بينما تنقل كل من فراي و سنو بسرعة داخل منطقة العدو، عم صمت طويل بينهما.
كان الاثنان بصدد استعادة توازنهما وقوتهما حتى اثناء التنقل والحركة.
لكليهما، بدا كل شيء مثل الحلم.. حلم غريب وعجيب.
فلم يتوقع أي منهما يوما أنهما سيكونان قادرين على الهرب من حصار كامل لقوات الالتراس بهذه السهولة، حتى عندما يكون الاثنان مستنزفين بشدة.
صحيح انهم لم يستطيعوا فعل الكثير لأعدائهم، لكن بالمقابل.. أعداءهم لم يستطيعوا فعل الكثير لهم أيضا، فعندما ركز الاثنان على الهرب هما استطاعا النجاح بسلاسة.
والآن، كان الاثنان بصدد التوجه لمكان معين للاجتماع باحد الأعداء أنفسهم.
"اه.. فراي هل أنت متأكد من أن هذا ليس بفخ من نوع ما؟"
سأل سنو عابسا بعدما لم يطمئن لأمر اللقاء.
لكن فراي هز رأسه بابتسامة ساخرة.
"وماذا لو كان كذلك؟ ألم ننجو للتو من فخ مميت جمع قواتهم الكاملة؟"
"بهذا لن أجادلك.. لكن الأمر يبدو مريبا لي بكل تأكيد، أعني لماذا قد يحاول العدو لقامة اجتماع معنا الآن؟"
"الالتراس بالعادة كانوا يفضلون السيف على الكلمات، أن يقوم أحدهم الآن بطلب اجتماع لم يكن بالأمر المعتاد.
لكن الحديث هنا عن ميرغو، لورد الالتراس الغريب الذي لطالما أثار فضول فراي.
على أقل تقدير، ذلك العجوز مختلف فلطالما امتلك فلسفة خاصة به، و لأول مرة وجدت نفسي أخسر بالكلمات عندما واجهته بالماضي..."
فراي تذكر المعركة اليائسة التي خاضها ذات يوم ضد 1000 رجل، فقط ليظهر أمامه ميرغو بالنهاية.
كانت تلك أحد أشد اللحظات يأسا التي عاشها أثناء المطاردة، و لعلها المرة الأولى التي يخسر فيها السيطرة على نفسه، ويتحكم نايملس بجسده.
على الرغم من انه لم يكن متأكدا، فالأمر بدا وكأنه يقاتل بلا وعي وقتها بدل سيطرة نايملس عليه.
وقتها استطاع النجاة من المعركة ضد ميرغو الذي كان يفوقه قوة، لكن من حين لآخر، ظل فراي يتذكر ما قاله له العجوز.
"سواءا أنا أو هو، كلانا وحوش وجدت للتدمير، لا للإصلاح، و ذات يوم سيلاقي كلانا مصيرا يليق بما اقترفته أيادينا."
ميرغو كان يملك نظرته الخاصة، التي أثرت نوعا ما على طريقة تفكير فراي.
سواءا بالإمبراطورية أو الالتراس، كلا الجانبين امتلك وحوشا كاسرة وجب أن تموت ذات يوم، وكلاهما امتلك أبطالا بنفس الوقت.
وجود المرئ بجانب بدل آخر لا يبرر ما تقترفه يداه، و الآثمون سيحاسبون جميعا ذات يوم بكل تأكيد.
هذه فكرة كان فراي الحالي مقتنعا بها بالكامل، و قد تقبل الأمر بالفعل.
فأيا كان مصيره، و أياً كان عقابه، هو نوى تحمله وتلقيه كله فهذا ما يستحقه تماما.
بسنة واحدة فقط، و منذ المطاردة التي تعرض لها رفقة طلاب النخبة بقارة الالتراس، فراي أصبح أكثر نضجا بكثير، فقوته لم تكن الوحيدة التي زادت..
وكل ذلك بدأ من القتال ضد ميرغو.
لهذا اللقاء مع ذلك العجوز أثار اهتمام فراي لحد ما.
سنو من جهة أخرى قرر مجاراته ورؤية ما كان العدو بصدد القيام به.
"بالتفكير بالأمر، هل أتيت وحدك لإنقاذي؟" سأل سنو بينما أجابه فراي.
