🕯️ الفصل الخامس: الندوب تتكلم

"أحيانًا، ما نحاول نسيانه… يقرر أن يعود وحده."

---

مرّت أيام منذ فتح كورو الختم الأول.و تساؤلاته عن اريا وهويتها تراوده لكته لا يعيرها اهتماما

كان يظن أن الألم سيتناقص. أن جسده سيبدأ في الاعتياد.

لكن الحقيقة كانت أقرب إلى كابوس يتمدد في صمت.

في البداية، ظهر فقط بعض التعب. عينه اليسرى صارت ترى أكثر مما ينبغي. يرى وجوهًا خلف الجدران، يرى خطوات في أرضٍ فارغة، يسمع أسماءً لم يسبق له أن نطقها.

ثم جاء الليل الثالث… وجاء معه الصقيع.

استيقظ كورو والهواء من حوله جامد. أنفاسه تتكسر في صدره، كما لو أن البرد ليس في المكان… بل في عروقه.

نظر إلى معصمه.

كانت هناك…

ندبة ثانية. حادة. رفيعة. ملتوية كخيط حاد على جلد ميت.

لم تكن مجرد علامة.

كانت تُنذر بانفتاح بابٍ آخر.

---

صوت في أعماقه، همسة قديمة بلغة لا يعرفها، ثم…

صرخة.

لم تكن من فمه.

كانت من داخله.

كأن ذكرى مدفونة منذ قرون قررت أن تنهض من رمادها.

---

في لمح البصر، وجد نفسه في شارع قديم، مغلف بالضباب.

لا لون. لا صوت. لا ريح.

كأن الزمن نُسي هنا.

وفي وسط الطريق، وقفت امرأة.

شعرها طويل، وثوبها ممزق عند الذراع، وظهرها نحوه.

كان يعرف هذا الظهر.

"أمي؟"

اقترب، مترددًا.

استدارت ببطء.

كانت هي. لكن عينيها... فيهما موتٌ لم يكن يومًا فيها.

"لماذا عدتَ متأخرًا يا كورو؟" قالت بصوتٍ يشبه احتضار الريح.

"أنا… لم أعد، لم أغادر حتى."

"بل غادرت. حين صرخت، حين فتحت الباب."

"أي باب؟"

أشارت نحو مبنى منهار في نهاية الطريق.

فجأة… ظهر صبي صغير، يرتجف، يغلق أذنيه ويصرخ.

"كنت أنت." قالت.

"ذلك الصراخ… فتح أول بوابة للظلال. جعلهم يعرفونك.

لم يكن اختيارًا… كان نداءً. أنت من بدأ كل شيء."

---

شهق كورو، واستيقظ وهو يلهث.

كان مبللاً بالعرق، يده ترتجف، وصدره يشتعل.

آريا كانت هناك، تجلس عند قدميه، وعيناها تتابعانه بصمت.

قالت بهدوء:

"أخبرني… ماذا رأيت؟"

"أمي… كانت هناك. قالت إنني أنا من صرخ أولًا. أنني أنا من فتح البوابة…"

هزّت رأسها:

"هكذا يعمل الختم الثاني. لا يعطيك القوة. بل يعيد إليك الذكرى التي حاولت خنقها.

الصرخة التي لم تطلقها حين كان عليك ذلك… الآن تسمعها."

نظر إلى معصمه.

الندبة الثانية أصبحت مكتملة. سوداء خفيفة، كأنها نُحتت من حبرٍ ثقيل.

---

وفي الليلة التالية… جاء الغضب.

ليس غضبًا عاديًا.

كان داخله شيء يغلي… يتصاعد… يبحث عن منفذ.

"آريا… هناك شيء خاطئ."

"خاطئ؟"

"كأن شيئًا في داخلي… يريد أن يخرج. لا يمكنني احتواؤه."

اقتربت منه بسرعة، نظرت إلى معصمه.

الندبة الثالثة بدأت تتكوّن.

"مستحيل…" همست.

"ما به؟"

"كورو… هذا سريع جدًا. فتحك للختم الثالث الآن… سيحرقك من الداخل."

لكن الوقت كان قد فات.

انهار كورو فجأة، جسده يهتز، عيناه تحترقان، وظهره يتقوس كأن شيئًا ينبت من داخله.

وفجأة… انفجر صراخٌ منه.

صوت لم يكن بشريًا بالكامل.

ضرب الأرض بقبضته، فتشقق الحجر، وارتجّت الغرفة.

يداه اشتعلتا بخطوط حمراء، وظهر له على ظهره شكل جناحين من الظلّ، غير مكتملين.

آريا، مذعورة، بدأت ترسم دائرة طرد حوله، تهمس:

"ثلاثة أختام… في أقل من أسبوع… ما أنت بحق الظلال؟!"

لكنه لم يسمعها.

في ذهنه، كان يرى مشاهد ممزقة:

نار تلتهم بيته. صديق قديم يخونه. طفل يصرخ تحت الأنقاض.

غضب… غضب صامتٌ منذ سنوات، الآن يخرج.

ثم توقف كل شيء.

كورو سقط، يلهث.

جسده منهك. وجهه محترق جزئيًا من الجانب. وعيناه مطفأتان.

---

بعد ساعات، استيقظ.

آريا كانت ما تزال هناك. تنظر إليه بنظرة لم يرها من قبل.

"أين… أنا؟"

"ما زلتَ حيًا، لحسن الحظ."

جلس ببطء، يضع يده على قلبه.

"كنت… أريد أن أقتل كل شيء."

أجابت بهدوء:

"هذا هو الختم الثالث. لا يعطيك سلاحًا… بل يطلق سجنًا."

"هل هذا يعني… أنني فقدت السيطرة؟"

"لا. بل للمرة الأولى… سمحت لنفسك أن تغضب. كبشر. لا كظل."

سكت لحظة، ثم سأل:

"آريا… وماذا عن الختم الرابع؟"

تغيّر وجهها على الفور، وقالت بحزم:

"لا. لا تفكر حتى به."

"لماذا؟"

"فتح الختم الرابع قبل أوانه… انتحار. بين كل ختم وآخر، يجب أن تنتظر ستة أشهر على الأقل.

هذا ليس اختيارًا. جسدك… روحك… تحتاج الوقت لتتشكل من جديد.

أما إن تعجلت…

فستنهار. داخليًا وخارجيًا."

"لكن…"

قاطعت كلامه:

"سوف تنفجر جسدك لا يتحمل أنت فتحت ثلاثة في أسبوع."

سكت كورو. ثم قال بهدوء:

"حسنا لكن ماذا سنفعل الآن؟"

--

يتبع في الفصل القادم

2025/07/07 · 3 مشاهدة · 664 كلمة
Nightlord
نادي الروايات - 2025