[منظور أكومارو الحالي]
لماذا لا أستطيع حتى أن أبكي؟ أشعر بحرقة في قلبي، كأن مشاعر الألم تتجمع في صدري، لكنني أجد نفسي عاجزًا عن إظهارها. يبدو أن الدموع قد جفت في عيني، وكأنها تعكس الفراغ الذي يعصف بي.
لم ألاحظ هذا في البداية، لكني الآن أدرك أن وجهي قد أصبح شاحبًا، وكأن الحياة قد سُحبت مني. شعري، الذي كان أسود كليلٍ مظلم، قد تحول إلى اللون الأبيض، وكأن الحزن والعذاب الذي تلقيته قد تركا آثارًا لا تُمحى في كياني. كيف حدث هذا؟ كيف تحولت إلى كائن لا يشبهني؟
عينيّ جافتان، لماذا لا أستطيع البكاء؟ "لماذا لا أستطيع البكاء حتى؟" صرخت، وكان صوتي يتردد في أرجاء الكهف، وكأنه يصرخ في الفراغ. كان الألم يتصاعد في داخلي، وكأن كل جزء مني يصرخ من العذاب.
نظر إلي الشيطان بنظرة استحقار، وكأنني كنت مجرد حشرة تحت قدميه. "مثير للشفقة، حثالة مثلك يصرخ أمام وجهي! هل تقول إن عينيك جافة؟ هذا جيد." كانت كلماته كالسيف، تضربني في أعماق قلبي، وكأنها تذكرني بوضعي المأساوي.
فجأة، أخرج من يده حديدة كانت تبرز ككائن غامض. كانت مدببة وحادة، تمتد من أعماق الظلام، وكأنها وُلدت من صخر الكهف نفسه. كان سطحها الخشن يلتقط خيوط الضوء الخافت، ليشع بلمعان غامض، بينما كان طرفها المدبب متأهبًا، كأنه ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
عندما انطلقت الحديدة، شعرت بدافعها المرعب كصاروخ يتجه نحوي، وكأن الزمن قد توقف لحظة. كانت تطير في الهواء، مستهدفةً صدري، بينما أسمع صوتًا يشبه الزئير في أذني. كان الألم في انتظاري، ولا أستطيع الهرب.
الحديد اللامع اخترق الفضاء بسرعة، حتى كاد يختفي عن الأنظار. شعرت بقلبي ينبض بشدة، وأذنيّ تصمّ من دويّ خطواته. ثم، في لحظة مروعة، اخترقت عيني اليسرى ووجهي، وكأنني أصبحت معلقًا في جدران الكهف. كان نصفها الأول منغمسًا في جدار الكهف، بينما الآخر مخترق رأسي، وكأنني قد تمزقت بين عالمين.
فور أن اخترقت الحديدة جسدي، تدفقت الدماء كالنهر المتفجر، تندفع من الجروح باندفاع مروّع. كانت قطرات الدم تتناثر في كل الاتجاهات، كأنها تتراقص في الهواء قبل أن تسقط على الأرض. كانت تتلألأ في الضوء الخافت، وتترك بقعًا داكنة على الصخور الباردة، وكأنها علامات على فاجعة لا تُنسى.
الألم كان يتدفق في جسدي، وكأن كل نبضة كانت تطلق صرخات من الجحيم. لم أستطع أن أصرخ، بل شعرت بشيء أشبه بالحزن العميق يتسلل إلى أعماقي. كانت اللحظة تتلاشى، وكل ما بقي هو الظلام الذي بدأ يلتف حولي، كأنني أغرق في بحر من الضياع.
كيف يمكن أن ينتهي كل شيء بهذه الطريقة؟ كنت أشعر بأنني أترك كل شيء خلفي، كل أمل، كل حلم، وكل ما كنت أعتقد أنه حقيقي. كانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها أنني لن أعود إلى ما كنت عليه، وأنني قد فقدت كل شيء.
