فتحت عيني ببطء، ورأيت نفسي محاصرًا في كهف مظلم وبارد، كان الهواء ثقيلًا كالعتمة التي تحيط بي. تجمدت من الخوف، وعقلي كان مليئًا بالأفكار المروعة. كانت تلك الأفكار تتدفق كالنهر الجارف، تصرخ في داخلي: "فشلت، وستواجه عواقب رهيبة." كنت أعلم أنني سأفقد أحد أفراد عائلتي، مثلما قُتل أخي إيثان، وكانت تلك الفكرة تشعل النار في قلبي.

أغمضت عيني سريعًا، محاولة الهروب من مشاعر الخوف التي كانت تتسلل إلى أعماقي. شعرت بأنني محاصر في كابوس لا نهاية له، وأن ما يجري هنا هو نتيجة هزيمتي.

"هل أنت خائف يا أكومارو؟" جاء صوت الشيطان، عميقًا وباردًا، كأنه يخرج من أعماق الظلام. كان صوته يرن كجرس الموت، محاطًا بهالة من الرعب.

جسدي بدأ يتحرك من مكانه، ورغم محاولتي المستميتة للسيطرة عليه، كنت عالقًا، كأنني في شبكة من الفزع. همست في نفسي: "لماذا لا أستطيع التحكم في جسدي؟"

"هل أنت خائف من أن ترى أحد أفراد عائلتك يموتون؟" استمر الشيطان، ضاحكًا بسخرية. كانت ضحكته كصدى في الكهف، كأنها تعكس كل ما كنت أخشاه. كان جالسًا على عرشه، عرش مظلم ومخيف، ولكن في هذا الوقت لم يكن وحده؛ بل كان هناك شيطان آخر بجانبه.

كان هذا الشيطان يحمل رمزًا قويًا من الغموض. وجهه كان أبيض كالصقيع، وعيونه الحمراء المتقدة كانت تتقد بحماسة قاتمة، وكأنها تعكس عمق الشر الذي يختبئ في قلبه. ملامح وجهه كانت خالية من أي تعبير، تحمل نظرة ثابتة تثير الرهبة، وكأنها تحذر من الاقتراب.

شعره الأسود كان يتناثر حول رأسه كتموجات من الليل، بينما القرون التي تبرز من قمته تتجه نحو الأعلى، كالأشواك التي تنذر بالخطر. جسده النحيل كان واضحًا تحت الضوء الخافت، يعكس تفاصيل قسوة الحياة. عظامه كانت كأنها سلاسل محاطة بالظلام، بينما تتداخل خيوط داكنة تجسد الفوضى والخراب.

في وسط صدره، كان قلبٌ نابض بلون قرمزي يتلألأ، ينبض بقوة غريبة، كأنه مصدر للطاقة السلبية التي تجذب كل ما حوله.

كان واقفًا بجانب العرش، ثم نطق الشيطان الآخر: "أدرياس، فل تجلب لي جثة والدته."

شعرت بأن دمي توقف عن الحركة. جسدي بدا باردًا كالجليد، وقلبي يدق بسرعة كأنه سيفلت من مكانه. تحرك الشيطان، وأُخرجت منه هالة جعلت جلدي يذوب، حتى كدت أشعر بأن عظامي تتلاشى. ما.. ماهذه الهالة؟

"إنك ضعيف جدًا، لدرجة أنك لم تتحمل وجود تابعي. لكن هذا أفضل لك."

"كونك ضعيفًا هي أكبر نعمة تمتلكها الآن. إذا حدث وامتلكت قوة أكبر قليلاً، فستشعر بحضوري، وهذا سيكون أشد عذاب بالنسبة لك."

تلك الكلمات كانت كالسكاكين تخترق أعماق قلبي. شعرت بأنني أعوم في بحر من اليأس. لماذا يجب أن أكون هنا، في هذا الكابوس المظلم؟ لماذا يجب أن أعاني؟ لماذا أنا وليس أحد سواي؟

لحظة، لماذا جسدي يتعافى بسرعة؟ أي شخص كان ليموت بسبب هذه الإصابات، لكنني لا.

هل تعلم لماذا؟" نطق الشيطان باحتقار، وهو جالس على عرشه. "بالتأكيد لن أخبرك لأنه سيكون من الغباء فعل ذلك."