"لا، فرفاقنا من المعبد كانوا معي لكنني افترقت عنهم بمجرد شعوري بك.."
قال فراي متذكراً اللحظة التي شعر فيها بوجود سنو.
بذلك الوقت، هو انتقل آنياً لمكانه على الفور دون قول كلمة تاركاً الآخرين جميعا خلف ظهره.
"هذا سيثير استياءهم بكل تأكيد، لكن نظراً للحصار الذي تعرضنا له أظن الأمر أفضل بهذه الطريقة..."
فراي و سنو كانا الاستثناء، فبعد تعرضهم لإصابات و جروح كثيرة أثناء محاولة الهرب، إلا أن أحدهما كان قادرا على التجدد و الآخر امتلك قوة مقدسة شديدة القوة تعالج جسده تلقائيا.
كل ذلك بالإضافة لقوتهما الكبيرة.
احضار الآخرين كان ليصبح بمثابة عائق.
"أنا أعرف مكانهم الحالي بالفعل، الخطة كانت العثور عليك والعودة إليهم مباشرةً لكن المتغيرات الأخيرة جعلتني أعيد النظر..."
"سنعود إليهم بمجرد انتهائنا مما يجب علينا القيام به هنا.."
فراي كان يدرك انه تأخر عليهم كثيرا، وعلى الأرجح هذا سيثير استياء الكثير منهم، خصوصا أوريل التي أرادت دعمه بصدق.
لكن و ما دام الجميع بخير، اعتقد فراي أن ذلك هو كل ما يهم.
"أرى أنك لا تزال لا تفضل الاعتماد على الآخرين." قال سنو، مشيراً لطبيعة فراي المنفردة.. التي جعلته يقاتل وحيداً طوال الوقت.
لكن فراي هز رأسه نافياً.
"غير صحيح، فأنا اعتمد عليك."
"يسرني سماع ذلك إذاً، يجب أن تدرك أكثر من أي شخص آخر انك وحدك لن تستطيع تغيير الكثير.
فمهما بلغت قوتك، سيأتي دوماً من هو أقوى منك."
خصوصا بين صفوف الشياطين الذين امتلكوا العديد من الوحوش القادرة على هز العالم.
"أنا مدرك لهذا بالفعل.."
أمام أولئك الأعداء الأشد قوة، لن يكون لفراي من خيار سوى محاولة توحيد القوى مع سنو من أجل محاولة قهرهم.
كان هذا الخيار الوحيد نظراً لعدم تمكن فراي من اختراق الفئة SSS حتى الآن.
فالنظام لم يعد يعطيه أي مهمات و نقاط انجاز، ما جعل موهبته الحالي تعلق بالفئة SS+.
ما يجعل الاختراق للفئة SSS أمرا مستحيلاً دون كسر الحد.
مفكراً بذلك، عم الصمت بين فراي و سنو مرة أخرى بينما واصلا الحركة.
كان هنالك الكثير للقيام به، وحرب الظلمات كانت مختلفة لجانب الإمبراطورية عن الالتراس.
في حال فوز الالتراس، الحرب ستنتهي فوراً.
لكن في حال فوز الإمبراطورية ، ذلك لن يعني سوى قهر جانب البشر، وفتح الجبهة ضد الشياطين.
بمعنى آخر، الحرب لن تنتهي بأي وقت قريب لهم بل بدت مثل صراع أزلي سيستمر لسنين طويلة جدا.
تماما كما عانت الأجناس الأخرى التي تواجدت هناك بالأعلى ، أجناس حاربت الشياطين لآلاف السنين ولا تزال تفعل الى يومهم هذا.
"يبدو أن هذه الحرب لن تنتهي أبداً."
عند التفكير بالأمر من هذا المنطلق الأمر كان مثيراً لليأس حقاً.
"لطالما كان الأمر هكذا و مالنا سوى محاولة التأقلم كما فعلنا دوماً."
قال فراي، قبل ان يتوقف.
"لقد وصلنا."
واقفاً فوق قمة جرف عالي نسبياً، اطل فراي على المساحة أمامه ناشراً هالته.
كان هذا هو المكان الذي أخبره عنه ميرغو.
"يبدو أنهم هنا أيضاً..."
"هم؟" سأل سنو بعدما لم يتوقع سوى شخص واحد.
