منظور فراي ستارلایت-

ببطء، أشرقت شمس الصباح ملعنة بداية يوم جديد.

بقارة الالتراس، كان من النادر أن يحظى المرأ بفرصة استنشاق بعض الهواء النقي، في ظل الموت والقفار الذي استهلك الحياة من الأرض..

لكن هنا وبضفاف البحر الشيطاني، كان الهواء لا يزال نفسه تقريبا، ما جعلني استنشق الكثير منه لا اراديا..

هواء بارد منعش لفصل الشتاء.. ملأ رئتاي حتى آخرهما.

لقد ابتعدت بالفعل عن تجمع الجنود، وكنت اتجه للخيمة التي كانت بمثابة منزل مؤقت لي.

لقد بارزت الجنود بيدي العارية لوقت طويل جدا ما جعلني أشعر ببعض الفتور بعضلاتي، مجرد رد فعل بسيط بعد تحريك قبضتي كثيرا، لكنه كان شعورا مزعجا.

إذا كان هذا القدر لا يزال كافيا لإتعابي فهذا لم يعني شيئا سوى حقيقة أنني لا أزال أملك طريقا طويلا لأقطعه.

اليوم ستتحرك القوات مجددا، وسيُشن الهجوم الرئيسي على قارة الالتراس.. بمعنى آخر المعركة الحقيقية على وشك أن تندلع، وقد تم اختياري بطبيعة الحال لأكون بالطليعة.

هذا يعني أنني سأتحرك اليوم، وقبل حدوث ذلك أنا لم أملك سوى بضع سويعات قليلة لأستريحها.

بهدوء وخطوات صامتة.. دخلت خيمتي الخاصة التي لم تحتوي سوى على معداتي وسرير خشبي لم استعمله كثيرا.

محدقا بالمكان، نشرت هالتي تحسبا ماسحا إياه، لكنني لم أجد أي شيء.

"سانسا لم تأت اليوم.."

أو بالأحرى لربما جاءت بوقت سابق لكنها لم تجدني، لهو أمر مؤسف أننا لم نستطع قضاء الليلة الأخيرة معا قبل استئناف المعركة.

لم يتبقى أمامي سوى بضع ساعات، وبما أنني كنت وحيدا تماما، ارتأيت أنها الفرصة المناسبة لزيادة مداركي.

جالسا فوق سريري، قمت بإخراج أداة معينة من داخل ملابسي.

ثم بدون سابق إنذار، وضعت قناع النايملس فوق وجهي بينما أغمضت عيني تاركا إياه يسحبني، نحو ذلك العالم الخيالي الذي تواجد بالداخل.

الواقع أمامي انقلب رأسا على عقب بسرعة شديدة، عندما فتحت أعيني مرة أخرى، كنت أقف بالفعل داخل فضاء تلك المكتبة العجيبة.

هذا المكان لم يعد غريبا علي بعد الآن، فقد قضيت الكثير من وقتي هنا منذ أيام تدريبي.

لذلك وبخطوات ثابتة، تجاهلت فوضى الكتب المترامية بكل مكان، وصعدت للطابق الثاني بدون مقدمات.

ذلك الطابق هو الآخر لم يكن أفضل حالا، فعلى عكس الأيام الأولى عندما كانت كل الكتب بمكانها مصفوفة بعناية شديدة بانتظار أن يتم قراءتها، كان المكان فوضويا تماما هذه المرة.

ولأكون صريحا، كنت السبب وراء حدوث ذلك.

فبمرحلة ما، أصبحت أرمي الكتب التي أنتهي منها جانبا بدل إعادتها لمكانها.

كررت الأمر كثيرا لدرجة أنه أصبح عادة، ولم أكن لأهتم مطلقا بتنظيم هذا الفضاء الخيالي الملعون.

لذلك وكالعادة، شققت طريقي لمنتصف كومة الكتب التي كنت أتصفحها آخر مرة، ملتقطا آخر كتاب قرأته..

..

"كتاب بعنوان: مسار الدم. "

جالسا هناك، بدأت القراءة، معمقا بالطرق التدريبية المريضة التي اتبعها ذلك الرجل.

"نايملس.."

المحارب الذي بنى مجده وتاريخه، عن طريق دفن عدد لا يمكن إحصاؤه من الأرواح.

من أجل ابتكار قدرته الكاسرة لحدود العالم.. القدرة التي تحدى بها قوانين الحياة والموت.

