"منظور فراي ستارلايت"
..
بتلك الليلة الباردة، والثلوج الأمطار التي تناوبت فيما بينها هاطلة فوق رؤوسنا.
اقترب أسطول الإمبراطورية من بلوغ هدفه، وهذا ما تأكدنا منه عندما ابتلع ضباب كثيف الأسطول بأكمله.
ذلك الضباب قد كان شيئاً مميز خليج شيزكلار التابع للألتراس.
و دخولنا إليه، يعني أننا قد وصلنا أخيراً.
واقفين بمقدمة السفينة التي قادت الطليعة.
وقفنا جميعاً خلف بلودمادير الذي واصل مراقبة الأفق بأعينه الفارغة تلك، الأعين التي لم تمتلك سوى البياض.
لقد كان المكان هادئاً، فما عدا صرير السفن، وصوت الأمواج.. لم يتجرأ أحد على التسبب بأدنى قدر من الضجيج...
لقد كانت حالة تركيز تام، وترقب.. ظاهرة غريبة جعلت 10 آلاف شخص يلتزمون الصمت بشكل كامل بأن واحد.
لقد كنا داخل أرض العدو بشكل رسمي، لذلك الجميع قد علم..
علم أن هذا الهدوء المزعوم لن يستمر لوقت طويل.
بطء.. شدت قبضة يدي، بينما بدأ ضوء بنفسجي يغلي داخل محاجر أعيني..
لقد شعرت بهم.
وبالمثل، فعل كل واحد من المقاتلين الموجودين على هذه السفينة.
العدو..
مئات.. لا، بل آلاف الهالات التي شعرت بها تدنوا قريباً منا..
لقد كانوا قريبين جداً، لكن ذلك الضباب الكثيف لم يسمح لنا برؤيتهم حتى الآن.
"إنهم أمامنا مباشرة، لكننا عاجزون عن رؤيتهم."
استدار بلودمادير نحونا، مشيراً بذقنه نحو شخص معين.
"فلتفعلها.. سنو ليونهارت، أنر هذا العالم مرة أخرى، و سلط الضوء على أعدائنا الذي يتربصون بنا خلف ستار الضباب."
بإيماءة مثقلة، خطى البطل المتوج إلى الأمام بينما وقفت القديسة يوراشا خلفه.
"سأدعمك."
"شكراً لك."
كان كلاهما مدركين لبعضهما البعض، ما أثبت أنهما قد طورا علاقة وثيقة بالأشهر القليلة التي تدرب بها سنو داخل الكنيسة.
مستعملة قواها المقدسة، صبت يوراشا الأورا الخاصة بها داخل جسد سنو، والذي بدوره استدعى الفيرميثور مرسلاً كل تلك القوى المتفجرة التي دمجت الأورا الخاصة به رفقة قوة القديسة.
متلاعباً بالعناصر التي سخرت من أجله، حرك سنو الضباب الكثيف من حولنا بسهولة تامة، متلاعباً به وكأنه جزء منه..
داخل مساحة تجاوز نصف قطرها الـ 20 كيلومتر.. سنو امتص كل شيء نحوه، بمشهد مذهل جعل الجميع يندهشون من الطريقة التي تلاعب بها ذلك الشاب بالعناصر بمثل هذه الحرية والسهولة.
ثم بمجرد سحبه لكل الضباب، لوح سنو بسيفه، منيراً هذا العالم مرة أخرى تماماً كما طلب بلودمادير.
"السيف الواحد: حكم الشمس."
بحركة من سيفه، أظهر سنو للعالم أجمع لماذا كان هو من اختير ليكون البطل القادم.
فالسماء التي كانت مظلمة قبل لحظات معدودة، قد أضاءت بشكل عجيب، بعدما اجتاحها ضوء سنو..
هذا الأخير جعل النهار يأتي مبكراً، مسلطاً الضوء على ذلك العدو الذي اختبأ منا حتى الآن تحت ستار الضباب.
أسطول الإمبراطورية قد أخذ بعض الوقت ليستوعب ما حدث، فقد كانوا منبهرين من حكم الشمس الخاص بسنو.
لكنهم سرعان ما عادوا لحواسهم، عندما انكشف المشهد أمامهم بوضوح.
"إنهم هنا."
قال بلودمادير، وبنفس الوقت..
بدأ الفراغ نفسه يهتز.. عندما أستلت السيوف، وانفجرت الهالات ودوت الصرخات.
جنود الإمبراطورية بأعين محتقنة بالدماء، جهزوا أنفسهم على الفور من أجل الانقضاض..
وكيف لا يفعلون؟ فبالأفق البعيد، ظهر أخيراً العدو.
لقد كانوا كثيرين..
