، وما زال والداي يمنعانني
من النهوض من السرير. كانت أيامي تمضي ببطء، محاطة بالعناية المفرطة وكأنني قطعة زجاج قابلة للكسر.
فُتح الباب بخفة، ودخلت الخادمة المسؤولة عن خدمتي، تحمل بين يديها مناشف نظيفة وتبعث في الغرفة رائحة الصابون المعطر.
“صباح الخير يا آنستي.” قالت بصوت ناعم وهي تتجه نحو النافذة، تزيح
الستائر برفق لتسمح لأشعة الشمس بالتسلل إلى الغرفة.
“لقد جهّزنا لكِ الحمام. آنستي، يجب أن تستعدي، الطبيب سيأتي لفحصك قريبًا.”
رفعت حاجبيّ بدهشة قبل أن أعدل وضعيتي على السرير، محاولةً الجلوس باستقامة.
“أنتِ محظوظة حقًا، يا آنستي.” أردفت الخادمة وهي تغيّر أصيص الزهور على الطاولة المجاورة.
“ماذا تقصدين؟” سألتها بفضول، وعيناي تراقبانها وهي تنسّق بتأنٍّ بتلات الورود البيضاء.
التفتت إليّ بابتسامة دافئة، وقالت بصوت تغلغل فيه شيء من الإعجاب:
“لقد كانت حالتكِ خطيرة جدًا. الأطباء كادوا يفقدون الأمل في علاجك.” توقفت للحظة قبل أن تتابع: “لكن من حسن حظكِ أن ابن صاحب السمو الأمير دينيس ستراثمور هو من عالجك.”
ارتفع حاجباي أكثر. “عالجني؟”
أومأت الخادمة، وعادت إلى ترتيب بعض الأغراض على الطاولة.
“عائلة ستراثمور ليست من الأسر التي تمتهن الطب،
فهم يحصلون على الشهادات الطبية عادةً لتعزيز العلاقات الدبلوماسية، وليس لممارستها.” تنهدت
قليلًا، لكن الطبيب كايل ستراثمور، الابن الأكبر للأمير، كان استثناءً.”
حاولت أن أستوعب كلماتها، لكن ما شدّ انتباهي أكثر هو اسم الطبيب.
تابعت الخادمة، وقد بدا عليها الحماس وهي تتحدث عنه: “لقد درس خارج البلاد لمدة ثماني
سنوات، وهو أحد أفضل خريجي جامعة هايبرد المرموقة. يقال إنه نابغة في مجاله.”
ابتسمتُ بهدوء، لكن داخلي كان يعجّ بالأسئلة.
“هل والدي يعرف عائلة ستراثمور؟”
نظرت إليّ الخادمة بدهشة طفيفة قبل أن تضحك بخفة. “بالطبع! العلاقة بين والدكِ وسيد ستراثمور قوية جدًا، يا آنستي.”
“حقًا؟ كيف ذلك؟”
وضعت الخادمة الأصيص في مكانه قبل أن تستدير إليّ، وعيناها تلمعان بقليل من الشوق إلى الحكايات القديمة.
“لقد كانا صديقين منذ الطفولة، وتزوجا في نفس السنة. والدكِ، الدوق فاليسكا، قاد الحرس الإمبراطوري إلى النصر في الحرب، وحصل على لقبه بجدارة.”
شعرتُ بدهشة حقيقية هذه المرة. لن هذا الجزء لم يضهر في رواية
تابعت الخادمة بصوت خافت وكأنها تهمس بسرّ قديم: “أما الأمير دينيس ستراثمور، فكان الوريث الشرعي للعرش… لكنه تخلى عن حقه لصالح شقيقه التوأم الأصغر، كل ذلك من أجل الحب.”
“الحب؟”
“نعم.” أومأت الخادمة بابتسامة دافئة. “لقد وقع في حب السيدة سارة، ابنة العقيد دارن. لكن كان عليه أن يختار بين حبّه والعرش، فاختارها دون تردد.”
تأملت كلماتها بصمت، مستوعبة مدى عمق العلاقة بين العائلتين.
“لهذا السبب علاقتهم قوية جدًا.” أضافت الخادمة وهي ترفع يديها بتعبير يؤكد كلامها. “تزوجا في نفس السنة، ورُزقا بأطفالهما في نفس الوقت تقريبًا.”
ابتسمتُ برفق، لكنني شعرتُ بأن هناك الكثير مما لم يُقال بعد.
