انطلقتُ بسرعة إلى الخلف، محاولًا استعادة توازني. كانت الدودة العملاقة تلتف حولي، وجسدها الضخم يتحرك بانسيابية مرعبة. شعرت وكأنني محاصر، كأن الرمال نفسها تتآمر ضدي، لكنني لم أكن مستعدًا للاستسلام.
"يجب أن أجد نقطة ضعف!" زمجرت بين أنفاسي، بينما كنت أراقب تحركاتها بحذر. كانت عيناها، إن كان لها عيون، مخفية تحت جلدها المتصلب، لكن حلقها... هناك حيث تكمن الفرصة.
مع كل خطوة كنت أدرس إيقاع هجماتها. عندما انقضت نحوي مجددًا، لم أهرب هذه المرة، بل انطلقت نحوها مباشرة. رأيت فكيها ينفتحان، الظلام في جوفها كان يشبه هاوية لا قاع لها. ولكن قبل أن تبتلعني، انزلقت على الرمال، مستخدمًا سرعة جسدي في التزلج أسفلها، وفي اللحظة المناسبة، رفعت سيفي عالياً ووجهت ضربة قوية إلى البطن الرخو أسفلها.
اخترق السيف الجلد السميك، وانطلقت صرخة وحشية هزّت الأرض من حولي. ارتجف جسدها الضخم، واندفعت في الهواء للحظات قبل أن تهبط مجددًا، مثيرة عاصفة من الغبار والصخور. كنت أعلم أنني لم أقضِ عليها بعد، لكنها تلوت بجنون، وكأنها تحاول التخلص من الألم المفاجئ.
"هذا هو!" صرخت، ممسكًا بسيفي بقوة، واستعديت لهجوم آخر. هذه المرة، لن أكون الفريسة.
تحركت بسرعة، متجاوزًا الضربات العشوائية لذيلها، وبينما كانت ترفع رأسها عاليًا استعدادًا للهجوم الأخير، قفزت إلى أقرب صخرة، ثم اندفعت بكل قوتي نحو حلقها المفتوح.
كل شيء حدث في لحظة خاطفة—الهواء الذي اندفع حولي، الشعور بالسيف يخترق اللحم الحي، والصراخ الأخير للمخلوق وهو ينهار بلا حراك.
توقفت للحظة، أتنفس بصعوبة، أراقب الرمال التي بدأت تبتلع جسد الدودة ببطء. كنت منتصرًا، لكن جسدي كان يصرخ من الإرهاق.
"لقد فعلتها..." تمتمت، ثم سقطت على ركبتي، والسيف الأسود لا يزال مشعًا في يدي، وكأن الشيطان الذي يسكنه يبتسم برضى.
شعرت بجسدي ينهار، وكأن كل طاقتي قد استُنزفت مع الضربة الأخيرة. جلست على الرمال الجافة، أتنفس بصعوبة، أراقب الغبار وهو يستقر ببطء حولي. الهواء كان حارًا، يلسع وجهي كأنه عقاب على بقائي حيًا.
أغمضت عيني للحظة، محاولًا استجماع نفسي. لم أكن أعلم كم من الوقت مرّ، لكن صوت الرياح كان يتلاشى تدريجيًا، لتحل مكانه موجات من الإرهاق العميق.
نظرت إلى يدي، كانت ترتجف. السيف الأسود لا يزال في قبضتي، لكنه بدا وكأنه يثقل عليّ أكثر من أي وقت مضى. "كم أنا متعب..." تمتمت، وأنا أضعه بجانبي، أريح ظهري على صخرة قريبة.
مرّت دقائق، وربما ساعات، وأنا على هذه الحال. كنت في حالة ما بين الوعي واللاوعي، جسدي يحتاج إلى الراحة، لكن عقلي كان يقظًا، يذكرني بالمشكلة الأكبر: العطش.
شفتاي كانتا جافتين، حلقي يحترق، ورأسي ينبض بالألم. لم أشرب أي شيء منذ أيام، وكل قطرة عرق كانت تفرّ من جسدي بلا عودة. لم يكن أمامي خيار، يجب أن أتحرك.
نهضت بصعوبة، أشعر بكل عضلة في جسدي وكأنها ترفض الانصياع لي. نظرت حولي، لا شيء سوى الرمال والصخور، لا أثر للحياة، لا شجيرات ولا ظل، فقط امتداد لا نهائي من القفار.