هو اضطر لدراسة كل أشكال الحياة بهذا العالم الشاسع.

قتل كل أنواع الأجناس، وأجرى تجاربه المريضة عليهم الواحد تلوا الآخر، إلى أن اكتسب من المعرفة ما جعله يفهم أصلهم وجوهرهم.

هوسه المريض ذاك، قد جعله يقتل أكثر من أي شخص آخر، ويسفك الدمار أكثر من أي شخص آخر.

وحش بين الوحوش، نايملس كان الأنسب والأحق بلقب الموت، إذا كان هنالك ملك للموت بهذا العالم، فسيكون هو بدون أدنى شك.

على أي حال، ورغم أن الهدف من كل ذلك القتل كان كسر قانون الحياة والموت.. إلا أن ما فعله نايملس حقق بعض النتائج الجانبية الأخرى.

أشياء إضافية، جعلت من قوة ذلك الملعون تتفجر أكثر وأكثر ليصل ذلك المستوى الذي جعله قادرا على مجابهة أمثال آغاروث.

وهذا هو ما يسمى، بمسار الدم.

طريقة تدريب فريدة من نوعها اكتشفها وصقلها نايملس طيلة سنين تواجده بساحة المعركة.

عند ممارسة هذا الأسلوب التدريبي الشاذ والمظلم، أصبح بمقدور نايملس زيادة مستواه كلما زاد عدد ضحاياه.

كلما قتل أكثر، وكلما صبغ أيديه بالدم.. كانت قوته تزداد.

بمعنى آخر هو لم يكن يكتسب الخبرة القتالية من معاركه فحسب، بل كان يدفع بنفسه لمستويات أعلى بكل مرة يقاتل فيها.

طريقة تدريب مريضة تناسب وحشا مثله.

وها أنا ذا، أتبع خطواته مواصلا نفس المسار..

المسار الذي يجعلك تغرق بالدم والموت، والقتل الوحشي الذي لا نهاية له. لكن ورغم قولي لذلك، إلا أن ما حققته حتى الآن لا يعد سوى نقطة ببحر ما حققه نايملس.

فمنذ بداية الحرب، قتلت ما مجموعه 27 ألف بشري من الالتراس.

قبلها كنت قد قتلت آلاف مخلوقات الكابوس بالأراضي الشرقية.

لكن ما هذه الأعداد سوى أرقام ضئيلة لا معنى لها، أمام ما فعله نايملس.

وجدت نفسي أضحك بدون وعي، عندما قرأت المزيد والمزيد عن مسار الدم، وتاريخ ذلك الوحش عديم الاسم.

لقد قتلت الكثير من البشر والوحوش على حد سواء، ونتيجة لذلك.. أصبحت أشعر وكأنني على وشك الاختناق..

لقد أخفيت الأمر ببراعة حتى الآن، لكن علامات الدم هذه التي لا تزول، البقع الحمراء العالقة بجسدي..

لقد أصبحت كثيرة جدا، وبدأت أشعر وكأنني أغرق داخل هذا المستنقع الأحمر..

لقد قتلت العديد، ولا زلت مستعدا لقتل ما هو أكثر من ذلك بكثير.. في سبيل اكتساب القوة. القوة الجبارة التي احتجتها، لتحقيق هذا الهدف كنت مستعدا للذهاب لما هو أبعد من ذلك بكثير.

لقد بدأت أخسر نفسي ببطء، سيفي أصبح يتعطش لها..

للدماء، وللموت.

جسدي، روحي، وجودي بحد ذاته.. أصبحت كيانا لا يكتمل إلا لو دخل ساحة المعركة.

أصبحت تلك الابتسامة الدموية تتشكل على وجهي دون أن أدرك حتى.. عندما أكون على وشك قتل أعدائي.

اليوم، أنا سأعود لساحة المعركة.

هذه الفكرة لوحدها جعلت جسدي يرتعش، متطلعا لها.

لقد أصبحت شخصا يعشق ساحة المعركة، ويرحب بالحرب. أنا..

"أنا أخسر نفسي ببطء.."

لم تمض سوى ثمان أشهر، وها أنا ذا أبلغ هذه الحالة..

بلغتها بعدما قتلت ذلك العدد الضئيل، لهذا السبب لم أستطع فعل شيء سوى أن أتساءل..

"فقط.. ماذا تكون؟ نايملس؟"

كيف استطاع قتل كل تلك الأعداد، كل تلك الأرواح..