..
سفن الألتراس سوداء اللون قد كانت متمركزة بالجانب الآخر على بعد عشرات الكيلومترات بعيداً عنا.
بالكاد تمكنا من رؤيتهم بوضوح من بعيد، لكن هذه المسافة قد سمحت لنا جميعاً بإدراك ما كنا على وشك مواجهته.
سفنهم قد كانت بالمئات، ومجموع القوى التي حشدوها لم يكن بالهين مطلقاً، فقد استشعرت هالات بعض الأقوياء منهم هناك..
هالات لأشخاص تعرفت على الكثير منهم.
لقد كانت أعدادهم أكبر منا بكل وضوح.
لكن هذا لم يهم كثيراً، فالأعداد لم تكن يوماً هي المعيار.
"أعطي الأمر يا بلودمادير."
بأعين اشتعلت بضوء بنفسجي، ونية قتل لم أعد أستطيع كبحها بعد الآن.. طلبت من بلودمادير، بل ترجوته.
"أعطي الأمر، ودع حمام الدم يبدأ."
بعدما بلغت ساحة المعركة التي تعطشت لها منذ وقت طويل، وجدت نفسي غير قادر على احتوائها بعد الآن..
تلك الأورا، تلك القوة التي بنيتها طيلة الأشهر الماضية..
أردت أن أعرف، إلى أي مدى يمكنني أن أصل الآن عندما أطلق العنان لكل شيء.
كنت أعلم أنني لا أزال مجرد حشرة مقارنة بأولئك الذين شاهدوا من الأعلى، لكن هذه اللحظة بالذات، هي العتبة الأولى التي قدر لها أن تحدد إلى أي مدى يمكنني الوصول مستقبلاً.
من أجل كسر تلك الأغلال، اضطررت لاكتساب القوة الجبارة.. نوع من القوة لا يدركه الكثير.
الوقت أمامي بدا ضيقاً، والوقت المتاح لي كان ضئيلاً. لذلك لم أستطع ضبط نفسي حتى النهاية.
لكن بلودمادير قد خيب أملي، رافعاً يده أمامي إياباً بينما أشار لنقطة مهمة.
"ليس بعد.. أنظر جيداً إلى عدوك يا فراي ستارلايت."
متبعاً قيادته، فهمت أخيراً ما كان يتحدث عنه.
من الشرق، تمركز أسطول الإمبراطورية، ومن الغرب كان مثيله من الألتراس.
وبالمنطقة المتواجدة بينهما، تم بناء منصة غريبة توسطت ساحة المعركة.
منصة غريبة صنعت بإتقان وسط البحر الشيطاني الشاسع.
الألتراس أرسلوا الإشارة، وخبراء الإمبراطورية فهموها على الفور.
"قبل بداية الحرب، يبدو أنهم يريدون الحديث بدل استلال السيوف.. لهو أمر غير متوقع منهم."
على عكس عادتهم الوحشية، طلب الألتراس عقد لقاء بين الجانبين، رغم أننا لم نعرف الغاية من طلبهم، إلا أن بلودمادير لم يرفض على غير المتوقع.
"هذه المرة الأولى التي يطلبون بها شيئاً كهذا منذ أول حرب معهم قبل 3 قرون."
قال بلودمادير بينما مسد لحيته..
المعركة بيننا كانت حتمية، ولم يكن هنالك كلمات يمكنها أن تحول دون ذلك.
لكن هذا النوع من اللقاءات قبل المعركة، كثيراً ما أستعمل كوسيلة للضغط على العدو وتدمير معنوياته.
حقيقة طلب الألتراس لشيء كهذا تعني أنهم يملكون في جعبتهم شيئاً ما.
بلودمادير قرر أن يذهب بنفسه ويرى ما حضره من أجل الأعداء، مصطحباً معه قوة بسيطة كان الهدف منها زعزعة ثقة العدو.
وبهذه الطريقة، وفي ظرف بضع دقائق، حدث اتفاق غير معلن بين القوات مؤجلاً بداية الحرب لوقت أطول.
من جهة الإمبراطورية.
وقف بلودمادير بالمقدمة بينما اكتساه ضوء ساطع شديد البياض اندفع عالياً بالسماء شاقاً طريقه نحو تلك المنصة.
خلفه، اندفعت رفقة سنو ملاحقين إياه بعدما وقع الاختيار علينا كلينا لحضور هذا الاجتماع المزعوم.
كنت رفقة سنو أبرز مواهب الإمبراطورية حالياً، بقوة تتجاوز أقراننا بكثير..
وهذا ما جعل بلودمادير يختارنا، ليرى العدو المعدن الحقيقي لمحاربي الإمبراطورية.
