"منظور فراي ستارلايت "

بينما قرأت كلمات النظام اللعين المرة تلو الأخرى، وجدت ضحكة جافة تهرب من حلقي دون وعي مني..

"هذا النظام اللعين..!"

استنتاجي كان صحيحاً...

نوعاً ما، لقد بدأت أفهم سبب قدوم تلك الشياطين الملعونة.

"اللعبة الحقيقية قد بدأت."

نحن البشر، والألتراس لسنا سوى قطع تتحرك فوق لوح شطرنج ضخم.

وهناك لاعبون يحركون القطع من الخلف، الآن.. بدأ أولئك اللاعبون ينظمون للرقعة بأنفسهم.

"اصطدهم، أو سيصطادونك"

السبب الذي جعلهما يأتيان الآن، وعلى الأرجح هو أمر مباشر من ويسكر..

"هم هنا للإطاحة بالأسماك الكبيرة.. بمعنى آخر، الجانب الذي يقف خلف البشر بالرقعة."

لربما سيستهدفون المهندس، أو أولئك البشر الغامضون الذين رافقوه.

بمعنى آخر، بينما سنخوض نحن الحرب ضد الألتراس،

هناك حرب أخرى ستندلع بمكان آخر تماماً.

حرب ستحدث بالظلال، بين كيانات تملك من القوة ما يكفي لهز السماوات، وهد الجبال.

مدركاً لهذه الحقيقة المرعبة، وجدت جزءاً مني يقلق حول المستقبل الذي انتظرنا، وجزءاً آخر غاص بعيداً بكلمات النظام الأخيرة..

إذا ما استطعت إنهاء المهمة.. سيكشف لي عن نفسه، وحقيقته.

ثم هناك ظلال ويسكر.

عددهم 4، لكن الظل الرابع مجهول لحد الآن..

ستفتتح مرحلة جديدة من تأقلم الظلال مع كل ظل أقتله.. أسهلهم هي بياتريس، وأصعبهم هو زيبار.. أو الظل الرابع الذي بقي مجهولاً.

أياً كان الرابع، هذا لا يغير حقيقة أن هذه هي أصعب مهمة أتلقاها حتى الآن، هي لم تعطيني أي مهلة، لكن من الطريقة التي تحركت بها الأمور، فيمكن القول أنني أملك حتى نهاية الحرب لإنهائها..

يريدون مني بلوغ مستوى العشر الأعلى بوقت ضيق كهذا..

بينما شددت قبضتي إلى أن كاد أصابعي تحفر عميقاً داخل راحة يدي.. وجدت نفسي أعود لغوست.

"لقد بدأ العد التنازلي يا غوست، هذه المرة نحن قد نموت جميعاً حقاً."

ضحكت بخفة، بينما توهجت أعيني بضوء بنفسجي شديد السطوع.

"لكن حتى لو حدث ذلك، تأكد من أنني سأقتل أكبر عدد ممكن من أبناء العاهرة."

المهام التي أصدرها النظام الآن لم تغير شيئاً، فالهدف لا يزال نفسه منذ البداية.

ما زلت بحاجة للقوة.. للكثير منها.

وإلى القوة سأسعى، القوة الجبارة التي تستطيع قلب الموازين.

بينما جددت تصميمي، سرت رفقة غوست نحو مخيمات الإمبراطورية.

"غوست، بالوقت الحالي فالتبقى أمر ظهور شياطين الرتب الأعلى سراً ولا تبلغ عنه."

قلت بجدية ما جعل غوست يتساءل ما إذا كانت هذه هي الخطوة الصحيحة.

"إبقاء معلومة كهذه بالظلام قد يجلب كارثة فوق رؤوسنا لاحقاً."

"لا فائدة من إبلاغ قادة الإمبراطورية عن شيء كهذا، لأنه سيتسبب بانهيار كامل لمعنويات الجنود، ولربما سيستسلم الكثيرون على الفور رغبة بالحفاظ على حياتهم."

كنت بحاجة لجنود الإمبراطورية أن يقاتلوا لوقت أطول، لن أسمح لهم بالخضوع بهذه السهولة.

غوست أومأ لي بالإيجاب.

"أتفهم منطقك، ولأكون صريحاً لم أنوي الإبلاغ عن الأمر لعامة الشعب، بل فقط قلة بالقيادة.. لكن إذا إبقاء الأمور بيننا هو ما تريده يا فراي، فاليكن."

"شكراً"

شكرت صديقي المغتال، قبل أن ألقي بنظرة خاطفة نحو الظلال من خلفي.

"أنت أيضاً، سانسا"

بمجرد سماع اسمها، تفاجأ غوست من الظهور المفاجئ لحليفتنا الشيطانية من الظلال، هو لم يشعر بوجودها مطلقاً.

سانسا لم تبدو بمزاج جيد.

"فراي.. أتمنى ألا تقول شيئاً جنونياً مثل أنك ستتولى الأمر بمفردك."

هي قالت بعبوس.

"لقد شعرت بحضورهما باللحظة التي وطأت أقدامهما الأرض، وبالمثل هم أدركوا وجودي.. هما مختلفان عن بياتريس، مختلفان عن أي عدو واجهناه حتى الآن.. فراي.. إذا قاتلت أياً منهما الآن.. ستموت."

لقد علمت سانسا بالفعل، بمقدار قوة أعدائنا الجدد، وهذا ما جعلها تأتي إلي على الفور بمجرد عودتنا من صدامنا معهم.