“إذن… الطبيب كايل ستراثمور هو ابن الرجل الذي تخلّى عن العرش من أجل الحب؟” تمتمتُ لنفسي، محاولةً استيعاب الأمر.
أومأت الخادمة، وهي تلتقط ملاءة نظيفة وتبدأ بترتيب السرير. “نعم، إنه كذلك.”
غُصتُ في أفكاري، غافلةً عن صوت الخادمة التي كانت تتابعني بعينيها المتحمستين.
“آنستي، عليكِ بالاستحمام. حمام دافئ مع الأعشاب الكورية سيجعل نشاطكِ يعود.” وضعت يدها على كتفي برفق، وكأنها تحاول دفع الكسل عني.
أومأتُ ببطء، ثم نهضتُ من السرير وتبعتها عبر الممر الطويل، حيث امتدت النوافذ الواسعة على جانبيه، كاشفةً عن حديقة زاهية بألوان الزهور، تتوسطها نافورة تتلألأ تحت أشعة الشمس.
عندما وصلنا إلى الحمام، توقفتُ للحظة أستوعب جماله. كان أشبه بمشهد من الخيال، حوض رخامي واسع، وزخارف ذهبية تزيّن الجدران، فيما انسكبت المياه الدافئة في الحوض بسلاسة مهدّئة.
تنفستُ بعمق، مخاطبةً نفسي: لا مزيد من الكسل. هذا جسد جديد، وحياة جديدة، وعليّ التكيف معها.
منذ أن استيقظتُ في هذا العالم لم أستحم، فقد كنتُ غارقةً في المرض والمهدئات، لكن الآن حان الوقت لاستعادة طاقتي.
بينما كنت أفكر، دخلت الخادمة بابتسامة وقالت بلطف: “أنا سأغسل شعركِ.”
لم أمانع، بل جلستُ بهدوء في الحوض، وتركتُ لها مهمة غسل شعري. راحت أصابعها تعمل برفق، تدلّك فروة رأسي بصابون برائحة اللافندر، وشعرتُ بالماء الدافئ ينزلق على خصلاتي كأنها خيوط حريرية تلمع تحت الضوء الخافت.
“آنستي، أنتِ جميلة حقًا.” قالت الخادمة، وهي تغسل شعري بحذر وكأنه شيء ثمين.
أغمضتُ عيني للحظة، أترك الماء ينساب على وجهي. “كم عمري؟” سألتها فجأة، وكأنني أحاول التأكد من حقيقة هذا الجسد الذي تجسّدتُ فيه.
أجابت الخادمة بثقة: “لقد أكملتِ عامكِ السابع عشر، آنستي.”
سبعة عشر… كررتُ الرقم في رأسي. كان عمرًا مناسبًا، ليس صغيرًا جدًا، لكنه أيضًا ليس كبيرًا بما يكفي ليكون لديّ سلطة حقيقية. حسنًا، هذا جيد، فكرتُ وأنا أنهي استحمامي.
عندما خرجتُ من الحمام، ارتديتُ فستانًا متوسط الطول بلون أصفر فاتح، تفاصيله هادئة وأكمامه تصل إلى منتصف ساعديّ. كان بسيطًا لكنه مريح. قامت الخادمة بترتيب شعري بلطف، ثم وضعت لمسة من مرطب الشفاه وعطّرتني بعطر الزهور الناعم.
تبعتهَا إلى الطابق السفلي، حيث قادني الدرج الفخم المصمم على طراز القرن العشرين إلى غرفة الجلوس. عندما وقفتُ أمام الباب الكبير، أخذتُ نفسًا عميقًا. كان عليّ التصرف وفقًا لشخصيتي في الرواية… لكن المشكلة أن هذا الجسد لم يُذكر بعد في القصة. لذلك، قررتُ أن أتصرف بطبيعتي.
دفعتُ الباب بخفة، ودخلتُ الغرفة، حيث كان الجميع مجتمعين.
“مرحبًا جميعًا.” قلتُ بهدوء، بينما رفعتُ رأسي لأرى من كان في الداخل.
كان والدي يجلس بهدوء بجانب والدتي، وعلى الأريكة المقابلة لهما كان الطبيب كايل ستراثمور، يجلس بجانب رجل بدا في أواخر الخمسينيات من عمره، لكنه لم يكن يبدو مسنًا على الإطلاق. كان يحمل ذات الملامح الحادة لكايل، مما جعلني أستنتج هويته فورًا.
