لكن ثانية واحدة كانت هي كل ما إستلزمه الامر ، لكي تسلب تلك البسمة منه رفقة حياته.
الخط الفاصل بين الحياة و الموت قد كان رفيعا.
رفيعا جدا بذلك المكان المشؤوم.
"مالعمل الان ؟" تساءلت سيلين و الصدمة لا تزال بادية على وجهها.
مالذي توجب عليها فعله ، هي التي بالكاد إمتلكت القوة للبقاء واعية و ايقاف نزيفها الحاد.
محاولة معالجة تلك الفوضى التي اجتاحت عقلها ، واصلت الحرب من حولها المضي قدما.
أعنف ، أصعب ، أقوى.
قذائف الالتراس نزلت مثل الامطار.
أمطار من الجحيم.
وحوش الكابوس واصلت الضرب من الاسفل ، مهددة بسحبهم جميعا نحو غياهب الظلمات.
ثم بين هذا و ذاك .. مرت مذنب عجيب بالسماء من فوقها ، مسددا هجمات نارية شديدة القوة لدرجة انها بدت مثل حمم بركانية نزلت من السماء.
تلك النار حرقت مخلوقات الكابوس بشكل لحظي حتى الموت مدمرة اياهم.
المذنب لم يكن سوى رجل واحد ، رجل ظهر بالمكان مدمرا وحوش الكابوس ، ثم غادر بمجرد انهائه لما جاء من اجله.
لكن و على الرغم من ان هجومه استطاع قتلهم ، إلا أن الضرر الذي تسبب به جعل السفينة التي حملت سيلين تحترق أكثر و اكثر.
سيلين سقطت ارضا عندما هددت تلك السفينة من تحت بسحبها معها حتى النهاية.
بمجرد مرور ذلك الهجوم الناري المرعب ، ضربت هذه المرة سلسلة من الصواعق ، رفقة نيران زرقاء مذهلة ، و جليد عجيب جمد كل شيء من حوله.
أحدهم تلاعب بالعناصر و كأنها لا شيء ، مدمرا كل شيء من حوله.
ضرباته تلك كانت هائلة لدرجة انها كثيرا ما لم ترحم الصديق كما لم تفعل ما العدو.
محاولة الصمود .. سيلين شهدت كل ما كان يحدث بعينيها.
كثيرون هم الذين كانوا بمثل حالها.
أشخاص علقوا بين الانقاض.
أشخاص غرقوا داخل المياه ، اشخاص قاتلوا من اجل حياتهم حتى اللحظة الاخيرة.
لكن بعض الهجمات الطائشة من اولئك الجبابرة الذين قادوهم حتى الان قد أودت بحياتهم.
صحيح انها قتلت اعداءهم ايضا ، لكن بأي ثمن ؟
في النهاية .. لم يكن سوى رفاقهم الذين قد إعتمدوا عليهم من اجل حمايتهم.
لقد كانت فوضى كاملة ، و عدد الموتى كان يزيد بكل ثانية بأعدادا فلكية.
من جهة الإمبراطورية ، استطاع افراد الفرقة الخاصة الصمود بقوة ، و قد ابادوا اغلبية مخلوقات الكابوس بمفردهم.
خصوصا تلك المرأة التي قصفت كل شيء من حولها بواسطة شفرات الظل الخاصة بها.
العدو كان قويا.
لكن حلفاءهم قد كانوا اقوياء ايضا.
شاهدة كل ذلك بعينيها ، لم تستطع سيلين سوى ادراك الحقيقة المؤلمة.
حقيقة القانون الذي حكم هذا العالم.
"القوي سينجو دائما ، و الضعيف لن يكون له خيار سوى الموت .. الموت بينما يتم رميه جانبا و كأن حياته لا تعني شيئا " مدركا مدى إنعدام قيمة حياتها ، بدت سيلين تفقد الرغبة بالحياة مرة أخرى.
فعلى ذلك الحال ، حتى لو نجت الان ، فلن ينتظرها شيء سوى الموت لاحقا.
بموقف كهذا هي لم تستطع سوى ان تتساءل ، هل حقا كانت القوة هي المعيار الوحيد السائد بهذا العالم ؟
هل هي القوة وحدها ما حدد قيمة المرأ ؟
محاطة بالدم و النار ، و الجثث و الموت .. بكت سيلين.
"هذا غير عادل " لماذا عليهم ان يموتوا دون أن يتذكرهم احد ، بينما يعيش أولئك الاشخاص ليثني عليهم الجميع لاحقا ؟
لم يكن خيارها أن تقاتل بالحرب ، لقد كانت لا تزال في سن السادسة عشرة ، مجرد طفلة لا تعرف شيئا عن العالم.