أفترض أنني أقلقتها عندما اختفيت بشكل مفاجئ سابقاً عندما إندفعت لإنقاذ غوست.

سانسا كثيراً ما كانت تفهم نواياي بشكل مسبق، لأنها قضت وقتاً طويلاً، تراقبني من الظلال، لطالما كانت قريبة جداً حتى قبل أن ألاحظها..

وهذا ما جعلها تدرك بالفعل أنني كنت أنوي قتالهم..

هي مدت يدها لي بدون وعي، وأنا لم يكن لي سوى الإمساك بيدها.

"لا داعي للقلق، أنا لا أنوي قتالهم لوحدي، فهذه ليست حربي لوحدي لكي أخوضها.. سنفعلها معاً."

مطمئناً إياها، وغوست الواقف بجانبها..

عاد ثلاثتنا معاً نحو المعسكر، نحن لقينا ممسكين بأيادي بعضنا البعض طوال الوقت، بعدما لم يرد أي منا أن يفلت الآخر.

مستشعراً تلك اللمسة الدافئة منها، ومشاعرها الحقيقية تجاهي.. وجدت نفسي أشعر ببعض الذنب..

آسف.. سانسا، لكنني كذبت.

بوجه أظلمت تعابيره، تطلعت للأمام، بينما بدأت تروس عقلي تنسج المسار أمامي بالفعل.

كل ما يهم بهذا العالم هو القوة، والقوة الجبارة ولا شيء سواها.

الشيء الوحيد الذي لن يخذلني، الشيء الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه.

هو نفسي، وقوتي الخاصة ولا شيء سواها.

لقد كنت مستعداً للمضي قدماً بالفعل..

إلى أن أقتل كل أعدائي.

...

...

مرت الأيام الواحدة تلو الأخرى منذ عودة فراي رفقة غوست، بعدما أدرك كلاهما لوجود خصوم أشد بأساً من أي وقت مضى بالانتظار.

معسكر الإمبراطورية بقواته المتبقية التي بلغت الـ 2000 قد تكتل حول نفسه، بينما عززوا دفاعهم على ضفاف البحر الشيطاني.

طيلة الأيام القليلة الماضية، السحرة عملوا ليلاً نهاراً محاولين إنهاء تشكيل النقل الآني الهائل..

التشكيل الذي سيكون هو بوابة وصول القوات الحقيقية للإمبراطورية...

يمكن القول أن قوات الطليعة قد كانت معرضة للهجوم

بأي لحظة الآن، في حال ما تمكن الألتراس بطريقة ما من اختراقهم وتدمير التشكيل فذلك سيتسبب بضياع جهود أولئك السحرة الذين سيضطرون للبدأ من جديد في حال حدوث ذلك.

من أجل تفادي مستهلك كهذا، كان أقوياء فرقة الطليعة يتناوبون على حراسة المعسكر طوال اليوم، لـ 24 ساعة كاملة.

فراي ستارلايت بشكل خاص كان يمضي اليوم بأكمله يجلس بمقدمة المعسكر فوق تل عالٍ نسبياً، يحدق بالآفاق.

مطلقاً مجاله الكامل، لم يكن هنالك من فرصة لكي يهرب العدو منه.

يمكن القول أن جزءاً كبيراً من السبب الذي جعل قوات الإمبراطورية تحصل على بعض الثقة حالياً، هو وجوده بالجوار..

أياً كان ما سيظهر، سينسفه فراي من الوجود على الفور.

هذا ما يتداوله جنود الإمبراطورية بالوقت الحالي، بينما واصلت مكانة اللورد ستارلايت بالارتفاع داخل قلوبهم كل يوم.

فهو الذي أعاد عصر المعجزات مجنباً إياهم قدراً لا يعد ولا يحصى من الكوارث.

غوست أوميرا من جهة أخرى كان قد أبلغ عن حقيقة استعمال الألتراس لمخلوقات الكابوس، والجيوش الهائلة التي شهدها بنفسه، وهذا ما أعطى الإمبراطورية أفضلية حقيقية.

ما اكتشفه قد تم نقله على الفور للقيادة العليا، وقد بدأوا بالفعل يحضرون للخطة المضادة بالفعل.

بينما اقترب السحرة من إنهاء العمل على بوابة النقل الآني، كانت قوات الإمبراطورية تترقب ظهور الألتراس وبداية الجولة الثانية بشكل رسمي.

متكتلين خلف فراي ستارلايت وفرقة الطليعة، الكثير من الجنود كانوا مستعدين لوضع حياتهم على الخط واتباع اللورد ستارلايت مرة أخرى، كما فعلوا بالمعركة الأخيرة.

كثير منهم أراد دخول تلك الحالة مرة أخرى، عندما لم يفكروا بأي شيء سوى قتل العدو الماثل أمامهم، بينما دفعتهم قوة خفية للمضي قدماً.

كانت تلك هي المرة الأولى التي شعروا فيها ببعض الأهمية منذ بداية حياتهم..

أنهم حققوا شيئاً ما.. شيء يفخرون به طيلة حياتهم، شيء يترك بصمتهم بسجلات التاريخ.

جميعهم أرادوا القتال مرة أخرى، مهما مرت الساعات والأيام.. العدو الذي انتظروه بشدة لم يظهر مطلقاً، لدرجة أن بوابة النقل الآني قد أصبحت جاهزة بالفعل دون إدراكهم..