لكن حتى مع هذا، لم أمت. حتى عندما اخترقت الحديدة وجهي، لم أمت. لماذا؟ لماذا كل ما أشعر به هو الألم؟ ما هو الذنب الذي ارتكبته حتى يحصل لي هذا؟ أسئلة تتردد في ذهني، تتصارع في أعماقي، وكأنها صرخات تتردد في فراغ مظلم.
كنت أستطيع أن أراه بعيني اليمنى بصورة مشوشة؛ صورة الشيطان تتشكل ببطء أمامي، ككائن من الظلام. كان يبتسم، لكن ابتسامته كانت تحمل في طياتها كل قسوة العالم. لم أستطع أن أميز تفاصيل وجهه، لكنني شعرت بنظراته الثقيلة تتسلل إلى أعماقي، تحاول أن تستخرج كل ما تبقى لدي من قوّة.
"لا تتجرأ على التحدث ولو بكلمة ما لم آمرك بذلك. هل تعلم من أنا؟" جاءت كلماته كالصاعقة، تتردد في عقلي. "لا تعلم، أليس كذلك؟" كان صوته عميقًا ومخيفًا، يختلط فيه الإهانة مع السخرية.
الجهل هو أخطر شيء ممكن للبشر. إنه العدو الذي يتربص في الظلال، يجردهم من القدرة على التفكير النقدي، ويجعلهم ضحايا سهلة للأوهام. لقد مات الآلاف منهم بسبب جهلهم، بينما كانوا يعتقدون أنهم في مأمن. الجهل هو السلاح الفتاك الذي يُستخدم ضدهم، يزرع الفتنة والخوف في قلوبهم، ويجعلهم يقبلون بالظلم دون مقاومة.
في أعماقي، شعرت بأنني أواجه هذا الجهل، ليس فقط كفرد، بل كجزء من كل تلك الأرواح التائهة التي لم تعرف طريقها. لماذا كان يجب أن أكون ضحية لهذه اللعبة القاسية؟ كنت أريد أن أسأل، أن أصرخ، لكن الألم كان يمنعني حتى من التفكير.
أشعر بالدماء تتدفق من وجهي، تتساقط على الأرض كأنها تمزق كل ما كنت أؤمن به. لماذا لم أمت بعد؟ كلما زاد الألم، زادت جراحي عمقًا. هل كنت محكومًا بأن أتحمل هذا العذاب الأبدي؟
في تلك اللحظة، أدركت أنني لم أعد أعيش. كنت في حالة من التشتت، بين الحياة والموت، بين الأمل واليأس. كل ما أعلمه هو أنني مقيد في هذه المعركة، وأن الشيطان أمامي يشهد على ضعفي.
فجأة، تغيرت ملامح الشيطان من الجدية إلى حالة من الدهشة، وعلامات الاستنكار ارتسمت على وجهه القبيح. نظر إلى سطح الكهف، حيث كانت الظلال تتراقص على الجدران بفعل الضوء الخافت المنبعث من جمرات نيران بعيدة. كان يبدو كمن يحاول استيعاب شيء غير متوقع، وكأن هذا المكان نفسه قد خذله.
ثم، بصوتٍ عميق مليء بالغضب، قال: "سحقاً، من الذي سمح لها بأن تأتي في هذا الوقت؟ تلك العاهرة!"
كلماتُه كانت كالرصاص، تخترق صمتي وتُشعل في داخلي نار التساؤلات. لكنني لم أشعر بوجود أي شخص آخر هنا، لم يكن هناك سوى صدى الألم الذي يتردد في صدري، كأنني محاصر في زنزانة من العذاب. كل ما كنت أريده هو أن أستسلم، أن أترك كل شيء خلفي، وأن أرتاح من هذا الجحيم.
نظرت إلى عيني الشيطان مجدداً، وكانت تلك اللحظة هي الأخيرة التي رأيتها. كان وجهه مليئاً بالاستياء، وكأنني كنت مجرد قطعة شطرنج في لعبته القاسية. وببطء، بدأت الظلال تتجمع حولي، وكأن العالم من حولي يختفي، تاركاً لي فقط شعور الوحدة والفقد.
يتبع...