"اجل، ثلاثة أشخاص.."
على ما يبدو، ميرغو لم يأت وحيداً..
"كن حذراً، فنحن لا نعلم ما هم مقبلون عليه." حذر سنو، بينما أومأ فراي.
"لا داعي للقلق فأنا مدرك لذلك بالفعل."
قافزاً من على الجرف، ذهب فراي بينما تبعه سنو.
و ما هي سوى ثواني معدودة ليبلغا هدفهما.
هناك.. وسط مساحة مغلوقة احاطت بها الصخور والهضاب..
كان العجوز ميرغو يجلس فوق صخرة بسيطة يشرب من قنينة الخمر الخاصة به..
بجانبه، وقفت فتاة معينة ارتدت ملابس فيكتورية و قبعة بسيطة فوق رأسها..
اعينها كانت حمراء، و بشرتها شاحبة جدا..
الإمبيريل ماريا.. وبالجانب الآخر..
شاب بشعر أبيض و وجه مشوه أثارت رؤيته استغراب فراي.
فذلك كان الغول لورنس.. الشاب الذي كان فراي متأكداً من انه قطع رأسه..
عندما رأى لورانس نظيره فراي، هو كاد يهيج مهاجماً إياه بعدما تذكر الماضي، لكن ميرغو أوقفه على الفور.
"أين آدابك يا لورانس.. هؤلاء السادة الكرام هم ضيوفنا."
قال ميرغو بخفة موجهاً عدة ضربات لجسد لورانس جاعلاً إياه يسقط ارضاً شبه مشلول.
"اعذرا وقاحة تابعي، إنه ليس مستقراً عقلياً."
قال ميرغو بودية، بينما حدق به فراي و سنو لبعض الوقت بصمت قبل أن ينطقا.
"ميرغو.. هذه هي المرة الرابعة التي أقابلك بها وجهاً لوجه.. و الأولى دون تتصادم سيوفنا." قال فراي مستذكراً تاريخهما..
الأولى كانت بالمطاردة، و انتهت بفقدان فراي للسيطرة و فرار ميرغو.
الثاني أيضاً فقد بها السيطرة و واجه ميرغو رفقة 3 آخرين..
و الثالثة كانت مبارزة شكلية فقط مؤخراً جراء الحصار.
"وهذه هي الرابعة.
نحن نميل لقتال بعضنا البعض فهذا ما تمليه علينا غرائزنا أليس كذلك؟"
قال ميرغو بابتسامة.
"سواءا أنا و أنت.. نحن خلقنا للتدمير،"
واصل ميرغو الكلام مرتشفاً من قنينته.
"لكن الفرق بيننا هو انك تحولت لوحش يفوق معياري بكثير يا فراي ستارلايت، و حتى أنت يا سنو ليونهارت ، فكلاكما يبدو متشابها بالنسبة لي."
"يكفي كلاما فارغاً، فالنقل ما لديك بالفعل فلا وقت نضيعه هنا معك."
قال سنو بعدوانية مشيراً بشكل واضح لاستعداده للقتال.
إذا لم تسر الأمور بشكل جيد، هو كان مستعداً لقتلهم فوراً فثلاثتهم كانوا محاربين مهمين بصفوف الالتراس.
لكن أمام عدوانية تلك.. ميرغو لم يجزع إطلاقاً.
"حسناً، لنختصر حديثنا إذاً..
برأيكما ، مالذي سيحدث بهذه الحرب من الآن فصاعداً؟"
افتتح ميرغو كلامه بسؤال.
فأجاب فراي على الفور.
"سيتم إبادة الالتراس بالمعركة القادمة على الأغلب ، فأنتم لا تملكون فرصاً للفوز بعد الآن."
ميرغو أومأ.
"هذا صحيح.. لكن خاطئ جداً بآن واحد."
واصل ميرغو الحديث متلاعباً بقنينته.
"أعلم انك لست بغبي يا فراي ستارلايت، فكر بالأمر، تذكر ما رأيته، تذكر من هم أعداءك و من هم حلفاءك ، هل حقاً تبدو لك هذه الحرب كمعركة عادية تجري بين الإمبراطورية و الالتراس؟"
سأل ميرغو سؤاله أجابه بنفسه.