"يبدو أن خصمنا هذه المرة لن يكون غافيد ليندمان، بل الشيطانة بياتريس."

متراجعاً عن الطليعة، عاد فراي إلى المعسكر بعد قوله لتلك الكلمات التي حملت الكثير من المعاني.

على عكس غافيد ليندمان القائد العسكري من الصفوف الأمامية، بياتريس الشيطانة كانت تميل أكثر للتلاعب بخصومها.

عدم ظهور أي قوات للأعداء، وتركها إياهم يستدعون حلفاءهم قد كانت على الأرجح فكرتها الخاصة، فغافيد ليندمان لم يكن ليسمح لشيء كهذا بالحدوث مطلقاً.

لم يسع جانب الإمبراطورية فعل شيء سوى التفكير بأي نوع من الألاعيب قد حضرتها الساحرة الأبدية هذه المرة.

...

...

بينما تحركت عقارب الساعة إلى الأمام ببطء، لكن بسلاسة..

كانت القوات تعبر من التشكيل السحري العظيم الذي أنشأه السحرة بعد أيام بلياليها من التحضير المستمر.

رغم أن التشكيل تميز بحجمه الضخم ما سمح بالدخول بنفس الوقت، إلا أن عبور قوات الإمبراطورية الكاملة قد أخذ وقتاً طويلاً جداً.

في النهاية، وبعدما حصل جانب الإمبراطورية على نظرة عامة للمدى الكامل لقوات العدو، بما في ذلك مخلوقات الكابوس ومقاتلي الدم الأعلى.

الإمبراطورية أرسلت 70 ألف مقاتل، جيش هائل ضم معظم نخبة الإمبراطورية وأعظم مقاتليها.

زعماء العوائل، زعماء النقابات، أبرز المقاتلين قد كانوا حاضرين.

جيش بذلك الحجم سرعان ما بدأ يملأ الضفة الشرقية للقارة، بينما اهتزت الأرض من تحت أقدامهم.

الوحيدون الذي بقوا بالخلف، كانوا 30 ألف رجل تركهم إيغون بالخلف عن عمد لأنهم كانوا الحد الأدنى للعدد الذي احتاج إليه خطته الخاصة لاحقاً..

من جهة أخرى، لم يتحرك أي مقاتل من الفئة SS+ حتى الآن من عيار السير آلون ومايكار فاليريون، بل بقوا بالخلف بانتظار اللحظة التي يكشف فيها العدو عن قوته الكاملة.

في اللحظة التي ينضمون فيها إلى الحرب، سيعني ذلك أن المعركة الأخيرة قد بدأت بالفعل.

من أجل عبور أولئك الـ 70 ألف مقاتل بالكامل، الأمر

أخذ 3 أيام كاملة بلياليها.

مخيم الطليعة الذي لم يضم سوى 2000 جندي بالكاد سابقاً، قد تحول بطريقة ما ليغطي مساحة شاسعة من منطقة شيزكلار.

الإمبراطورية قد حصلت أخيراً على موطئ قدم بقارة الأعداء لأول مرة منذ وقت طويل، وقد كانت مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ المسيرة التي ستشهد الصدام الثاني بين الجانبين عاجلاً أم آجلاً.

...

...

لطالما كانت أجواء الحرب فريدة من نوعها، خصوصاً الليالي التي تسبق بداية المعركة.

بهكذا ليالي، سيحاول البشر دوماً جعل أنفسهم يتناسون ولو قليلاً ذلك الضغط والتوتر اللذان هددا بسحق أكتافهم.

فكثيراً ما ستجدهم يشغلون أنفسهم إما بإقامة بعض المبارزات الودية التي جرت بأماكن مختلفة من المعسكر، أو قضاء وقتهم ببساطة مع المقربين منهم، فلعل تلك تكون لحظاتهم الأخيرة.

من جهة أخرى، هناك من لن يستطيع إخراج صدى الحرب من ذهنه مطلقاً، خصوصاً عندما يخوض غمارها مرة بالفعل..

البعض سينعزلون بشكل كامل عن غيرهم، محاولين إبقاء أنفسهم بحالة مثالية تسمح لهم ببدأ المعركة بأفضل حال.

والبعض الآخر، سيحمل طموحات مختلفة تماماً..

لعل تلك المجموعة التي شقت الرحال بحثاً عن رجل واحد هي خير مثال..

من بين أحد الخيم التي تواجدت بشكل منعزل عن البقية..

قضى الرجل الذي كان حديث الساعة.. فراي ستارلايت أيامه الأخيرة منعزلاً عن الناس من حوله.

ليس إرادة منه، بل لأن الكثيرين لم يتجرأوا على الاقتراب.

ستراه يخرج أحياناً ليلتقي بكبار الشخصيات وقادة الجيش من وقت لآخر، يناقش معهم الأوضاع، تمهيداً للغارة القادمة التي ستشنها الإمبراطورية.

يقال أن فراي ستارلايت قد قرر من تلقاء نفسه حمل عبء الحرب بأكمله، عازماً على مواجهة العدو وتحمل عبء الحرب بأكمله.

بواقع، معظم قوات الإمبراطورية بالإضافة لسكانها قد كانوا على دراية إلى حد ما بما حققه فراي بالمعركة الأخيرة.

رغم أن الكثير مال لتكذيب ما سمعه، أو القول بأن هنالك مبالغة من نوع ما بالأمر، إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة أن فراي أصبح وجوداً لا يمكن تجاهله بعد الآن.