سواءا البريئة أو المذنبة منها.. كيف استطاع البقاء ثابتا كل تلك السنين، من الموت وسفك الدماء؟ "هل لأنك لم تملك أية مشاعر؟ هل لأنك كنت ذلك الوحش الذي لا يعرف الرحمة منذ البداية؟"

محدقا للأعلى.. نحو الطوابق العليا، أنا سألت.

"أجبني، نايملس"

صدى صوتي قد انتشر بكل مكان داخل هذه المكتبة الكونية، لكن وكما هو متوقع..

أنا لم أحصل على أي إجابة.

لذلك وبتنهيدة طويلة، عدت لقراءة الكتاب بين يدي. مسار الدم يتطلب الكثير من الضحايا..

احتجت لقتل المزيد والمزيد من الأعداء، احتجت لسفك دمائهم إلى أن تصبح أنهارا. عندما أحقق ذلك، سيتطور جسدي تلقائيا ويبلغ آفاقا جديدة.. بسرعة تتجاوز بكثير تلك التي يمكنني تحقيقها بالطرق العادية.

سابقا، نايملس استعمل هذه الطريقة ليدفع بنفسه لقمة الفئة SSS. لهو أمر مذهل، كيف أنه تخطى جميع مراحل تلك الفئة السبع بطريقة كهذه..

للفئة SSS سبع مراحل، وهي مرتبة كالتالي:

عرش ما بعد الوجود (Throne Beyond Existence): المرحلة الأولى والأصعب، التي تعتبر السقف الذي لم يستطع الكثيرون تجاوزه.

نبض الفوضى (Pulse of Chaos): المرحلة التي تبدأ بها القوة الخام بالخروج عن السيطرة، لتتجاوز حدودها بكثير، عادة ما يكتسب من يبلغ هذه المرحلة قدرات جديدة تماما تكون فوق الاستيعاب البشري..

تجلي الأصل (Origin Revelation): مرحلة أخرى غامضة، يبلغ بها المرأ الإمكانيات الكاملة لأيا كان الجنس الذي ينتمي له.. تعتبر هذه المرحلة حالة شاذة بحيث أنها تختلف من عرق لآخر، فلكل عرق مميزاته الخاصة ما يجعل من الصعب الحكم أي نوع من القوى يمكن للمرء أن يحصل عليها بمجرد بلوغ هذه المرحلة..

غليان الهالة (Aura Boil): هذه المرحلة تمس الأورا بشكل خاص.

للشرح بشكل مبسط، مقاتلوا هذه الفئة يملكون أورا مختلفة تماما عن سائر المخلوقات. نوع الأورا التي يستعملونها أشد قوة بكثير من تلك العادية..

هالة وقوة متفجرة، طريقة عملها مشابهة للغليان، ما يجعل الهجمات التي يصدرها من هم بهذا المستوى تبدو وكأنها من عالم آخر تماما..

...

بينما قرأت هذه المعلومات التي لم أكن أعلم عنها الكثير، بدأت أدرك كم هي بعيدة.. القوة التي سعيت لامتلاكها..

فأنا لم أبلغ الحد الأدنى الذي يسمح لي بمحاولة بلوغ هذه المستويات من الأساس..

والمشكلة الأكبر كانت أن الكتب التي غطيتها حتى الآن لم تتحدث بشكل مفصل سوى عن المراحل الأربع الأولى.

أما المراحل الخامسة، والسادسة والسابعة.. فأنا لا أعلم عنها شيئا سوى أسمائها التي كتبتها ذات يوم على ورق عندما كنت لا أزال مجرد مؤلف..

مؤلف روايات عاش حياته بوهم..

"أنا حقا اعتقدت أنني من خلق هذا العالم.."

كلما تعمقت بهذه الكتب، وبتاريخ هذا العالم الطويل، زدت يقينا وإدراكا أنني لست سوى حجر واحد داخل هذا العالم الشاسع. معرفتي المسبقة، وتلك القصة التي كتبتها ذات يوم لم تكن سوى أشياء مفتعلة.. يمكن تفسيرها بعشرات الطرق، ولن أتفاجأ لو كان للمهندس يد بذلك. لأكون صريحا، هذا بدا مثل السيناريو الأكثر منطقية لي.

لكن، وعندما أفكر بهذه الطريقة، لا يسعني سوى أن أتذكر ما قاله لي آغاروث.. ملك الشياطين ذات يوم، بلقائنا الأول.

"خالقي.. الشخص الذي صنعني"

هذا ما قاله.

