الفصل الثالث: "الندبة"
ضوءٌ باهت تسرّب من شقّ صغير في سقفٍ متهالك، ينساب في هدوء ويكشف عن ذرات غبارٍ عالقة، تسبح كأنها ترفض الاستسلام للسكون.
كورو كان مستلقيًا هناك، في الزاوية القصية لمركز تسوقٍ مهجور، جسده يرتعش، أنفاسه ثقيلة، وصدره يرتفع وينخفض في وتيرة غير منتظمة. بدا وكأنه لا يزال يكتشف كيف يتنفس في هذا الجسد الجديد.
عيناه كانتا معلقتين في فراغ، لكن ذهنه كان يغلي.
ثم ظهرت… تلك النافذة الزرقاء الشفافة التي لا يراها أحد سواه.
[الاسم: كورو]
[العرق: ظل]
[الدرجة: ظل عادي]
[الميزات: لا شيء]
أربعة أسطر فقط... لكنها كانت كافية لتمزق هويته القديمة.
هو كان إنسانًا... منذ ساعات فقط.
الآن، يتحول إلى شيء لا يستطيع تسميته.
همس كأنه يخاف أن يسمع نفسه:
"أنا... لست إنسانًا؟"
مدّ يده ليغلق النافذة، كأنه يريد أن يخنق الحقيقة.
لكن قلبه كان يعلم.
كل شيء فيه كان مختلفًا. أنفاسه كانت أعمق، نبضه أقوى... وأفكاره؟
أفكاره أصبحت باردة، تشبه الظلال التي بدأت تُطوّقه.
نظر إلى يده اليمنى، فانتبه إلى شيء غريب:
على معصمه، كانت هناك ندبة. صغيرة، سوداء، تتوهّج بخفة.
لم تكن مؤلمة… لكنها كانت تنبض. كأنها كائن حي.
اقترب منها بأصابعه المرتجفة، كأن لمسها قد يوقظ شيئًا لا يُفترض أن يستيقظ.
همس لنفسه، ببطء:
"ما هذا؟ ما الذي يحدث لي؟"
وفجأة…
سَمِع صوتًا داخليًا، لم يكن صوته. لم يكن بشريًا حتى.
صوتٌ أعمق من الصمت، أقرب إلى الهمس، وأبعد من الفهم.
[أنت خُتمت.]
كلمة واحدة فقط… لكنها هزّته من الأعماق.
تذكّر تلك اللحظة التي توقف فيها الزمن. ذلك الغريب الغامض… القصير القامة… ذو الوجه المخفي.
نهض كورو ببطء، أرجله بالكاد تحمل جسده.
بدأ يتحرك وسط الظلام، بين الأرفف المحطّمة، والزجاج المكسور، والهواء الذي يختنق بسكونه.
شعر أن شيئًا ما يراقبه. ليس من مكانٍ محدد… بل من كل مكان.
ثم...
صرخة.
بعيدة، خافتة، لكنها اخترقت أعماقه كالسهم.
ركض.
لم يسأل من، أو لماذا. لم يفكر.
صرخة كتلك لا يمكن تجاهلها.
المكان أمامه كان يزداد عتمة. الظلال تزداد كثافة، كأنها تنبض بالحياة.
ثم رآها.
كانت فتاة تقف وسط هذا الفراغ، جسدها يرتجف، وعيناها واسعتان كأنها رأت شيئًا لا يُحكى.
لكن رغم خوفها، لم تهرب.
كانت تنظر إلى معصمه.
الندبة بدأت تتوهّج من جديد.
ونطقت… بصوتٍ داخلي آخر، لم يكن كورو مصدره.
[راڨنا.]
تراجع خطوة للخلف، لكنها تقدّمت نحوه.
قالت بصوت مبحوح:
– "أنت… واحد منهم؟"
لم يفهم.
همس مرتبكًا:
– "ماذا… تعنين؟"
نظرت إليه بنظرة غريبة، خليط من الخوف واليقين:
– "رأيتك في حلمي… كنت تبكي وسط بحر من الدم."
قبل أن يجيبها، اجتاحت عقله صور خاطفة.
نيران. ظلال. طفل يصرخ باسمه. صرخات بلا وجوه.
سألها بتردد:
– "من… من أنت؟"
– "اسمي آريا… وكنتُ ظلًا قبلك."
تجمّد.
– "كنتِ؟ يعني... لم تعودي؟ كيف؟"
أخفضت رأسها وقالت بهدوء:
– "فقدتُ ظلي."
كلماتها وقعت كصفعة على صدره.
قبل أن يسألها، اهتزت الأرض.
بدأت الجدران تنزف… حرفيًا.
سائل أسود، سميك، ينساب مثل الحمم البطيئة.
صرخت آريا، أمسكت بيده:
– "علينا الرحيل! الغاسر يتجسد!"
– "ما هو الغاسر؟!"
– "ظلٌ تائه. بلا جسد، بلا عقل، ينجذب إلى الندبات الجديدة… وندبتك تلمع كأنها نداء."
ركضا.
مرت بجانب باب حديدي صدئ، فتحته بسرعة وسحبته خلفها.
دخلا إلى غرفة صغيرة منقوشة بالرموز القديمة.
أنفاسها تتسارع، عيناها تلمعان من القلق.
– "هذه الغرفة محمية. الرموز تمنع دخولهم."
جلسا على الأرض.
أراد أن يسألها ألف سؤال… لكنه بدأ بالأقرب:
– "ما هو راڨنا؟"
سكتت للحظات، ثم أجابت:
– "راڨنا ليس اسمًا… إنه وسم. وسم الانهيار. عندما يظهر على أحد الظلال، يخشاه الكبار… أو يحاولون قتله فورًا."
– "يعني… أنا خطر؟"
أومأت برأسها:
– "نعم. وأنت أخطر من أن تُترك وحدك."
أمسكت بيده بلطف، نظرت إلى الندبة.
– "الختم بدأ يتنفس. وكلما تنفّس، شيء سيخرج… من ماضيك، أو من ظلك، أو من شيء لا تعرفه بعد."
نظرت في عينيه، نظرة طويلة كأنها تخترق ما وراءه.
– "السؤال الحقيقي، كورو… هل أنت مستعد لاكتشاف
الجزء الأول؟
أم أنك ستبقى تائهًا في ظلامك، تهرب من نفسك؟"
---
نهاية الفصل الثالث. يتبع...