لكن الاقتراب منه قد كان مهمة صعبة، فالجنود لو حقاً بتلك العظمة التي تحدثت عنها الشائعات، لم يعلموا كيف يتعاملون مع معجزة من عياره.

أما إذا كانت تلك الإشاعات مجرد هراء وكذب، فهذا يعني أنه لا يزال فراي الذي كرهه الكثير منهم.. المجرم الذي من المفترض أن يموت.

بين هذا وذاك، فضل الكثيرون البقاء بعيداً عنه بكلتا الحالتين.

لكن الوضع قد اختلف بشكل كبير.. لمجموعة معينة.

مجموعة فضلت البقاء بالقرب منه أكثر من أي شيء آخر.

فراي شعر بوجودهم، لذلك هو خرج من خيمته بسلاسة.. كما لو أنه توقع قدومه.

خارج بابه، هو وجد عشرات.. لا بل مئات الجنود يصطفون حول خيمته، وأعينهم مركزة عليه.

معظمهم لم يكن بحالة جيدة، لدرجة أن إصابات البعض منهم كانت لا تزال تقطر دماً من تحت الضمادات التي لفت بعناية من حولهم.

فراي تعرف عليهم بالفعل.

"ألا تزالون هنا يا رفاق؟"

شاقاً طريقه نحوهم، وقف فراي أمامهم، تحديداً أمام الفتاة سيلين التي تمركزت بمقدمة الجنود..

لقد كانوا هم أنفسهم من قاتلوا بجانبه سابقاً، قوات الطليعة التي نجت بفضله."

"نتقدم بخالص اعتذاراتنا على إزعاج راحتك، لورد ستارلايت"

انحنت سيلين بعمق معتذرة، بينما حذا الجنود الآخرون حذوها..

لكن فراي قد جعلهم يقفون مرة أخرى جميعاً بتيار خفي من الأورا التي أجبرتهم على الانتصاب...

"لا داعي للاعتذار، فأنا يسرني دوماً رؤية وجوه من عهدت بظهري لهم ذات مرة، بصراحة لقد ظننت أنكم قد غادرتم بالفعل."

قال فراي بابتسامة، بينما خفت وجوه الجنود، ما جعل سيلين تأخذ الخطوة الأولى موجهة طلبها..

"المعذرة.. لورد ستارلايت! لكن.. هلا تسمح لنا بالانضمام لك مرة أخرى.. لا بل كل معاركك القادمة!!"

تلعثمت الفتاة بثوانٍ الأخيرة، ما جعل طلبها يبدو أخرقاً لتقدمها على تحمل مسؤولية توجيه الطلب من الأساس..

لكن الجنود سرعان ما دعموها على الفور، مبدين رغباتهم الدفينة..

"دعنا نقاتل بجانبك مرة أخرى! لورد ستارلايت!"

"نريد البقاء معك! لورد ستارلايت!"

كثيراً ما كرروا تلك الكلمات على مسامع فراي..

هذا الأخير قد أظلمت تعابير وجهه، قبل أن يطلق ضغطاً مرعباً من الأورا..

ضغطاً أخرسهم أجمعين، بينما دب الرعب على وجوههم..

ببرود، تحدث اللورد ستارلايت مخضعاً إياهم.

"هل تدركون أصلاً.. ما أنتم على وشك ارتكابه الآن؟ جنود الإمبراطورية."

بينما سار نحوهم بخطى ثابتة، فراي حدق بوجوههم الواحد تلو الآخر.

"أخبرتكم من قبل، رغم أنني لا أعرف أسماءكم، إلا أنني كنت شاهداً على نضالكم، كفاحكم، لقد تم إعطاؤكم مهمة واحدة، وقد أنجزتموها على أكمل وجه."

مهمة فرقة الطليعة كانت هي الأصعب، وقد مات الكثير منهم، أما الباقون فتكريماً لإنجازهم، هم حصلوا على حق التراجع من الخطوط الأمامية، وهي فرصة نادرة بالحروب.

فرصة اغتنمها الكثيرون، لكن بالمقابل.. رفضها العديد بغباء، وأولئك الأغبياء كانوا يقفون أمام فراي حالياً.

"هل أعمتكم الثقة بأنفسكم، فقط لأنكم انتصرتم مرة؟"

"هل نجاتكم من الموت، وهربكم من برائته أعمى بصيرتكم؟"

"هل تظنون أنفسكم مميزين.. فقط لأنكم نجوم بينما مات غيركم؟ أتحسبون أن هذا سيكون الحال بكل مرة؟"

مواصلاً الضغط عليهم.. أعلن فراي.

"هل أخافتكم هالتي؟ هل ترعبكم قوتي؟ دعوني أخبركم أن ساحة المعركة تعج بأمثالي، بل لربما سنصطدم بمن هم أقوى مني حتى.."

"لقد اتخذت قراري منذ زمن طويل، لكي أخوض هذه الحرب بأكملها، لكي أقتل وأمزق أكبر عدد ممكن من أعدائنا، ولتحقيق ذلك أنا على أتم الاستعداد لوضع حياتي على المحك، فاستفعلون؟"

"هل ستتبعوني للموت، فقط لأنني أخبرتكم أن هذا ما عليكم فعله؟ هل سترمون بحياتكم فقط لإرضاء ذلك

الشعور المؤقت بالرضا؟ هذه هي الحرب! استيقظوا! وهنا لن تجدوا شيئاً.. سوى الموت بالانتظار!"