"هذا خطأ كبير، فما هذه سوى مسرحية تدار من قبل أشخاص يحاولون سحب خيوطها من الظلال، و صديقك الأمير لأبرز مثال."
تحدث ميرغو عن ايغون من العدم.
"كل ما حدث حتى الآن، وما سيحدث من الآن فصاعدا يتم التحكم به من طرفهم و حتى لو رفضت التصديق أنت أيضا لاعب بهذه المسرحية يا فراي ستارلايت..
فمهما بلغت قوتك أنت عجزت عن كسر حدود المسرحية التي يلعبونها ، لكن الأمير الأضعف منك فعل..
غريب أليس كذلك؟"
بالطبع ، الأمر لم يكن عادياً.
خصوصا بذكر الأمير ، فهذا الأخير كان غريباً بدوافع غير معروفة إطلاقاً..
ايغون فاليريون كان غامضاً لدرجة أن فراي بدأ يشك ما إذا كان ذلك الشاب مجرد بشري من الأساس.
لقد فكر به ليل نهار، لكن لم يستطع الحصول على إجابة قط فالأمير أجاد إخفاء يده جيداً..
"مالذي تحاول الوصول إليه؟"
سأل فراي، مشيراً لميرغو أن يختصر.. وفي تلك اللحظة.
تقدمت ماريا لأول مرة متحدثة بنفسها.
"ما نريده منك يا فراي ستارلايت، و سنو ليونهارت ، هو الأخذ بعين الاعتبار فرصة تحالف."
بسماع ذلك، استغرب كل من فراي و سنو.
"تحالف؟ تحالف مع من؟ أنتم الثلاثة؟"
"أعذر وقاحتي، فأنا لم أعرف عن نفسي بعد.. اسمي هو ماريا وأنا أنتمي رفقة السيد ميرغو الى مجموعة معينة ، يمكنك تسميتنا بالمنظمة لو شئت."
قالت ماريا، مشيرة لسبب اللقاء الحقيقي بينهم.
"اسمنا هو بلاك اوردر و هدفنا الوحيد، هو الحفاظ على حياة أكبر قدر ممكن من الالتراس."
قالت ماريا، مشيرة الى الجانب الحقيقي لميرغو و بقية اتباعه.
"مثلكم تماماً ، نحن لا نحب ما يفعله الشياطين ببني جنسنا ، واخترنا القتال، لكن بطريقتنا الخاصة."
بسماع ذلك، سخر سنو.
"طريقتكم الخاصة؟ و هل هذا عن طريق الخضوع لهم والقيام بما يريدونه منكم؟"
كإجابة، أومأت ماريا.
"هذا صحيح، فنحن لم نملك الخيار أساساً..
الشياطين أقوياء، لدرجة أننا لسنا سوى حشرات بالنسبة لهم، والمقاومة لن تتسبب سوى بهلاكنا ، لذلك اخترنا أنزال رؤوسنا عمداً والخضوع."
"والى أين قادكم ذلك؟ فلا نتيجة تذكر لما قمتم به."
قال فراي بينما هزت ماريا رأسها.
"بل أنقذنا الآلاف عن طريق العمل بالخفاء والبقاء بعيداً عن الواجهة ، على الرغم من اننا خسرنا الكثير أثناء محاولة القيام بذلك.."
"كل هذا لأننا لم نملك ما يؤهلنا للقتال، فلم يكن لنا نحن البشر من فرصة.. لكن مؤخراً، ظهر بصيص أمل لعله يكون خلاصنا."
في هذه اللحظة، تدخل ميرغو مرة أخرى..
"وهذا الأمل هو أنتم.. فراي ستارلايت، و سنو ليونهارت ، المقاتلون البشر الذين يستطيعون مجابهة أقوى الشياطين..
لعلكم أنتم الأمل الوحيد و هذا ما استنتجته بعد المراقبة لوقت كافي من بعيد.. مراقبة الكيفية التي نموت بها."
"ما أعرضه عليكما، هو فرصة لتحالف، و إنقاذ أكبر قدر ممكن من البشر سواءا بالإمبراطورية أو الالتراس و العمل معنا نحن البلاك اوردر لتحقيق ذلك من الظلال."
باسطاً يده لهما، دعاهما ميرغو.
"لنوحد قوانا، ضد عدونا المشترك."