المسافة التي قدرت بضع عشرات الكيلومترات قد قطعناها بلمح البصر، لنصل إلى المنصة بوقت قياسي.
بمجرد نزولنا فوق تلك الأرض الصلبة بشكل مبهر مستعرضين قوتنا.. وجدناهم هناك بالانتظار..
3 رجال، ضد 3 من مثلهم..
لكن هالات الألتراس قد كانت ساحقة..
"2 في الفئة SS+، وواحد هالته تلمس الفئة SS."
علقت بهدوء بينما مسحت أعدائي..
"حواسك جيدة حقاً.. فراي ستارلايت."
جالساً بالمقدمة.. تواجد لورد الألتراس الأشهر.. عدو واجهته منذ وقت ليس ببعيد مرتدياً تلك الملابس الرسمية مع معطفه الفاخر وسيفه الحبيب..
"غافيد ليندمان."
خلف غافيد، تواجد شاب بنفس عمرنا مخفياً وجهه تحت قناع أسود، لكن أعينه القرمزية البارزة من الفجوات لم تترك سنو ولو للحظة، وبالمثل.. فعل بطل الكنيسة ما جعل نية القتل تتخلل المكان مبكراً..
لقد كان V.
ثم الشخص الثالث، الرجل الذي جعل ابتسامة باردة تتشكل على وجهي دون وعي مني..
بجسد ضخم مقزز، وضمادات سوداء غطته بالكامل.. وقف نصف الشيطان الملعون.. غفارديول وابتسامة ماكرة مرسومة على وجهه..
"حسناً حسناً.. مرحباً بكم بمنزلي المتواضع الذي صنعته من أجلكم، وفد الإمبراطورية."
بشكل غريب، كان غفارديول هو من تقدم آخذاً عاتق الحديث على نفسه بدلاً من غافيد ليندمان.
"إنه فريق مثير للإعجاب حقاً، مدير المعبد السابق بلودمادير، بطل الإمبراطورية سنو ليونهارت، وأنت."
بابتسامة، أولاني غفارديول الاهتمام الأكبر..
"فراي ستارلايت، هم ينادونك بالموت الأسود عندنا، أنت مشهور حقاً هيهيهي."
ضحك غفارديول بخفة، وكان بلودمادير هو من أقدم للوقوف أمامه.
كان كلاهما بنفس الطول ضخام الجثة، لكن غفارديول قد تجاوز قوة بلودمادير بكثير..
ذلك اللعين قد اخترق الفئة SS+.
"أجلتنا لهذا المكان لكي تتغنى بأبطالنا أيها المسخ؟ إذا كان هذا هو المغزى، فأظن أن القبضات ستكون خياراً أنسب من الكلمات."
"رويدك أيها العجوز، ألا تسبق الأحداث، ألا يفترض بجيلك أن يكون أكثر رزانة؟"
ضحك غفارديول واقفاً أمام بلودمادير بالصدر للصدر..
وبدا وكأنهما على وشك القتال بأي لحظة الآن.
"هذا يكفي يا غفارديول، نحن لم نأت إلى هذا المكان لنلعب معهم."
مقاطعاً من الخلف، وقف غافيد ليندمان من مكانه، مختصراً الحديث.
"أبطال الإمبراطورية، جئتكم اليوم رغبة مني بمنحكم الرحمة.. جئت لأمنحكم الخيار."
رافعاً يده بوجه بلودمادير، قال غافيد بجدية.
"استسلموا، ولا تبدأوا حرباً خاسرة ستتسبب بفنائكم، أعدكم إن فعلتم، فسيتم إبقاء أولئك ممن يستحقون العيش منكم على قيد الحياة."
لوهلة.. عم الصمت.
قبل أن يكسره سنو ليونهارت الذي أخذ خطوة للأمام مفجراً هالته التي تميزت بكونها متعددة الألوان نظراً لكل العناصر التي سخرت له.
"أحقاً هذا ما لديك لتقوله؟ لورد الألتراس؟ وأنا من ظن أنك تملك شيئاً مثيراً للاهتمام لتقوله.. لكن كل ما خرج من فمك قبل قليل ليس سوى مجرد تهديد فارغ."
"أنظر إلى المكان الذي تقف به الآن، أنت فوق ساحة المعركة، أحقاً تظن أن من جاء مستعداً للموت كل هذا الطريق سيولي الثرى ويهرب مستسلماً لمجرد سماع بعض الكلمات التافهة منك؟!"
سنو بدا غاضباً حقاً، وهذا ما جعله يفرض هالته.
لكن تلك الهالة قد تم ردعها بمثيلها عندما اشتعل جسد المقنع V بنار سوداء مرعبة جعلت الكفة تتساوى.