صحيح! فراي مرة أخيرة، بينما أطلق نية قتله دون قيود نحو الجنود الماثلين أمامه.

وما هي إلا ثوانٍ معدودة ليفر معظمهم هاربين..

الواحد تلو الآخر.. غادر أولئك الرجال الذين تعاهدوا بالقتال بجانبه حتى الموت.

تحطمت إرادتهم المزيفة، وأحلامهم الواهية أمام ضغط الواقع المر الذي سلطه فراي.

نية قتل هذا الأخير كانت شديدة و لزجة لدرجة مرعبة، نية قتل اكتسبها بعد قتله لعدد مرعب من البشر والوحوش على حد سواء..

بأقل من دقيقة.. غادر المئات..

فراي شاهد ظهورهم جميعاً وهم يولون الثرى.. لكنه

لم يستطع تجاهل أولئك الذين بقوا واقفين مكانهم..

شامخين رغم الضغط المشؤوم الذي سلطه عليهم.

لقد كانوا 8 أشخاص فقط.

5 رجال، و 3 نساء.

ثلاثة منهم بدأوا أصغر سناً..

اثنان بمثل عمره..

اثنان آخران بمنتصف العمر..

وامرأة عجوز بدت في الستينات..

كانت تشكيلة غريبة حقاً.

من بينهم، تبولت إحداهن على نفسها من شدة الخوف.. لكن ذلك لم يغير حقيقة أنها بقيت مكانها..

لقد كانت سيلين..

برجل مرتجفة، مخبئة أعينها تحت شعرها الأزرق السماوي الجميل..

هي أجبرت نفسها على البقاء، ما جعل فراي يبتسم مبعداً هالته.

"لقد عنيت كل كلمة قلتها سابقاً، لكنني أعترف بإرادة من بقي حتى الآن، القتال إلى جانبي يعني أن تعيش باقي أيامك بينما لا يحول بينك وبين الموت سوى حاجز رقيق حد الشعرة.. أنتم اليوم أثبتم أنكم قادرون على الوقوف بوجه الموت بنفسه لو تطلب الأمر."

محدقاً بهم مرة أخيرة..

اختتم فراي حديثه قائلاً.

"واثق أن جميعكم تمتلكون أسبابكم الخاصة لاتباعي، أياً كانت تلك الأسباب.. أنتم جميعاً قد حصلتم على احترامي."

..

معطياً إياهم ظهره، غادر فراي بهدوء.

..

"سنتحرك غداً، فال تكونوا جاهزين بحلول ذلك الوقت."

..

بمجرد إعلانه ذلك..

صرخ الثمانية بصوت واحد دون وعي منهم.

"أجل سيدي!"

في تلك اللحظة، فراي اكتسب أول أعضاء فرقته الخاصة.. الفرقة التي ستتبعه لوقت طويل، فرقة لم تعش سوى من أجله، ومن أجل تحقيق أهدافه.

الأهداف التي سطرها منذ زمن بعيد.

...

أجواء الحرب فريدة من نوعها حقا.

هي أشبه بمحنة لا تمر بها سوى مجموعة مختارة من البشر كل مرة.

بعض الاشخاص تعساء الحظ قد يخوضون غمارها لأكثر من مرة، و البعض إمتلك من الحظ ما يكفيه لينجو منها بكل مرة.

حرب الظلمات لا تزال ببدايتها، و لم يدرك الكثيرون حجم الظلال التي ستلقيها تلك الحرب الهوجاء.

على الاقل.. ليس بعد.

من جانب الإمبراطورية.

...

...

وصلت القوات الرئيسية بالكامل، واضعة قدمها فوق أرض العدو.. قارة الالتراس.

جيش قوامه 70 الف محارب، جيش ضم خيرة المحاربين و أشدهم بأسا.

جيش كهذا قد غطى مساحة شاسعة، و أجواءه قد كانت مشتعلة حقا.. لاشخاص تشوقوا لجلب المجد لارضهم.

..

كثير منهم لم يكونوا سوى هوات سذج عديمي الخبرة، أغرتهم أحلامهم وطموحاتهم ليحسبوا الحرب مكانا هينا لأمثالهم.

و ماهي الا مسألة وقت ليصطدموا بالحقيقة المرة عاجلا أم آجلا.

من بين مخيمات الإمبراطورية، جالسا فوق جذع شجرة بينما إشتعلت نار هادئة أمامه، كثيرا ما لمح فراي تلك العينات.

..

الأشخاص لربما سيموتون دون أن يعلم أحد عن وجودهم حتى.

..

لكنه لم يهتم كثيرا للأمر، فقليلة هي تلك الارواح التي اراد نجاتها.

..

هذه كانت أحد اللحظات القليلة التي يقضيها فراي منفردا منذ عودته للمعسكر.

..

بشكل عام هو يمضي وقته رفقة الرتب العليا يناقش وضعه بالحرب، خصوصا و أنه شغر المقدمة.

كثيرا ما سترى غوست و سنو أو حتى فينيكس يتواجدون بقربه، ثم عندما يعود لخيمته التي كانت بمثابة مقره، هو يمضي وقته مع سانسا التي لا تخرج الا نادرا نظرا لهيأتها الشيطانية.

كل هذه العوامل جعلت وحدته الحالية شيئا نادرا و محببا له.

فلطالما عاش فراي ايامه لوحده، معتمدا على نفسه، غارقا بوحدته.