ملك الشياطين العظيم، قال أنني أنا من صنعه.

كلماته تناقض كل ما كنت أحاول إقناع نفسي به.

هل كذب آغاروث؟ هل هو فقط يحاول التلاعب لي؟

لسبب ما.

لم أشعر أن ملك الشياطين قد يفعل شيئا كهذا، ولم يبدو كشخص يقول أشياء كهذه عبثا.

مغلقا الكتاب بين يدي، استلقيت فوق أرضية المكتبة البيضاء، بينما حدقت بالطوابق العليا..

"أيهما الأصح؟ أنا أتساءل.."

مغمضا عيني، غصت أعمق وأعمق داخل فضاء وعيي.

أنا لا أزال أجهل الكثير عن نفسي، وعن هذا العالم الذي عشت به.

هل أنا مجرد وعاء لكيان كوني أشد قوة؟ أم أنني شيء آخر تماما؟ مالذي أراده المهندس مني؟ ومالذي رغب به آغاروث؟

لم أملك الإجابة لأي من هذه الأسئلة.

لذلك نهضت من جديد، بينما استعددت لمغادرة هذا الفضاء الخيالي.

"لا يسعني سوى مواصلة المضي قدما."

لن أخسر، لن أسقط مرة أخرى.

لقد قطعت هذا العهد على نفسي منذ زمن طويل، فالمرة القادمة التي أهزم بها، ستكون اليوم الذي أموت به.

وهذا كان مصيرا لا أستطيع السماح به. لذلك سأواصل المضي قدما، مهما تغيرت، ومهما تلوثت هذه الأيادي بالدماء.

لن أتوقف أبدا، حتى أقتل كل أعدائي.

لقد حل اليوم الموعود أخيرا..

اليوم الذي ستنطلق به حملة الإمبراطورية الأولى داخل قارة الالتراس.

الأجواء كانت صاخبة، والمعنويات بلغت أقصاها عندما استعد جيش قوامه 70 ألف مقاتل لبدأ الدك.

لقيادة جيش كهذا، تم وضع العديد من المقاتلين المخضرمين بالقيادة.

أبرزهم كان اللورد الحالي لعائلة صنلايت، العجوز إيريس صنلايت.

السير آلون وإيغون فاليريون قد منحاه القيادة والسيطرة الكاملة على الجيش، واثقين من خبرته الطويلة والمديدة.

بجانبه، تواجد أخوه غال فايرون، بالإضافة لـرافاييل بلودمادير قائد الطليعة، والوصي العظيم أوليفر خان الذي انضم للمعركة بدوره.

يمكن القول أن هؤلاء الأربعة قد كانوا هم القادة المباشرين للجيش.

كل منهم يمتلك عددا معينا من المحاربين تحت قيادته.

من بينهم، كان بلودمادير لا يزال هو المسؤول عن القوات الخاصة بالطليعة، والتي ستكون أول من سينطلق لخوض غمار الحرب. تلك القوات قد تم تقسيمها بدورها لفرق، والفرق تم تعيينها تحت قيادة محاربين أشداء، ثم منحهم لقب الجنرال بهذه الحرب..

من بينهم، يمكن التعرف على فينيكس صنلايت.

لكن ما لفت الانتباه أكثر، كانت الفرق التي تم وضعها تحت قيادة شابين لم يتجاوز عمرهما العشرين حتى..

الفرقة التي قادها سنو ليونهارت، وشهدت تواجد يوراشا بصفوفها..

والأخرى التي اتبعت المعجزة الحديثة.. فراي ستارلايت.

هذا الأخير قد تم وضعه بطلب منه ليكون أول من يصطدم بالعدو.

هل هي شجاعة؟ أم أن النجم المظلم لعائلة ستارلايت مجنون ببساطة؟ فرقة فراي ستارلايت شهدت تواجد ألف جندي، من بينهم 8 مقاتلين اختاروا اتباعه من الطليعة السابقة.

اللافت للنظر هو تواجد سانسا فاليريون، وغوست أومبرا معه باختيار منهم.

كل ذلك بالإضافة لفرد آخر.

بينما ارتدى فراي ستارلايت درعه، تقدمت ناحيته مرتدية ملابس الكهنة الحربيين الخاصة بها. بينما تألق شعرها الأشقر أكثر من أي وقت مضى.

...

"لقد كانت أوريل."

2025/08/09 · 306 مشاهدة · 1810 كلمة
Song
نادي الروايات - 2025