نظرت إلى الشيطان، وكانت عيوني لا تقوى على النظر. تسألت أين ذهب الشيطان أدرياس؟ •

فجأة، شعرت بشيء كروي يضرب وجهي من الخلف، وكأن الزمن قد تجمد لحظة. شعرت بوقع مؤلم، ثم بدأت الدماء تتطاير كالأمطار الحمراء، تلطخ الجدران الصخرية للكهف من حولي. نظرت خلفي بصدمة، وعيني اتسعت في رعب. لقد كان رأس أمي.

أمي الحبيبة، التي لطالما أسعدتني بلمساتها الرقيقة وكلماتها المشجعة، والتي كانت تمثل الأمل في حياتي. كنت أتذكر كيف كانت تضحك بصوتها الدافئ، وكيف كانت عينيها تلمعان بالحب عندما تنظر إليّ. كانت هي من تواسيني في أوقات الشدة، تلك الأوقات التي كنت أشعر فيها بالوحدة والخوف. أمي التي كانت تضع يديها على رأسي وتقول: "كل شيء سيكون على ما يرام، يا حبيبي، طالما نحن معًا."

أمي كانت أكثر من مجرد شخص في حياتي؛ كانت النور الذي يضيء ظلمات أيامي. عندما كنت أشعر بالضياع، كانت دائماً هناك لتعيدني إلى الطريق الصحيح. بشرتها كانت ناعمة كالحرير، وعينيها كانتا تشعان بالحب والحنان، كأنهما تريان أعماق روحي.

كانت تمتلك شعرًا رمادياً طويلًا يتساقط كالشلالات، وكانت تحب أن تضعه في جديلة رقيقة تنسدل على كتفها. كانت تبتسم لي ابتسامة دافئة، تملؤني شعورًا بالأمان، وكأن كل شيء سيكون على ما يرام طالما كانت بجواري.

عندما كنت صغيرًا، كانت تجلس إلى جانبي في المساء، تقرأ لي القصص الخيالية عن الأبطال الذين يتغلبون على الظلام. كانت دائمًا تُشدد على أهمية الشجاعة والإيمان، وتزرع في قلبي بذور الأمل. كلما واجهت صعوبات، كانت تأتي إليّ وتقول: "لا تخف، يا حبيبي، فأنا هنا معك."

لكنها لم تكن مجرد أم حنونة؛ كانت امرأة قوية. عانت كثيرًا بعد وفاة والدي، ولكنها لم تستسلم أبدًا. بل على العكس، أصبحت أكثر قوة وعزيمة. كانت تعمل بجد لتوفير كل ما أحتاجه، حتى لو كان ذلك يعني أنها ستحرم نفسها من بعض الأشياء. كانت تتحدث دائمًا عن أهمية العائلة، وكيف أن الروابط بيننا هي ما تجعلنا أقوياء.

لكن في تلك اللحظة المأساوية، رأيتها ملقاة على الأرض، ورأسها فقط هو ما تبقى منها. عينيها مغلقتين، ووجهها يبدو شاحبًا، وكأن الحياة قد تخلت عنها. كانت تلك الصورة كالكابوس الذي لا ينتهي، تتكرر في ذهني بلا رحمة، كأنها تتحداني أن أنساها.

"أمي!" صرخت، لكن كلماتي كانت كالصدى في الكهف المظلم. لم يكن هناك أي رد، سوى صمت الموت الذي كان يحيط بنا. شعرت بأن قلبي ينفطر، وكأن كل جزء مني يتلاشى مع كل لحظة تمر. كيف يمكن لعالم أن يكون بلا أمي؟ كيف يمكنني الاستمرار في هذه الحياة المظلمة، دون ضوء حبها وحنانها؟

تخيلتها وهي تعد لي الطعام في المطبخ، رائحتها العطرة تملأ المكان، وضحكتها تملأ الأجواء. أتذكر كيف كانت تحتضنني في ليالي الشتاء الباردة، وكيف كانت تدعمني في كل خطوة أخطوها. كانت رمز الحياة بالنسبة لي، والآن كان وجهها أمامي، وكأنه يجسد كل ما فقدته.

2025/01/05 · 40 مشاهدة · 865 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025