أعماق ذاته.

وقف كورو مكانه وهو يحدق في يده، حيث بدأت تتحرك أنسجة جسده لتعود من جديد، وكأن ذراعه المبتورة تعود إلى الحياة. تبادر إلى ذهنه سؤالٌ محير:

"[ألم أقل أنك محظوظ؟ لقد اختارك القدر، والآن، أصبحت مدينًا له... ولي.]"

نظر إليه بتركيز متأملاً وسأل: "من أنت؟ من هو هذا الكائن؟ ولماذا كل هذا العناء؟"

ضحك الغريب ضحكةً خافتة تكاد تذوب في صمت الزمن، ثم قال:

"[كلها أسئلة عليك أن تجد لها إجابة بنفسك. دوري هنا انتهى. سنلتقي لاحقًا... إلى اللقاء.]"

صرخ كورو: "انتظر!" لكن لم يكن هناك من يسمع صوته، فاختفى الغريب في سحابة من الشرارات البيضاء، ومع زواله عاد الزمن إلى حركته الطبيعية، وعادت الألوان تدريجيًا إلى العالم.

ولحظة قبل أن تستعيد الحياة طبيعتها تمامًا، انطلقت لحظة أخرى من الفوضى؛ إذ كان وحش الظل، ذلك المخلوق الذي طالما رآه في كوابيسه، يقف على هامش الواقع. جاء الوحش، بشكله الأسود المادي والملموس، وبدأ يلوح بيده كأنه يستعد لإسقاط شيء على رأس كورو، حتى توقف فجأة، وسقط ميتًا من دون سابق إنذار.

تساءل كورو فيما هو حقًا ما يحدث حوله؛ هل هو حلم أم واقع؟ فقد بدا له أن كل شيء من حوله كان يتحول إلى مشهد غامض من كابوس لا نهاية له. لكن مع ذلك، لم يفقد الأمل، بل تجددت فيه عزيمةٌ غريبة؛ إذ أعلن لنفسه بصوتٍ حازم: "يجب علي العودة إلى المنزل."

وفي طريق عودته، وفي الطريق الذي يسلكه، بدأ الجنون يلوح على ملامحه المرهقة. لم تكن تلك الوحوش تشعر بوجوده، بل كانت تكتفي بتجاهله كما لو كان شبحًا آخر من عالم الظلال.

وصل إلى محطة مترو مهجورة، حيث اندفع بسرعة داخل باب حديدي ينغلق خلفه بقوة. وفي مركز تجاري متهدم، جلس كورو في زاوية مظلمة، يحاول استيعاب ما شاهده وما شعر به، لكن الرعب كان لا يزال يطارد كل خطوةٍ يخطوها.

فجأة، ظهر أمامه مشهد غير متوقع؛ نافذة زرقاء شفافة تطل من جدار مهجور، تحمل رسالة إلكترونية على الشاشة:

"[مرحبًا بك، أيها الظل كورو.]"

تجمّد كورو من شدة الرعب، إذ أدرك في تلك اللحظة الحقيقة المروعة؛ أنه لم ينجُ فحسب، بل تغير إلى الأبد. أصبح هو الظل الذي طالما كان جزءًا منه.

فتح ملفه الشخصي على أحد الشاشات الصغيرة في تلك النافذة، حيث ظهرت التفاصيل بشكل تلقائي:

الاسم: كورو

العرق: ظل

الدرجة: ظل عادي

الميزات

: لا شيء

اجل لقد اصبح ظلا............

---

يتبع...............

2025/07/06 · 1 مشاهدة · 822 كلمة
Nightlord
نادي الروايات - 2025