بأجواء كهذه، هو دوما ما يغوص بعيدا بافكاره، مراجعا نفسه مرارا وتكرارا محاولا الوصول للنسخة المثالية من نفسه.

بينما جلس وحيدا أمام نار المخيم البسيطة تلك، بدا اللورد ستارلايت مثل محارب مخضرم ضل طريقه بالحرب والمعارك.

..

لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فكثيرة هي الانظار التي كانت موجهة نحوه، لكن قلائل من تجرأوا على القيام بالخطوة الأولى نحوه.

لكن هذا لم ينطبق على تلك السيدة العجوز، التي جاءته من الخلف بخطوات خفيفة سريعة لا تكاد تكون مسموعة.

لكن فراي انتبه لها بطبيعة الحال، فلم يكن هنالك من طريقة لكي تهرب من حواسه.

أعتذر على ازعاجك بعزلتك، لورد ستارلايت .. أخبرني، هل تمانع إنضمام هذه السيدة العجوز؟"

محدقا بها، و مستمعا لطلبها، فراي تعرف عليها بطبيعة الحال.

كانت سيدة عجوز بدت في السبعينات من عمرها، التجاعيد قد نالت منها حقا، تميزت بشعرها الاشقر البلاتيني الذي ربطته على شكل ذيل حصان، و ملابسها العسكرية الفريدة من نوعها.

فراي حزر أن رداءها العسكري الأسود يعود لزمن قديم جدا، ما يدل أنها كانت بساحة المعركة منذ وقت طويل.

لعل الندبة الفضيعة التي شقت الجانب الايمن من وجهها هي خير برهان.

بابتسامة لطيفة، فراي أفسح المجال لها لكي تجلس بينما قال :

"للأسف، لا أستطيع إجبار نفسي على رفضك."

بسماع كلماته، ضحكت السيدة العجوز بينما جلست بجانبه.

هل لربما تخجل نظرا للفارق السني بيننا ؟ يالك من شاب مؤدب، لورد ستارلايت.

"فراي يكفي" قال فراي مقاطعا، بينما أومأت السيدة العجوز.

ناديني باسمي انت الآخر، إنه زينيث.

أومأ فراي موافقا، السيدة الماثلة امامه هي أحد الثمانية الذين بقوا معه حتى النهاية، أحد القلائل الذين اختاروا مواجهة الموت معه.

"إذا يا زينيث أخبريني، ما السبب الذي جعلك تنضمين لي بعزلتي هذه ؟"

سأل فراي، مستغلا الفرصة لمحاولة التعرف على زينيث، هو قرر بالفعل مسبقا أن يتعمق بأولئك الثمانية الذين قرروا اتباعه، لكي يفهم القطع الموجودة بين يديه بشكل افضل.

قدومها إليه بمفردها الان قد وفرا عليه العناء.

السيدة العجوز زينيث جلست مكانها تتأمل النار للحظة قبل أن تسحب سجارا فاخرا من داخل ردائها العسكري.

لأصدقك القول، لقد جئت لمعرفة أي نوع من الناس تكون.

بسماع رد زينيث، توسعت ابتسامة فراي قليلا فقد حزر ردها بالفعل.

"أفترض أن لديك بعض الافكار تملؤ رأسك بالفعل."

زينيث لم تنكر.

بالطبع، فأنت فريد من نوعك لا تشابه احدا، ولا حتى والدك .. آبراهام ستارلايت.

بعدما تم نطق اسم والده، وجد فراي نفسه يقاطع زينيث.

...

"أكنت على معرفة بوالدي ؟"

أجل، فقد قاتلت بجواره ذات يوم.

"هذا مذهل" قال" فراي معطيا اياها مديحه الصادق.

بوهج خفيف اضاء اعينه، هو كان قد حزر بالفعل مقدار قوة السيدة العجوز الماثلة امامه.

هالتها كانت من المستوى -SS على الاقل.

قوتها لم تكن شيئا يستهان به.

و زينيث لم تكبد نفسها عناء اخفاء قوتها منذ البداية.

تارةً تبدو مثل نجم ساطع جاء ليعيد عصر المعجزات و تارةً أخرى تبدو مثل وحش جريح يريد سفك اكبر قدر ممكن من الدماء داخل ساحة المعركة، أرى أحيانا تعطشا غريبا من الموت يصدر منك .. تعطش غريب يجعلك تريد قتل الآخرين، و نفسك بالنهاية.

مستمعا لتقييم زينيث الغريب، اخرج فراي ضحكة ، جافة.

لديك أغرب الافكار عني، زينيث، لكن بعضا مما قلته صحيح بالفعل.

قال فراي مكتفيا باعطاء رد مبهم، فأي جزء أصابت به زينيت ؟ هو لم يخبرها.

لكن زينيث لم تنزعج.

بفرقة من أصابعها، تشكلت شرارة كهربائية زرقاء اللون، جعلت وجهها يضيء بخفة.

"إسمي هو زينيث، فقط زينيث .. لا أملك لقبا، ولا أملك أحدا، لورد فراي .. أنا إمرأة خسرت كل شيء بالفعل، فقد مات كل ما هو عزيز على قلبي، و لم يتبقى لي شيء سوى الفراغ ."

"لقد ماتوا جميعا، بينما نجوت أنا لوحدي طيلة هذه السنين الطويلة التي عشتها حتى الان، لأكون صادقة، أنا لا أعلم لماذا لازلت أقاتل حتى الان من الأساس."