"لا تستعجل موتك، سنو ليونهارت، ولا تقاطع السيادة العليا عندما تتكلم، فاللورد غافيد ليندمان لم ينتهي من كلامه بعد."
وبالفعل.. غافيد لم يتم كلامه بعد.
مغمضاً عينيه للحظة، فتحهما لورد الألتراس مرة أخرى مظهراً سواداً غريباً داخلهما.
"أخبرني يا بطل الإمبراطورية، من تظن نفسك على وشك أن تقاتل بهذه الحرب؟ هل هم الألتراس؟"
متابعاً سياق الحديث، كنت قد عرفت بالفعل ما أراد غافيد قوله.
لكنني لم أقرر تركه يفعل، فلم يكن هنالك من معنى لإخفاء الأمر أكثر من ذلك.
"أردت سماع شيء مثير للاهتمام؟ هاك إذاً."
رافعاً إصبعه نحو السماء، أعلن غافيد ليندمان بشكل رسمي للعالم أجمع.
"البوابات التي ختمها بطلكم الأول.. كازيس فاليريون، قد فتحت مرة أخرى، ولم يعد هناك أي شيء يفصل بيننا، وبين هيلموند.. أرض الشياطين."
وها قد قالها حقاً..
بمجرد إعلانه لتلك الحقيقة المظلمة، رأيت تعابير وجوه كل من سنو وبلودمادير تتحول لغير قادرين على استيعاب ما سمعوه.
"حتى لو تمكنتم بطريقة ما من هزيمة الألتراس، ماذا بعد؟ هل تظنون أن تلك ستكون النهاية؟"
ضحك غافيد ليندمان على مدى سذاجتنا..
"لا.. هي لن تكون، فعدوكم النهائي ليس الألتراس، بل هم أولئك من هم بالأعلى.. شياطين المقاعد العليا العشر.. وملك الشياطين بنفسه. كيانات يمكنها محو كيانات ضئيلة مثلنا بنقرة إصبع.. لذلك أخبرني.. ما الذي تبغون تحقيقه بالضبط، عندما تدخلون حرباً خاسرة كهذه؟"
يبدو أن ما قاله غافيد قد ضرب عميقاً، وهذا ما جعل بلودمادير ينفجر بوجهه..
"أنت تكذب!!"
"أكذب؟ ولماذا أفعل؟"
سخر غافيد.
"ما قلته لهي حقائق ستواجهون أهوالها عاجلاً أم آجلاً."
مؤكداً كلامه، أدركت أن غافيد ليندمان نجح بالفعل..
ولو قليلاً.
هو استطاع العبث بمعنويات أعدائه.
لكنه لم يستطع تحطيمها.
"نحن لن نستسلم."
قال سنو بحزم، بغض النظر عن ما سمعه للتو.
"مثلما قاتل أسلافنا حتى لحظاتهم الأخيرة، سنفعلها بدورنا، حتى لو فتح الجحيم نفسه أبوابه أمامنا."
"يالك من ساذج.. يا بطل الإمبراطورية."
تنهد غافيد ليندمان، مدركاً مدى جهل خصومه.
ثم بحركة من سيفه.. تغيرت نيته بشكل كامل.
"بما أنكم تتطلعون للموت لهذه الدرجة، إذاً فلتموتوا هنا والآن!"
تزامناً مع كلماته، اهتزت المنصة بشكل مرعب، وكأن زلزالاً قد ضرب المكان.
لكنه لم يكن زلزالاً، فأمواج البحر من حولنا قد اشتدت لأن شيئاً ما قد حركها من الأسفل..
ليس شيئاً.. بل أشياء..
مخلوقات.. مخلوقات شنيعة انبثقت من الأعماق بشكل سحري جاعلة سنو وبلودمادير يتفاجآن على الفور، فهما لم يشعروا بوجودهم مطلقاً..
..
من العدم.
ظهرت مخلوقات الكابوس البحرية من تحتنا، كان عددهم كبيراً جداً لدرجة أن العديد منهم قد هاجم الأسطول الخاص بالإمبراطورية، ضاربين إياهم بغفلة منهم.
محاطين بتلك المجسات واللوامس، أدركنا أننا خدعنا بالكامل..
"أيها الجبناء!!! ستبقى الكلاب كلاباً في النهاية!"
صرخ بلودمادير بغضب..
لقد أخطأ عندما ظن أن الألتراس سيحترمون العادات السائدة ولن يهاجموا الرسل.
لقد كان ساذجاً.
محاطين بثلاثي الألتراس من الأمام.
ومخلوقات الكابوس من الخلف.. نحن كنا محاصرين تماماً.
كان وضعاً لا نحسد عليه حقاً..