لكنها اجبرت على القدوم نظرا لنسبها الضعيف و قلة حيلتها.
عندما رأت سنو ليونهارت يقوم بخطابه سابقا ، هي تحمست كثيرا ظنا منها أنها ستقاتل بشجاعة و ترى موطنها الحبيب يفوز بالحرب.
ارادت أن تكون جزءا من تلك الملحمة.
طموح طفولي ، كوفئ بإدراك متأخر للواقع القاسي.
هي لم تستطع القتال من الأساس ، فمنذ البداية هي سقطت كضحية لاهوال الحرب.
لم تفعل شيئا سوى الجلوس هناك داخل حفرة الموت تلك بينما شهدت بعينيها الحقيقة المظلمة لهذا العالم.
"هذا غير عادل.." لماذا كان يجب ان يتم إحضارهم لمثل ذاك المكان ؟
لكي يتم رمي حياتهم بعيدا ؟
اذا كانت قوة الطليعة بقيادة امثال سنو ليونهارت تملك كل تلك القوة ، لماذا أحضروهم ؟
لماذا لم يتولوا كل شيء بمفردهم فحسب ؟
لماذا ...
"لماذا لعبو بحياتنا بهذه الطريقة ؟" كثيرون هم الجنود الذي ماتوا ليس بسبب بطش الاعداء ، بل بسبب هجمات طائشة لم تفرق بين صديق او عدو.
سواء الالتراس او الفرقة الخاصة بالامبراطورية.
كلاهما لم يكونوا سوى وحوش.
وحوش تناطحت فيما بينها فوق بيت نمل.
هم كانوا أولئك النمل.
الجنود العاديون ، علف المدافع الذي يموت باول اشتباك.
أرواح مسكينة قدر لها الموت بأبشع طريقة ممكنة.
لقد كان الامر مؤلما حقا لها.
كيف تم تسعير قيمة حياتها بتلك الطريقة المهينة ، جاعلين اياها تموت داخل جحيم كذاك دون أن يعلم احد انها كانت موجودة حتى.
ثم عندما ظنت سيلين انها رأت كل اهوال الحرب ، فإذا بالمزيد من ابواق الحرب تعزف بجانب آذانها.
ابواق حرب كانت بمثابة يوم الحساب لها و لكل نفس مسكينة علقت بصراع الجبابرة ذاك.
بعدما تمكنت فرقة البطل سنو ليونهارت من التعامل مع اغلب مخلوقات الكابوس ، هم وجدوا انفسهم محاصرين بقوات الالتراس التي ظهرت من العدم.
على ما يبدو ، الالتراس قد استغلوا هجوم مخلوقات الكابوس و ستار القصف المستمر لكي يجعلوا سفنهم تخترق ناحية جيش الإمبراطورية.
منذ البداية ، كان عدد قوات الالتراس أكثر من الإمبراطورية بثلاثة اضعاف ، و الان بعدما تسببت مخلوقات الكابوس بموت و تدمير العديد من سفنهم .. الوضع اصبح اسوء بكثير لجانب الإمبراطورية.
الالتراس هاجموا ب 15 الف مقاتل من الامام بسفنهم الحربية ، بينما انقسم 20 الف مقاتل المتبقي ليحاصروهم من اليمين و اليسار.
خطة كماشة مثالية ، جعلت الالتراس يحاصرون الإمبراطورية بشكل كامل.
الضغط الذي فرضه عدوهم قد كان هائلا ، و قد هددوا بإبادة سيلين و كل من معها حتى آخر واحد منهم.
منهارة بمكانها .. لم تستطع سيلين سوى الجلوس هناك ، شاهدة على آخر اهوال الحرب ، محاولة أن تكون شهادة على كل شيء.
اعينها الصغيرة و رؤيتها المشوشة لم تسمح لها برؤية الكثير ، لكنها حاولت على الاقل أن توثق اللحظات الاخيرة لكل اولئك الذين عانوا مثلها.
.. على الاقل و لو لوقت قصير ، ارادت تخليد ذكرياتهم.
على الاقل الى أن تفقد هي حياتها بدورها.
"نحن لسنا علف مدافع " بعدما بدأت الجولة الثانية ، بيننا اشداء الإمبراطورية و قوات الالتراس.
بقية سيلين صامدة مكانها بحزم ، مستعملة رياحها لابقاء السفينة التي تواجدت فوق الماء لاطول وقت ممكن.
الصراع قد اصبح اشد من أي وقت مضى الان ، فمن بين قوات الالتراس تواجد بعض الوحوش الذين كانوا اما هولو أو برتبة لورد.
المعارك بينهم و بين نخبة الإمبراطورية قد تسببت بقدر مرعب من الدمار.