بخفة، زينيث أطفأت الشرارة الكهربائية معيدة إنتباهها نحو فراي.

لورد" فراي، أنا واثقة من أنك تتساءل عن السبب الذي يجعلني أقبل خوض هذه الحرب بجانبك بكل سرور، دعني أخبرك انني لا أملك واحدا من الأساس، انا لا أملك شيئا لاخسره، و هذا ما يجعلني مفيدة لك."

ساحرة في الفئة SS-، بدون طموح ولا رغبات، مجرد وعاء فارغ يبحث عن نهاية ملائمة.

بابتسامة باردة، حدقت زينيث يفراي، لسبب ما .. تركيز الأخير قد كان منصبا نحو تلك الندبة المرعبة التي شقت وجهها.

لسبب ما، أشعر أنني سأجد ما أبحث عنه لو إتبعتك بحربك هذه .. لورد فراي.

زينيث .. الساحرة التي لم تترك سوى الجثث خلفها.

محاربة قضت معظم حياتها تتجول من ساحة معركة لأخرى، تظهر وقت الحرب، و تختفي بهدوء بمجرد انتهائها.

ستراها احيانا تترنح بين احياء العاصمة، أو المدن الكبرى، حتى القرى الصغرى تتجول بدون هدف.

ترفض البشر من حولها، لانها خسرت الكثير منهم بالفعل.

بأعين فراي، هي بدت مثل سيدة حملت اعباء كل اولئك الموتى بينما واصلت الحياة بدلا منهم.

لربما ارادت أن تموت فحسب، تموت بطريقة تجعل أولئك الذين غادروا من قبلها راضين عن نهايتها.

لهذا السبب اختارت اتباعه، لان الموت يتواجد دوما بكثرة أينما تواجد اللورد ستارلايت.

مدركا لكل ذلك، فراي و بطريقة ما رأى نفسه بالسيدة العجوز الجالسة بجانبه.

بدت مثله تماما، مثقلة بعبئ تلك الارواح التي غادرت من اجلها.

هي فقدت حقها بالموت منذ زمن طويل جدا، و الان لم يتبقى منها سوى جسد منهك يبحث عن مكان مناسب للموت.

زينيث لم تكن ضعيفة، فهي كانت نشطة جدا أثناء الجولة الاولى التي جرت بالبحر الشيطاني.

فراي و بكل تأكيد سيستفيد من وجودها معه.

فهو سيتمكن من جعلها ترمي بحياتها لو تطلب الامر.

ذلك لم يبدو صائبا، أن يستغل إمرأة محطمة كهذه.

لكن فراي لم يفكر بهذه الطريقة.

"لمنح الموت قصة جيدة ليكتبها بسجلاته، زينيث."

فراي لم يحاول ثنيها، أو جعلها تواصل العيش حتى.

فهذا لم يكن بدوره، فكل ما يستطيع فعله هو جعلها تقاتل بشدة إلى أن يأتي اليوم الذي تفارقها فيه الحياة و تنال الموت الذي لطالما تطلعت له.

لكن على الأقل، قصة كفاحها ستكون مثيرة للاهتمام لو إتبعته، و هذا ما كان مؤكدا.

زينيث كانت راضية بهذه الإجابة، فهو اعطاها ما ارادت سماعه بشكل مثالي.

"أتطلع للقتال بجانبك، لورد فراي."

"كِلانا نتطلع للامر ذاته اذا."

بعدما وصلا لإتفاق غير معلن، ضحك الاثنان لبعض الوقت بينما تبادلا اطراف الحديث.

المحادثة برمتها لم تبدو طبيعية نظرا للفارق السني المهول بينهما.

لكنهما فهما بعضهما البعض بسهولة تامة على غير المتوقع.

فراي جعل زينيث تتكلم كثيرا بدون وعي منها، راوية له الكثير عن حياتها الطويلة.

حكايات طويلة استمع لها فراي بهدوء و تمعن، مدركا المزيد و المزيد عن الساحرة التي قررت أن تعمل تحت إمرته.

زينيث بكل تأكيد كانت ستصبح ساحرته الخاصة التي تقتل أعداءه.

لهذا السبب أعطاها الكثير من الاهتمام معمقا فهمه لها، ما جعل مكانته ترتفع بسلم نقاط المودة الخاصة بها.

ثم عندما أوشكت زينيث الشغوفة على أن تبدأ قصة أخرى لماضيها البعيد .. توقفت مرغمة عندما قاطعهما مجموعة من الفرسان الذين شقوا طريقهم اليهما بدون سابق انذار.

لم يكن من الصعب إدراك أن الهدف كان فراي، فأعينهم جميعا قد كانت مركزة عليه، و هذا ما ادركه اللورد ستارلايت بالفعل.

"ايها السادة، مالذي أدين لكم به بالضبط لكي تأتوني بمثل هذه الهالات المهددة ؟"

سأل فراي، بينما اجاب الرجل الذي تواجد بمقدمة الفرسان.

لقد بدا مثل محارب مخضرم ذو إطار عظيم و جسد منحوت دل على القوة.

"فراي ستارلايت، سمعنا الكثير من الإشاعات الغريبة عنك، اشاعات عن معجزاتك، معجزات لا تصدق."

"إعذر وقاحتنا .. لكننا نريد رؤية تلك المعجزات على ارض الواقع، و لهذا السبب جئناك الان، باسمي أنا أطلب منك مبارزة ودية."

محدقا بهم، سرعانما ما قيم فراي جميعهم بنظرة واحدة.