"يجب أن يكون هناك ماء في مكان ما..." قلت بصوت مبحوح، وأنا أبدأ بالسير. كنت أعلم أن هذا قد يكون بحثًا طويلًا، وربما لن أجد شيئًا، لكنني لم أستطع التوقف.
مع كل خطوة، كان العطش يزداد، جسدي يزداد ثقلاً، ورأسي يدوخ. كنت أشعر وكأنني أتحرك داخل حلم بطيء، حيث الزمن يتمدد ولا نهاية للطريق.
بعد ساعات من المشي تحت الشمس الحارقة، بدأت الرمال تبدو وكأنها تذوب أمام عيني. رأيت انعكاسات، أو ربما كانت سرابًا، لكنني لم أملك إلا أن أتبعها.
كل مرة أظن أنني اقتربت من الماء، أجد نفسي أمام السراب ذاته، يختفي لحظة اقترابي، كأنه يسخر مني. "لا... لا يمكنني الاستمرار هكذا..." تمتمت، وأنا أترنح من التعب.
سقطت على ركبتي، نظرت إلى السماء، لم يكن هناك أي غيمة، فقط شمس تراقبني كأنها تنتظر موتي.
لكن، وسط هذا اليأس، لمحت شيئًا مختلفًا في الأفق. كان هناك شيء داكن، ليس كثبانًا رملية، بل شيء آخر... شيء بدا وكأنه ظل.
حشرت أنفاسي، وحاولت النهوض مجددًا. "إن كان هناك ظل... فقد يكون هناك ماء." كانت هذه الفكرة الوحيدة التي دفعتني للاستمرار.
واصلت السير، أجرّ قدمي بصعوبة، حتى بدأت أرى معالم واضحة—صخور سوداء، ليست كالصخور العادية، بل ناعمة الملمس، وكأنها صُقلت بعناية. لم أكن أعلم ما هي، لكنني لم أهتم.
اقتربت أكثر، وهنا... سمعت صوتًا ضعيفًا. صوت ماء!
تسارعت نبضات قلبي، وكأنني أعدت اكتشاف الحياة. هرولت، أو حاولت أن أركض رغم ضعف قدميّ، حتى وجدت أمامي شقًا ضيقًا بين الصخور، ومنه تتساقط قطرات ماء بطيئة.
كانت قليلة، لكنها كانت ماء.
رميت نفسي على الأرض، وفتحت فمي، ألتقط كل قطرة تسقط. لم يكن الطعم نقيًا، لكنني لم أهتم، كانت أعذب ما شربت في حياتي.
استلقيت على الأرض، أتنفس بعمق، أخيرًا... أخيرًا وجدت شيئًا يبقيني حيًا. لكن رغم ذلك، كنت أعلم أن هذه مجرد بداية، وأن رحلتي في هذه الأرض القاحلة لم تنتهِ بعد.
تمدّدتُ على الأرض، أراقب السماء التي بدأت تأخذ لون الغروب. كان جسدي منهكًا، كل عضلة تؤلمني، لكن الشعور بالماء وهو يبلل حلقي كان كافيًا ليبقيني حيًا. لم يكن كثيرًا، لكنه أعطاني الأمل بأنني سأستطيع المتابعة.
أغمضت عيني للحظة، أستمع إلى صوت القطرات وهي ترتطم بالصخور. كان إيقاعها هادئًا، كأنها تهدهدني للنوم. لم أكن قد شعرت بهذا النوع من الراحة منذ وقت طويل.
شعرت بالهواء البارد يلامس وجهي، مختلفًا عن الحرارة القاتلة التي عانيت منها طوال اليوم. لا أعلم إن كان هذا المكان آمنًا، لكن لم يعد لدي قوة للقلق.
عقلي بدأ يثقل، أفكاري تتلاشى ببطء. لم أعد أسمع سوى أنفاسي وصوت الماء. كانت عيناي تنغلقان رغمًا عني، جسدي يستسلم شيئًا فشيئًا.
آخر ما رأيته قبل أن يغلبني النوم، كان ظلّي المنعكس على الصخور، وسيفي الأسود بجانبي، وكأنّه كان يراقبني بصمت.
ثم... غمرني الظلام.
يتبع...