وجدت نفسي في مكان غريب، حيث كانت الظلال تتراقص حولي في جو من القلق والخوف. كانت الغرفة مظلمة وكئيبة، والجدران مغطاة بخيوط العنكبوت، كأنها تروي قصصًا عن أزمنة مضت. في تلك الزاوية، ظهر أخي إيثان، وجهه مشوه بالتعب والغضب. كانت عيونه تشتعل كالجمر، وكانت شفتيه ترتعشان من شدة اللوم.

"لماذا، أكومارو؟" قال بصوت مبحوح، كأنه يأتي من أعماق الجحيم. "لماذا لم تحميني؟ كنت دائمًا الأقوى، لكنك تركتنا نواجه مصيرنا وحدنا." كانت كلماته كالسيوف، تخترق قلبي وتترك جرحًا عميقًا.

تجمعت حولي الذكريات، ورأيت ملامح أمي تتحول من شخص محب إلى شخص يملؤه الألم. كانت تقف في الظل، عينيها مليئتين بالدموع، لكنها لم تكن دموع الفراق بل دموع اللوم. "لماذا لم تكن هناك؟" كانت تسأل بصوت مفعم بالحزن. "كنت أحتاجك، أكومارو! لماذا لم تقاتل من أجلنا؟"

شعرت بعبء الذنب يثقل كاهلي، والغرفة بدأت تتقلص حولي. "أنت السبب في كل ما حدث!" صرخ إيثان، بينما كانت ملامحه تأخذ شكل أشباح من الماضي، تتلاشى ثم تعود مجددًا. كنت محاصرًا في دوامة من الذكريات، وكأنني عالق في حلقة مفرغة لا تنتهي.

تحولت الغرفة إلى ممر طويل مظلم، حيث كانت الأضواء تتلألأ بعيدًا في نهايته، لكنني كنت أعلم أنني لا أستطيع الوصول إليها. "لا تتركنا، أكومارو!" كان صوت أمي يأتي من كل الاتجاهات، يتردد في أذني كصدى الألم. "إذا تركتنا، ستبقى وحدك في هذا العذاب."

تجمدت في مكاني، بينما بدأت الأبواب تُفتح وتُغلق من حولي، كأنها تحاول أن تُخفي شيئًا أو تُظهر شيئًا آخر. كانت هناك أصوات تتعالى من كل جانب، همسات تُشبه الصرخات، تتكرر بلا رحمة. "لماذا لم تنقذنا؟"

أصبحت الغرفة أكثر كآبة، والضوء كاد أن ينطفئ تمامًا. ثم فجأة، رأيت رأس أمي، ملقى على الأرض، عينيها مغلقتين، ووجهها يبدو شاحبًا. كان يبدو وكأنها تحاول أن تنطق شيئًا، لكن الكلمات لم تكن تخرج.

"لا!" صرخت، لكن صراخي لم يكن سوى همسة ضائعة في العدم. كنت أشعر بأنني أختنق، كلما اقتربت من رأسها، كانت الغرفة تتقلص أكثر، كأنها تريد ابتلاعي. كانت عينيها، التي لطالما كانت تمتلئ بالحب، الآن خالية من الحياة، لكنها كانت تُظهر كل الألم الذي عانت منه.

تراجعت، لكن الغرفة لم تسمح لي بالهروب. كنت محاصرًا في هذا الكابوس، بينما كانت الأصوات تزداد حدة. "لماذا تركتنا، أكومارو؟" كانت تتردد في أذني، وكأنها تنبض بحياة جديدة، بينما كنت أشعر بأنني أتعرض للتعذيب.

ثم، كما لو كانت النهاية تقترب، شعرت بشيء يسحبني إلى الوراء، إلى عمق الظلام. كنت أصرخ، لكن الصوت لم يخرج. كنت أرى كل شيء يتلاشى، لكن أصواتهم كانت تتردد في رأسي. "لماذا لم تحمينا، أكومارو؟"

بعد ذلك، انفتحت الأبواب فجأة، وكأنها تُظهر مشاهد من الماضي، ذكريات جميلة كانت قد اختفت. رأيت نفسي صغيرًا، وأنا ألعب مع إيثان، وأمي تحتضني. لكن تلك المشاهد كانت تتلاشى سريعًا، كأنها تُعاقبني على ما حدث. "لماذا تركتنا؟" كانت الكلمات تتردد، وكأنها تعبر عن كل الألم الذي أحمله في صدري.