هم كانوا 6 مقاتلين بدوا إما مبارزين أو حاملي رمح.

قائدهم كان اقواهم، و بدا و كأنه اخترق الفئة S منذ وقت ليس ببعيد، لربما اختراقه هو سبب ثقته المبالغة بقوته لدرجة طلبه لنزال خاص معه.

السيدة العجوز زينيث كانت على وشك النهوض من مكانها و حرقهم احياء، لكن فراي اوقفها بالثانية الأخيرة، بينما تعمقت ابتسامته.

"لا بأس، لنفعلها، هلموا إلي جميعكم دفعة واحدة."

هدوء غريب ساد المكان.

الفرسان الستة تبادلوا النظرات سريعا، غير مصدقين ما سمعوه للتو.

واحد ضد ستة ؟

كان ذلك إما وقاحة مطلقة... أو ثقة خارقة.

لكن نظرة واحدة في عيني فراي ستارلايت كفت لتخبرهم أن هذا لم يكن مزاحا.

لقد كان جادا تماما.

"هيا، أريد أن أنهي هذا قبل أن تبرد ناري."

قالها وهو ينهض من على الجذع، متكاسلاً كمن استيقظ من قيلولة... لا كمحارب يستعد لمواجهة ستة من خيرة جنود الإمبراطورية.

خطواته كانت هادئة، واثقة، وكلما اقترب، كلما تصاعد الضغط الدخان المنبعث من جسده.

بدا الأمر كأن سيفا غير مرئي يقطع الهواء من حوله.

أحد الفرسان تراجع دون وعي.

لكن القائد رفع يده وأمرهم بالتقدم.

"هجوم جماعي، لا تمنحوه فرصة للتحكم بالمجال!"

صرخ، لينطلق الفرسان الستة في لحظة واحدة، أجسادهم تومض بسرعة عالية، الهالات تحيط بهم كألسنة لهب مضغوطة.

رمح، سيف، سيفان مزدوجان، فأس ثقيل، وسوط ممدد...

كل سلاح انطلق بهدف واحد:

تحطيم أسطورة فراي ستارلايت قبل أن تبدأ.

لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما.

في لحظة، اختفى فراي من مكانه.

صوت انفجار هوائي اهتز في الأرجاء، وأول فارس وجد نفسه يطير في الهواء دون أن يرى من ضربه.

"واحد."

تمتم فراي بصوت هادئ، ظهر فجأة خلف الخصم الثاني.

ركلة جانبية سريعة مزقت ضلوع الرجل، دفعته نحو زميله الذي كان يلوّح بفأسه، مصيبا الاثنين ببعضهما وساقطين معا.

"ثلاثة."

الزمن بدا وكأنه تباطأ...

تحرك فراي بين هجمات الفرسان كما لو أنه يقرأ سطرًا سطرًا.

عيونه الهادئة تابعت كل حركة، كل نية، وسبقها بخطوة.

قاطع هجوم السيفين بضربة من راحة يده، مستخدمًا أورا ضاغطة دفعت الخصم للخلف كأن عاصفة ضربته من مسافة صفر.

"أربعة."

تبقى اثنان.

القائد، والرامي بالسوط.

الرامي تراجع نصف خطوة مخلوقًا، محاولًا فهم ما يحدث، بينما الثاني أطلق سوطه مغلفًا بهالة كثيفة بنية داكنة، التوت كأفعى مميتة وحاولت لف عنق فراي.

لكنه لم يجد سوى الفراغ.

"خلفك."

جاء صوت فراي من وراءه مباشرة.

التفت الرجل... فقط ليرى وجهه للحظة قبل أن يطرح أرضًا فاقدًا للوعي.

"خمسة."

الآن، لم يبقَ سوى القائد.

الوحيد الذي لم يتحرك بعد منذ اللحظة الأولى.

يده كانت مشدودة على نصل رمحه الطويل، عينيّه تضيّقان نحو فراي بينما هالة حول جسده بدأت تتكثف.

"كنت أعلم أنك لست مجرد شائعة."

قالها بهدوء، قبل أن يغرس رمحه في الأرض ويفعل نمطه القتالي.

الهالة تحولت إلى لون أحمر غامق، وبدا جسده وكأنه يشتعل بحرارة مع كل نفس يزفره.

"أسلوب السماء الناري... المرحلة الأولى."

فراي لم يتحرك.

حتى عندما شق الرمح الأرض نحوه، راسما خطًا من الحمم، هو فقط أدار جسده بخفة، وسمح للهجوم بالمرور قربه دون أن يلمسه.

ثم، بلحظة لم يراها أحد، ظهر أمام القائد.

"ستة."

كلمة واحدة.

ثم قبضته اصطدمت ببطن القائد بقوة غير مفهومة، أخرجت كل الهواء من رئتيه، ورفعته عن الأرض بزاوية مائلة، قبل أن يسقط على الأرض مترنحًا، يحاول ألا يفقد وعيه.

لكن فراي لم يتقدم أكثر.

وقف في مكانه، أعاد تنسيق سترته، وتوجه بهدوء نحو مقعده الخشبي بجانب زينيث، التي كانت تتابع المشهد بإعجاب خفي.

"أعتذر على الإطالة، أين كنا؟"

"قالها وهو يجلس مجددا، بينما تناثرت جثث الفرسان الستة من حوله ."

2025/08/07 · 356 مشاهدة · 4467 كلمة
Song
نادي الروايات - 2025