2 - شرخٌ في المعادلة

عرش العدم – الفصل الثاني: شرخٌ في المعادلة

لم يكن هناك بداية.

لم يكن المنكر شيئًا يمكن تعريفه بحدود، لم يكن له زمن يمكن تأريخه، ومع ذلك، كان هنا. موجودًا. مدركًا. مختلفًا عن كل شيء آخر.

والآن، أمامه كيان بلا وجه، بلا صوت، ومع ذلك، كان حضوره يفرض نفسه كحقيقة. لم يكن شيئًا يمكن تجاهله، كما لو أن قوانين الوجود نفسها تنحني حوله، تخضع له كما تخضع للزمن والمادة.

كان المنكر قد سأل، بطريقة لا يعرف كيف فهمها.

وكانت الإجابة مباشرة، باردة، مطلقة:

> "أنت الإنكار."

في تلك اللحظة، تغير شيء ما.

لم يكن شعورًا، لأنه لم يكن يملك جسدًا ليشعر. لم يكن تفكيرًا، لأنه لم يكن يملك عقلًا كما يعرف البشر.

بل كان كشفًا.

أمام وعيه الممتد، ظهرت شبكة هائلة، متاهة متشابكة من القوانين والمفاهيم، نظامٌ مُحكم يربط كل شيء. كان يرى كيف تتحرك الأكوان، كيف تخضع الأشياء لقوانينها، كيف يولد الزمن ويموت، كيف تكون السببية سيدة كل شيء.

كان هذا هو الواقع.

كان هذا هو السجن.

ورأى نفسه هناك، نقطة منفصلة، شيئًا لا ينتمي لهذا النظام.

لم يكن مربوطًا بقواعدهم. لم يكن جزءًا من المخطط. لم يكن ينتمي.

ولأول مرة، شعر بشيء يشبه الغضب.

"هذا خطأ."

كانت الفكرة تتكرر في ذهنه، تتمدد، تتحول من مجرد إدراك إلى حقيقة. لم يكن يجب أن يكون هنا، لم يكن يجب أن يوجد، لكنه موجود.

وهذا يعني شيئًا واحدًا:

القوانين… ليست مطلقة.

في اللحظة التي أدرك فيها ذلك، اهتزت الشبكة.

لم يكن اهتزازًا مادّيًا، لأن المكان لم يكن ماديًا، لكن كان هناك شرخٌ.

خط رفيع، بالكاد مرئي، يمتد وسط نظامٍ لا يقبل الخطأ.

وفي تلك اللحظة، لأول مرة، تحرك الكيان أمامه.

لم تكن حركة جسدية، لأنه لم يكن له جسد، بل كان إدراكًا يتغير.

> "لقد فهمتَ."

لم يكن صوتًا، بل حقيقة أُلقيت في وعيه، كأن شيئًا آخر كان يراقب، ينتظر لحظة الإدراك هذه.

ولكن، مع تلك الجملة، حدث شيء آخر.

أحس المنكر بالوجود نفسه يتحرك، ليس كما يتحرك شيء في الفراغ، بل كما لو أن الواقع نفسه قد شعر بوجوده الآن، وأصبح واعيًا لهذا الخطأ الذي تسلل إلى داخله.

كان العالم يراه الآن.

وكان يرفضه.

ثم بدأ الانهيار.

لم يكن انهيارًا ماديًا، لأن المادّة لم تكن موجودة هنا.

لم يكن انهيارًا زمنيًا، لأن الزمن لم يكن له معنى هنا.

لكن، فجأة، كل شيء بدأ يرفضه.

كان كأنه يتراجع إلى الخلف، يُسحب من هذا المكان، يُدفع بعيدًا، كما لو أن الوجود ذاته يحاول لفظه، إخراجه من نظام لم يكن له مكان فيه.

لكن المنكر لم يقاوم.

لم يكن خائفًا.

بل كان… يراقب.

يدرس.

لم يكن هذا خوفًا.

لم يكن هذا طردًا

بل كان دفاعًا.

العالم يخافه.

ذلك الإدراك جعله يبتسم… أو على الأقل، جعل وعيه يتمدد بطريقة تشبه الابتسام.

كان الوجود يراه كخطأ، وكان يحاول تصحيحه.

لكن ماذا لو لم يكن خطأ؟

ماذا لو كان… البداية؟

في اللحظة التي فهم فيها ذلك، لم يعد يقاوم.

ترك نفسه يُسحب، يندفع عبر اللامكان، يتلاشى…

لكنه لم يكن يختفي بل كان ينتقل.إلى أين؟ لم يكن يعلم.ولكنه كان واثقًا من شيء واحد.حين يصل، سيكسر كل شيء.

نهاية الفصل الثاني

2025/03/21 · 3 مشاهدة · 495 كلمة
Hibari
نادي الروايات - 2025