و هذا ما جعل الجنود يموتون الواحد تلوا الاخر بمعدل مرعب.
سيلين رأتهم جميعا.
مقاتل مخضرم خسر حياته بعد التعرض لهجوم مباغت.
مبارزة فقدت حياتها بعدما إندفعت للخطوط الامامية بشغف ، لينتهي بها الامر ميتة بعدما علقت بقتال جرى بين اثنين من الوحوش.
جنود مصابون ماتوا بعدما لم يصلهم الضوء المقدس الذي اطلقته القديسة يوراشا و اوريل.
"نحن بشر" بينما واصلت الدموع و الدم بالنزول من عينيها.
سيلين شاهدت حتى النهاية.
"نحن بشر بقدرهم .. بل أكثر منهم" هم لم يدركوا وجودهم حتى ، فبنظرهم هم كانوا تافهين جدا لينتبهوا لهم.
فلو حملت حياتهم و لو قدرا من الأهمية ، لما نسيتهم القديسة و مرشحتها.
الفرق الوحيد بينهم ، لم يكن سوى القوة.
و لا شيء سواها.
"كم مقدار القوة قد يحتاج المرأ ، لكي ينجو بعالم كهذا ؟" هل من اجل النجاة ، هي مضطرة للتحول إلى وحوش مشابهة لهم ؟
سيلين لم ترد ذلك.
"اليوم انا سأموت . بدون ادنى شك .. ذلك كان يومها الاخير.
لكنها على الاقل ، لم ترد ان تصبح مثلهم.
أولئك الوحوش الذين ادعوا انهم هم ابطال الإمبراطورية.
سنو ليونهارت ، فينيكس صنلايت .. رافاييل بلودمادير .. جميعهم.
"لم ينظروا الينا حتى .." عندما كان ابطال الإمبراطورية المزعومون يمرون بجانبهم ، هم لم يكبدوا أنفسهم عناء النظر إليهم ، بل فقط دمروا كل شيء امامهم ، ثم واصلوا المضي قدما بحثا عن العدو التالي.
جميعهم سواءا هم أو الالتراس قد كانوا مجرد وحوش.
"وحوش سيكون العالم اجمل بكثير لو لم يوجدوا من الأساس" بالنهاية .. سيلين اغمضت عينيها.
جانب الإمبراطورية كان على وشك الخسارة ، فالالتراس قد حاصروهم تماما من كل الجهات.
و إبادتهم كانت مسألة وقت فقط.
لم يتبقى الان لهم سوى توجيه الضربة القاضية.
سيلين و على عكس موقفها اليائس منذ وقت ليس بالطويل ، و بعدما شهدت على موت مئات الجنود المشابهين لها.
هي أغمضت أعينها اخيرا راضية بمصيرها.
لقد كانت راضية.
أن تموت محافظة على نفسها.
و على بشريتها.
لقد كانت تلك هي النهاية.
لكن احيانا ، تكون النهاية مجرد نقطة بداية.
بداية لمسار مختلف تماما.
في أشد لحظات الحرب عتمة ، سمع جميع المتواجدين بخليج شيزكلار صوته.
"10 آلاف خطوة من الظل: أسلوب فراي ستاريلايت: "Nameless Judgement" عندما فتحت سيلين اعينها مرة أخرى ، هي لم تفهم ما رأته.
ماذا كان ذلك الشيء بالضبط ؟
القوة الجبارة ؟
قوة تكفي لهز السماء ، و قلب العالم رأسا على عقب.
أمام اعين سيلين السماوية ، شهد العالم تلك الظاهرة التي شقت خليج شيزكلار بأكمله لنصفين.
الضربة التي حملت إسم Nameless Judgement كانت بمثابة عقاب سماوي سلط على كل آثم ، و كل شخص تجرأ على الوقوف بالجانب الاخر لذلك الرجل.
لقد كانت ضربة هائلة ابتلعت كل شيء بطريقها ، و دمرت كل سفن الالتراس التي جاءت من الامام بثواني معدودة.
15 الف رجل.
كان ذلك هو عدد الأشخاص الذين قتلهم فراي ستاريلايت بضربته تلك.
لكن ال Nameless Judgement قد كان هائلا لدرجة انه واصل المضي قدما بعدما ابتلع اسطول الالتراس بالكامل ، مهددا بتدمير قوات الإمبراطورية هي الأخرى.
سيلين ، أمام تلك القوة الجبارة لم تستطع سوى التحديق بها برهبة بينما انتظرت بصبر أن ينهي ذلك العقاب السماوي حياتها.
و قد إبتلعتها تلك النيران البنفسجية بالفعل.
هي و كل مقاتلي الإمبراطورية ، جميعهم حتى آخر نفس منهم.