لم أملك وقتًا طويلًا للتفكير، فقد نهضت أمي بسرعة، تتجه نحوي بابتسامة مشرقة. كانت ترتدي فستانًا كريمي اللون مزخرفًا بالشيفون، يتناسب تمامًا مع موضة النبلاء في لندن.
وضعت يدها خلف ظهري بحنان، وقالت بصوت دافئ: “اليوم تبدين جميلة جدًا، يا ابنتي.”
ثم التفتت نحو الرجل الجالس، وقالت بابتسامة رسمية: “سيد ستراثمور، اعذر ابنتي. لقد كانت مريضة، وهي ما زالت فاقدة للذاكرة.”
تأملني الرجل بنظرة متفحصة، قبل أن يبتسم ويرفع يده، مشيرًا لي بالاقتراب.
ترددتُ للحظة، لكن أمي همست لي بلطف: “اذهبي، يا عزيزتي.”
سرتُ نحوه بخطوات ثابتة، وانحنيتُ بأدب، قبل أن أقول بصوت هادئ: “فليحيا سمو الأمير، السيد ستراثمور.”
ضحك الرجل بحرارة، وأمسك بيدي، ساحِبًا إياها بخفة ليجلسني بجانبه.
ألقيتُ التحية على كايل أيضًا، متحدثةً بأدب: “كيف حالك يا سيد ستراثمور الشاب؟”
لكن قبل أن يتمكن كايل من الرد، تدخل والده، وهو يسحبني بلطف للجلوس مجددًا. “لا تنهكي جسدكِ، يا صغيرة.” ثم التفت نحو والدي، قائلاً بثقة: “إنها بخير. ستعود صحتها إلى ما كانت عليه قريبًا.”
بعدها، نظر إليّ مباشرةً، وسألني بصوت عميق: “أخبريني، ما آخر شيء تتذكرينه منذ أن فقدتِ وعيكِ؟”
ترددتُ للحظة. هل يجب أن أخبره الحقيقة؟ هل يمكنني أن أقول ببساطة إنني لا أنتمي لهذا العالم؟ بالطبع لا. كان عليّ التصرف بحذر.
لكن قبل أن أتمكن من التفكير في إجابة مناسبة، قاطعني ضاحكًا: “أنا طبيب متخصص، لا تخدعنّي ملامحي، فأنا أحب مهنتي بشدة.”
ثم أضاف بمرح: “ولكن، بما أنكِ ابنة أخي وصديق طفولتي، فأنا أصرّ على فحصك بنفسي.”
رفعتُ حاجبيّ قليلًا، قبل أن أجيب بأدب: “أشكرك، يا عمي، لأنك تحاول جاهدًا مساعدتي.”
انفجر الأمير دينيس ستراثمور ضاحكًا، وقال وهو يلتفت نحو والدي: “عثمان، لديك ابنة ذكية! لقد حصلتُ بسرعة على رخصة بأن أكون عمها!”
شعرتُ بالحرج الشديد، وعضضتُ شفتَيّ بخفة، بينما التقت عيناي بعيني كايل، الذي كان يراقب الموقف بابتسامة صغيرة. بدا وكأنه يدرك أنني في ورطة، لكنه لم يتدخل.
“أليس من الرائع أن تصبح عمًا، يا أبي؟” قال كايل، ناظرًا إلى والده بسخرية مرحة.
ضحك والده مجددًا، وربت على كتفي بلطف: “يا إلهي، يبدو أن أرورورا ستكون الطفلة المدللة لدي!”
علّق والدي بدوره، وهو يبتسم: “وابنتي ستكون فخورة بعمها الجديد.”
عمّت الغرفة أجواء دافئة، ملؤها الودّ والعائلة. لم أكن أتوقع هذا الكم من القبول بينهم، وكأنني كنت دائمًا جزءًا من هذه العائلة.
لكن فجأة، التفت إليّ الأمير دينيس مجددًا، ونظر إليّ بتركيز.
“لم تجيبيني بعد، أرورورا. ما آخر شيء تتذكرينه قبل أن تفقدي وعيكِ؟”
شعرتُ بقلبي يخفق. لم يكن هناك مفرّ من الإجابة هذه المرة.
أزحتُ خصلة شعر خلف
أذني، ثم نظرتُ إليه بعينين هادئتين، قبل أن أنطق كلمات ستصدم الجميع.
“أتذكر… أنني متُّ.”
The third party does not want to love again
3