الفصل الرابع: "الختم الأول"

كان يظن أن ما مرّ به حتى الآن هو الجحيم بعينه: توقف الزمن، لقاء الرجل الغامض، تحوّله إلى "ظل"، ثم تلك الندبة السوداء التي نبضت على معصمه كأنها كائن حي.

لكنه لم يكن يعلم... أن كل ذلك لم يكن سوى البوابة الأولى.

الليلة كانت صامتة بشكل مريب. لا ريح، لا حشرات، لا شيء... سوى وهج خافت ينبعث من جدران الغرفة القديمة المحفورة بالرموز. الهواء كان كثيفًا، مشبعًا برائحة التراب والحديد والرماد. كورو جلس على الأرض، ظهره إلى الحائط، يراقب اهتزازات الضوء على الحجارة التي تُشبه التنفّس البطيء.

آريا جلست مقابله، على بُعد خطوة واحدة، تنظر إلى معصمه وكأنها تقرأ شيئًا لا يراه. لم تتكلم منذ دخلوا الغرفة، لكنه شعر أنها تفكر كثيرًا… تتردّد، تُوازن شيئًا ما في ذهنها.

أخيرًا، قطعت الصمت:

"ما مررت به حتى الآن… هو مجرّد ظل من الماضي. الختم الأول؟ هذا أسهلها، لكنه مفتاح كل شيء."

كورو نظر إليها، عينيه فيها تعب، حذر، لكن خلف ذلك… فضول لا يُقاوم.

"ظننت أني فعلت شيئًا عندما ظهرت الندبة. شعرت بألم، رأيت أشياء…"

هزّت رأسها بهدوء وقالت:

"أنت لم تفتح الختم، كورو. فقط لمسته. كأنك طرقت الباب… لكنه لم يُفتح بعد."

تقدّمت نحوه، ببطء. جلست أمامه تمامًا، ومدّت يدها، كفّها مفتوح كأنها تطلب ثقته.

تردّد، قلبه ينبض بسرعة. شيء بداخله يحذّره… لكن شيئًا آخر أقوى، يريد أن يعرف.

وضع يده في يدها.

فور تلامس الجلد، ارتجف الهواء من حولهما. الرموز على الجدران بدأت تتوهج أكثر، وكأنها تنتبه لوجوده، تستيقظ معه.

آريا أغمضت عينيها، وبدأت تتمتم بلغة لا تنتمي لهذا العالم. همسات ناعمة، لكنها مشحونة بشيء قديم، مظلم، قوي. كان يشعر بها تتسرّب إلى أعماقه، توقظ شيئًا نائمًا فيه.

ثم...

انفجرت الندبة.

الصرخة التي خرجت من كورو لم تكن صرخة ألم فحسب. كانت صرخة انفصال... كأن جزءًا من روحه اقتُلع من جذوره. الحرارة اجتاحت جسده، نار سوداء سرت في عروقه، وفي لحظة، انهار على الأرض.

ثم جاءت الرؤى.

مدينة تبتلعها الظلال، شوارع فارغة إلا من صراخ الناس، لكن لا أحد يُنقذ أحدًا. كل شيء يسقط، يحترق، يُمحى.

ثم... تلك المرأة.

وجه مألوف بطريقة مزعجة. تشبهه، في العينين، في التعبير، في الصراخ.

كانت تحترق داخل كتلة من الظلام، تصرخ باسمٍ لا يتذكّره.

ثم الظل.

كيان ضخم، بلا ملامح، لا يتحرك، لكنه حاضر. اقترب بصمت، ثم همس:

"وريث راڨنا... لقد عدت."

كل شيء انقطع بعدها. لا صوت، لا رؤية.

فقط سكون.

استفاق كورو وهو يلهث، جسده مبلّل بالعرق، وقلبه يخفق بقوة. عيناه اتّسعتا كأنهما ما زالتا تبحثان عن مخرج. كل شيء فيه ارتجف، لكن بداخله… شيء جديد قد وُلد.

مسح جبينه بيده المرتجفة، ثم التفت إلى آريا، التي لم تتحرك من مكانها.

قالت بهدوء:

"لقد خرج."

نظر إليها، ما زال صوته مكسورًا:

"من خرج؟"

قالت:

"جزء من الحقيقة. هذا ما يفعله الختم الأول فقط."

جلس بصعوبة، أطرافه ترتجف، رأسه يدور، لكنه تمكّن من النطق:

"ما هذه الأختام؟ ماذا تعني؟"

آريا نظرت إلى الجدران، وكأنها تقرأ منها جوابًا:

"حين أصبحت ظلًا، لم تدخل هكذا ببساطة. تم تقسيمك، ختمك، تقطيعك إلى عشر قطع. ذاكرتك، قواك، ماضيك، حقيقتك... كل جزء أصبح داخل ختم."

"ولماذا؟ من فعل هذا؟"

نظرت إليه مطولًا، ثم قالت:

"من أجل أن لا تستيقظ."

"أنا؟"

"أنت… آخر بذرة من راڨنا. سيد الظلال. ولأنك كنت الأقرب للفناء، أخفيناك في جسد بشري. فصلناك عن نفسك. كل ختم هو باب. وكل باب... يفتح شيئًا مختلفًا."

قال ببطء:

"ذكريات؟"

"أو قوى. أو أشخاص. أو كوابيس. أو حتى وحوش خرجت منك."

أغمض عينيه لحظة ثم فتحهما:

"وما الذي يحدث إن فتحتُها كلها؟"

أجابت دون تردّد، وبصوت منخفض لكنه حاسم:

"حينها، لن تكون كورو. ستعود لما كنت عليه. ستستعيد كل شيء... حتى الشيء الذي جعلك تُمحى."

"وهذا الشيء… هل هو شرّ؟"

سكتت لحظة طويلة، ثم أجابت:

"ليس دائمًا. لكن قوته… يمكن أن تُنهي العالم، أو تحكمه. أو... تنفجر فيه وتموت معه."

سكت الاثنان.

كورو نظر إلى معصمه. الندبة الأولى لا تزال تتوهّج، لكن بجوارها، ظهرت نقطة جديدة، أشبه بندبة صغيرة بدأت في التكوّن.

قال بهدوء، دون خوف، بل وكأنه يعقد اتفاقًا مع ذاته:

"إذن... لنفتح البوابة التالية."

2025/07/06 · 1 مشاهدة · 632 كلمة
Nightlord
نادي الروايات - 2025