وقف ألكسندر في ممر حجري واسع، مع مصابيح سقف صغيرة بالكاد تنير هذا النفق
تنهد، و على وجهه نظرة متعبه
هذا هو أحد الكوابيس المزعجة التي تراوده بين الحين و الآخر
لكل كائن حي مخاوف خاصة به، البعض يخاف من العناكب، و البعض الآخر يخاف الأماكن المرتفعة
بالنسبة الى ألكسندر كان خوفه الأعظم و سبب كوابيسه هو.... ماضيه
نظر الى القبعة العسكرية التي يحملها في يده اليمنى، ثم القاها جانباً
كم مره إضطر الى تكرار هذا الكابوس؟
آلاف أو ملايين المرات؟
هل نام بينما كان يقرأ الكتب في المكتبة؟
منذ وصوله الى ذلك العالم هو لم ينم، كان يخطط لمستقبله و يتدرب لزيادة قوته
يبدو ان جسده قد اصبح متعباً، فسقط نائماً داخل المكتبة
كانت غرفة المكتبة دافئة، و الكراسي مريحة، هذه أشياء تساهم في إسترخاء الجسد ، و تجرف الشخص الى عالم الأحلام
اغلق عينيه للحظات و هو يحاول إستعادة تركيزه، ثم مشى بخطى متثاقلة الى وجهته
كان الممر الذي يسير فيه مملوءاً بالجثث المشوهه التي لا يمكن ملاحظة ملامحها ، و كل الجثث تمتلك قطعة معدنية معلقة على أزيائهم العسكرية، تم حفر أسماء على هذه القطع المعدنية
هذه القطع (دوغ تاغ) ، و تم استخدامها للتعرف على جثث الجنود الذين يموتون في ساخة المعركة
كان الدم يعطي الأرضية
لكنه سار بشكل طبيعي و بخطوات ثابته ، غير عابئ بالجثث التي يدوس عليها، او بالدم الذي يلوث ملابسه
سقطت أحشاء بشرية امام ألكسندر، رفع رأسه الى السقف، و وجد بقايا بشرية على السقف
كان الجدران تحتوي على ثقوب غريبة تؤدي الى غرف اخرى، و تم تكسير الأثاث الى قطع، لم يكن هناك شيء سليم في هذا المكان، و كأن إعصاراً قد مر من هنا
دخل ألكسندر الى غرفة واسعة مليئة بالكراسي، مع صليب معلق على الحائط المقابل للباب
على عكس باقي الغرف المملوءة بالجثث ، كانت هذه الغرفة طبيعية و نظيفة
هذه هي الكنيسة التي قام صديقه ببناءها في الحصن الذي كانوا يعملون فيه خلال الحرب العالمية
كان هناك مذبح تحت الصليب، و على هذا المذبح توجد دمية أرنب مغطاة بالدم
وقف أمام المذبح، و نظر الى دمية الأرنب بإبتسامة دافئة
مد يده بحذر و رفع دمية الأرنب بيديه، و كأنه يرفع كنزاً ثميناً
زئير
في اللحظة التي رفع ألكسندر دمية الأرنب تردد صوت زئير في الحصن، سقط بعض الغبار من السقف، و اهتزت المصابيح المعلقة في السقف يميناً و يساراً
هذا الزئير هز المكان كالزلزال، حتى اشجع الرجال سوف يتبولون في سراويلهم عند سماع هذا الزئير المريع
لكن ألكسندر ابتسم عندما سمع صوت الزئير
صرخ بعاطفة. " لومبيرت ، هل إشتقت لي يا صديقي؟..".
لكنه لم يتلقى أي رد
حافظ ألكسندر على إبتسامته، و مشى نحو احد الكراسي
جلس و هو يضع دمية الأرنب في حجره
كان بإمكانه سماع صوت الزئير المخيف، الذي يتردد في الممر و الغرف، كان هذا الصوت كافياً ليدفع أي انسان طبيعي الى الجنون
لكن بالنسبة الى ألكسندر كان هذا الزئير تذكيراً له بأنه كان يمتلك صديقاً اسمه اوغسطين لومبيرت
شيش! شيش!
تردد صوت تشويش صادر من جهاز مذياع موجود على منضده بالقرب من المذبح
كان الجهاز يبدو مهترئاً و قديماً
استمر صوت التشويش لفترة، و لكن الصوت بدأ يصبح أوضح تدريجياً
كان هناك صوت شخص يحاول التحدث من خلال هذا الجهاز
لم ينهض ألكسندر من مكانه، و حدق في الجهاز ببرود
" الجندي كليمون، لم اتوقع ان تستطيع النجاة...". خرج صوت واضح من المذياع
كليمون
لم يسمع هذا الأسم منذ فترة طويلة
"اعتقد انني كنت محظوظاً اكثر منك، الضابط جوبير..". رد ألكسندر بسخرية
"أنا آسف...". هذا هو الشيء الوحيد الذي خرج من الحهاز، و بعدها عاد التشويش
" أنا اعرف ان الضابط فورنييه هو من قام بحبسنا هنا، لكنك لم تعترض على ذلك، انت مذنب أيضاً، يا جوبير". على الرغم من كلماته، كان ألكسندر لامبالياً
" انت محق..". اصبح الصوت واضح مرة أخرى.
" انا مذنب.."
" اذن لماذا عدت؟..". سأل ألكسندر عرضاً و هو ينظر الى دمية الأرنب و مسح الغبار الذي يغطيها
" أنا لم أعد، بل انت من قمت بإستدعائي....يبدو انك لم تستطع ان تتحمل الوحدة، لذلك قام عقلك اللاواعي بصنع هذا الخيال، حتى لا تفقد عقلك.."
" لماذا لم يصنع عقلي إمرأة جميلة؟ من بين جميع الخيارات المتاحة، لماذا يختار احد الضباط الجبناء؟..".
" من الممكن ان هذا حصل لانني كنت اخر بشري قد قابلته...".
" حسناً.....هذا لن يغير شيئاً..". وضع ألكسندر دمية الأرنب على احد الكراسي
" لا...انت حصلت على فرصة جديده، لماذا لا تستغلها؟ فلتعش حياتك بأفضل طريقة ممكنة..."
" حتى لو اتيحت لي فرصة جديدة، سوف يستمر الماضي بمطاردتي، انها لعنة تلاحقني..". أدار ألكسندر جسده، و اقترب من المخرج
"قد تكون محقاً، لكن يمكنك كسر تلك اللعنة اذا اردت ذلك، يمكنك ان تتخلص من الذكريات القديمة بصنع ذكريات جديدة، او على الأقل يمكنك ان تخفف اثارها..". اصبح صوت جوبير اخفت
توقف ألكسندر، و نظر بإتجاه المذياع بنظرة معقدة
" اتمنى ان تكون هذه آخر مرة نلتقي فيها، انا اعرف انك تشعر بالألم عندما تعود الى هذا المكان، وداعاً يا كليمون.... لا، من أفضل ان اقول، وداعاً يا ألكسندر...". اختفى صوت جوبير
هذه المرة، غادر ألكسندر الغرفة دون أن ينظر للخلف