لكن و بشكل سحري ، و رغم انهم علقوا داخل المدى التدميري لتلك القوة التي اطاحت ب غافيد ليندمان ، غفارديول ، و 15 الف رجل من الالتراس .. إلا أن تلك النيران البنفسجية لم تفعل شيئا لجانب الإمبراطورية.
لم تمسهم بأذى ، و لم تسبب لهم أي ألم.
بل كانت باردة ، و لطيفة بشكل عجيب جعل سيلين في حيرة من امرها و هي جالسة مكانها تنتظر موتها بصبر.
ثم أمامها مباشرة.
ظهر الرجل الذي تسبب بتلك الكارثة.
الرجل الذي شق مساحة بحجم دولة لنصفين.
لقد سمعه بوضوح عندما صاح باسمه عندما اطلق هجومه.
ذاك هو فراي ستاريلايت ، الرجل الاكثر رعبا بساحة المعركة.
لكن فراي ستاريلايت لم يخفها مطلقا.
أعينه أشعت بضوء بنفسجي ، لم تعرف سيلين مالذي رآه فراي بالضبط ، لكنها تعلم شيئا واحدا فقط.
هو كان ينظر إليها الان.
لم يتجاهل وجودها.
بل نظر اليها بشكل مباشر.
قوته المميتة التي انهت حياة الالاف بلحظات.
قد بدت مريحة و لطيفة.
ذلك الشاب إمتلك من القوة ما لم يملكه أي من تلك الوحوش التي تجاهلت وجودهم حتى الان.
لكن على الرغم من ذلك ، هو لم يفعل.
فراي مر بهدوء بجانب سيلين ، واضعا يده فوقها مربتا على رأسها بلطف.
من لمسته تلك ، شعرت سيلين بالاورا الخاصة بها تعود لافضل حالاتها بينما بدأت اصابتها تتعالج تلقائيا بشكل سحري.
في تلك اللحظة.
سيلين ادركت.
هو لم يكن ينظر اليها فحسب ، بل كل جندي من جنود الإمبراطورية.
بعدما درب حواسه لحد الكمال ، اصبح فراي حساسا لكل ما جرى من حوله.
سيتمكن دوما من رصد كل كبيرة و صغيرة ، و هذا ما جعله يدرك موقفهم بشكل كامل منذ البداية.
لذلك هو تحمل كل تلك الاصابات التي لحقت به بالماضي عن عمد ، لانه كان يحاول الوصول للطريقة المثالية التي تسمح له بإنقاذ عدد اكبر ممكن.
اكبر عدد من الجنود الذي ناضلوا من اجل النجاة.
لقد إحترق حيا من اجلهم.
تحمل الجروح و الاصابات من اجلهم.
نزف من اجلهم.
و رآهم.
إعترف بوجودهم ، و أعطى لحياتهم قيمة.
"لقد رآهم "
مدركة لكل ذلك ، إمتلأت اعين سيلين بالدموع بينما إحمر وجهها و هي تحدق بتلك اليد التي ربتت على راسها.
ذلك الرجل الذي لم يبدو اكبر بكثير منها قد بدى بعيدا جدا عنها ، لذلك حاولت مد يدها له و منعه من الذهاب.
هي ارادت الوصول اليه ، الرجل الذي تحمل عبئ الحرب لوحده.
البطل الحقيقي لامبراطورية البشر.
إذا كان هو.
سيلين شعرت أنها ستستطيع المواصلة مرة أخرى.
لكنه إبتعد عنها كثيرا ما لم يسمح لاقدامه المصابة ببلوغه.
لكن و في اللحظة الاخيرة .. و من المكان الذي لمست فيه يد فراي رأس سيلين .. ضربت شرارة بنفسجية غريبة جسد سيلين جاعلة اياها تجفل مكانها.
في تلك اللحظة.
هي رأت مشهدا غريبا.
بمكان ابتلعته النيران و الدمار.
رأت رجلا غريبا يضع قناعا اسود.
يقف هناك بعدما تسبب بموت الملايين.
لقد كان فراي.
بجانبه ، وقف العديد من الأشخاص الذين إتبعوه.
أشخاص غريبون كان لكل منهم ما يميزه.
لكن من بينهم ، كان هناك فتاة بشعر ازرق سماوي ، و وجه لطيف تقف بالقرب من الرجل المقنع.
بدت ناضجة ، أكبر قوة.
بدت مختلفة.
لا شك أن تلك الفتاة لم تكن احدا سوى سيلين نفسها.
في مستقبل غريب موحش جدا مات فيه الكثيرون ، لكن في نفس الوقت .. لطيف جدا لدرجة أنه ادخل لقلب سيلين السرور.