استمرت تلك الرؤى تتكرر، بينما كنت أرى أشباحًا لأحبتي، كل واحد منهم ينظر إليّ بعينين مليئتين باللوم والألم. "أنت السبب، أكومارو! أنت من تركتنا نواجه وحدنا!" لم أستطع الهروب، وكلما حاولت، كانت الأصوات تتعالى أكثر وأكثر، وكأنها تغمرني في بحار من الشك والذنب.

فتحت عيني تدريجيًا، ووجدت نفسي مُمددًا على أرض ناعمة ومغطاة بالأعشاب الكثيفة، في مكان يشبه الغابة. كانت الأشجار تتعانق فوقي، وأوراقها تتراقص برفق مع نسيم لطيف، لكن شيئًا ما كان غير صحيح. دموعي كانت تتدفق دون أن أشعر، تتدحرج على خدي كحبات المطر، وكأنها تعبر عما يجول في أعماقي.

حاولت أن أستجمع قواي لأنهض، لكن جسدي كان مثقلًا، وكأن ثقل العالم أجمع يضغط على صدري. بينما كنت أحاول فهم ما يجري، لمحت شيئًا يتحرك بجانبي. التفت ببطء، ورأيت عجوزًا يجلس على جذع شجرة، ملامحه تحمل آثار الزمن.

كان العجوز أصلع، ووجهه مليء بالتجاعيد التي تحكي قصصًا عن حياة طويلة مليئة بالتجارب. شنب طويل يتدلى فوق شفتيه، ولحية بيضاء كثيفة تتناثر حول ذقنه، كأنها سحب ناعمة في سماء زرقاء. كانت عيناه، رغم كبر سنه، تتسمان بالفضول، لكن لم يكن هناك أي أثر للحكمة.

"هل استيقظت أخيرًا، أيها الفتى؟" سألني بصوت هادئ، لكنه كان يحمل نبرة من الاستغراب. كان صوته كالموسيقى الهادئة التي تريح الروح.

"أين أنا؟" همست، محاولًا استعادة تركيزي. كان كل شيء حولي ضبابيًا، وكأنني في حلم لا أستطيع الخروج منه.

"لا أعرف بالضبط"، قال العجوز، وهو يعبس جبينه في محاولة للتفكير. "لكنني رأيتك في منتصف الغابة، ملقى على الأرض. ظننت أنك بحاجة إلى المساعدة."

شعرت بالقلق يتسلل إلى داخلي. "لماذا لم تأخذني إلى مكان آخر؟"

"لم أكن أعلم أين أذهب. كل ما في الأمر أنني كنت أتمشى هنا، وعندما رأيتك، شعرت أنه يجب عليّ أن أساعدك"، أجاب، وكان صوته خشناً.

حاولت أن أستجمع أفكاري، لكن كل ما كان يدور في ذهني هو الحزن والذكريات المؤلمة. "لماذا أشعر بأنني محاصر في كابوس؟"

أيها الفتى، مالذي رأيته حتى تبكي أثناء نومك؟" سأل العجوز، وكان في صوته مزيج من الفضول والقلق. كأنما كان يعرف أنني أتعذب في أعماقي، وأنه يجب عليّ مواجهة تلك الذكريات المؤلمة. لوهلة، شعرت بأنني عارٍ من كل شيء، وكأن نظراته الغامضة تخترق سري.

نظرت إليه بتعجب. هل كنت أبكي حقًا؟ لم أستطع تذكر تلك اللحظات الضبابية، لكنني شعرت بشيء ثقيل في صدري، كأنما كان هناك شيء مفقود أبحث عنه داخل نفسي.

توجه نظر العجوز إلى الخلف، وبدت ملامح وجهه تتجعد كما لو أنه يستدعي شيئًا من أعماق الذاكرة. ثم أخرج شيئًا من تحت عباءته. لقد كان السيف الأسود، ذلك السيف الغريب الذي لطالما كان معي في كل الأوقات، كأنما هو جزء من روحي. تلاعبت أشعة الشمس في حواف السيف، مما جعله يتلألأ بطريقة مخيفة.

"لقد كان هذا السيف بجانبك عندما رأيتك في الغابة"، قال العجوز بصوت مبحوح. "إنه سيف غريب، لأنني لم أرى مثله أبداً". كانت كلماته تتردد في ذهني، تثير فضولًا أكثر مما تثير قلقًا.

ثم بنظرة حادة، استقر نظره في عيني. "أيها الفتى، هل أنت شيطان؟".

يتبع...

2025/01/12 · 54 مشاهدة · 905 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025