رأيت نفسي في مكان مظلم..

كان الظلام كثيفًا من حولي، أشعر وكأنني أسير بلا إرادة، قدماي تتحركان فوق أرض غارقة في الدماء. كانت الرائحة فظيعة، مزيجًا من الحديد المحترق واللحم المتعفن. حاولت التوقف، لكن جسدي استمر في التقدم وكأن قوة خفية تدفعني إلى الأمام.

نظرت حولي، وإذا بي أجد نفسي بين آلاف الجثث، مكدسة فوق بعضها البعض، مشوهة، ممزقة، بلا وجوه. بعضها كان لا يزال يتحرك، أصوات تأوهات تخرج من الأفواه المفتوحة على آخرها، وكأن الأرواح لم تغادر هذه الأجساد تمامًا بعد.

كانت العظام تتهشم تحت خطواتي، والدماء تغمر الأرض، لزجة كأنها تحاول ابتلاعي. الهواء كان ثقيلاً، كأن الموت نفسه يملأه.

رفعت رأسي، وهناك أمامي كانت تقف القلعة السوداء. كانت شاهقة، أبراجها ممزقة وكأنها شهدت ألف معركة، والنار تتراقص بين شقوق جدرانها، وكأنها تتنفس الغضب. كانت بوابتها ضخمة، محفورة عليها رموز غامضة، تشع بنور أحمر كالجمر.

لكن ما جعل الدم يتجمد في عروقي لم يكن القلعة، بل السبعة الذين وقفوا أمامها.

سبعة فرسان، واقفون في صف مستقيم، دروعهم مغطاة بالدماء والجروح، لكنهم لم يتحركوا، كأنهم تماثيل تنتظر الإشارة للانقضاض.

خمسة منهم كانوا يحملون سيوفًا، والسادس قوسًا، والسابع فأسا ضخمة، تقطر دمًا وكأنها قد استخدمت للتو. لكن الأهم كان الفارس السابع... ذلك الذي وقف أمامهم جميعًا، كأنه قائدهم.

كان يرتدي درعًا أسود بالكامل، يشع بريقًا مظلمًا، وسيفًا أسود طويلًا في يده. لم أستطع رؤية وجهه، خوذته كانت تخفيه تمامًا، لكنني شعرت بنظراته تخترقني، كأنها تحفر داخل روحي.

ثم... تحركوا.

بدأوا يتقدمون نحوي، ببطء، خطاهم ثقيلة، تصدر صدى معدنيًا، كأنهم يأتون من قاع الجحيم.

حاولت التراجع، لكن الجثث من خلفي منعتني، كأنها تمسكت بي، أيدٍ بلا حياة امتدت لتسحبني، أظافرها تخدش جلدي، أنفاسهم الباردة تلفح وجهي.

صرخت، لكن لم يكن هناك صوت.

ثم هجموا.

لم يكن لدي وقت للتفكير، فجأة، كان الفارس الأول أمامي، سيفه يندفع نحوي بسرعة لا تصدق. بالكاد استطعت تفادي الضربة، لكن الريح التي تبعتها كانت كافية لتطيح بي على الأرض.

رفعت رأسي لأرى الآخر ينقض عليّ بفأسه، استدرت بسرعة، والفأس ارتطم بالأرض بجانبي، مشققًا الأرض وكأنها قطعة من الزجاج.

لم يكن هناك مفر.

قفزت على قدمي، السيف الأسود ظهر في يدي كما لو أنه استجاب لخوفي. لكن حتى مع السلاح، كنت أعلم أنني أواجه قوة لا يمكنني هزيمتها.

أطلق الفارس الذي يحمل القوس سهمًا نحوي، استطعت بالكاد إمالة رأسي لتفاديه، لكنه مزق جزءًا من درعي، مخلفًا جرحًا عميقًا في كتفي. الألم كان حقيقيًا، الدم بدأ يتدفق بغزارة.

لم يكن هذا مجرد كابوس... هذا كان أكثر من ذلك.

انطلق فارس آخر بسيفه، سددت ضربته، لكن قوتها جعلت يدي ترتعش، شعرت وكأنني اصطدمت بجدار من الفولاذ. قبل أن أتمكن من استعادة توازني، كان الآخرون يحيطون بي، دوامة من الموت تتحرك حولي.

ثم جاء الفارس الأسود.

وقف أمامي، لم يتحرك لبضع لحظات، وكأنه كان يقيمني. ثم رفع سيفه ببطء، وأشار به نحوي.

وفجأة، اندفع بسرعة لا يمكن تصورها.

لم أستطع حتى رؤيته، فقط شعرت بالألم. سيفه اخترق جانبي، تجمد جسدي، نظرت إلى الأسفل، ورأيت الدم ينزف بغزارة. حاولت الصراخ، لكن صوتي لم يخرج.

ثم، همس لي، صوته كان عميقًا، وكأنه يتحدث من داخل رأسي.

"أنت التالي."

ثم دفعني، وسقطت...

سقطت في الهاوية، التي لا نهاية لها، حيث الظلام المطلق كان ينتظرني، وحيث آلاف الأصوات كانت تهمس باسمي.

ثم... استيقظت.

استيقظتُ بجسدي كله يرتجف، أنفاسي تتلاحق وكأنني كنت أغرق في أعماق بحر من الرعب. كانت قطرات العرق البارد تنساب على وجهي، وقلبي يكاد ينفجر من شدّة الخوف.

الظلام كان لا يزال يحيط بي، لكنه لم يكن ذلك الظلام المخيف للقلعة والجثث، بل كان ظلام الليل الحالك في هذه الصحراء اللعينة.

حاولت أن أتحرك، لكن أطرافي كانت مشلولة، وكأن الكابوس لم يغادرني تمامًا. لم يكن مجرد حلم… كنت أشعر بالألم في جانبي، نفس المكان الذي طعنني فيه الفارس الأسود. رفعت يدي ببطء، وضغطت على المكان... لا دماء، لا جرح، لكن الألم كان هناك.

"اللعنة..." همست بصوت مرتجف، بينما أنفاسي لا تزال غير منتظمة. "حتى في نومي، لا يمكنني أن أجد الراحة؟"

نظرت إلى السماء، كانت النجوم تتلألأ ببرود، لا تهتم لعذابي، لا تهتم لحياتي الجحيمية.

"أي حياة هذه؟" تمتمت، بصوت يملؤه الغضب واليأس. "لا راحة في اليقظة، لا راحة في النوم، لا راحة في أي مكان!"

صررت على أسناني، قبضتي اشتدت حول الرمال تحت يدي. أردت أن أصرخ، أن أمزق هذا العالم، أن أكسر هذا الواقع الملعون الذي لا يمنحني حتى لحظة سلام.

"كل شيء لعنة! هذا السيف اللعين! هذا الدرع اللعين! حتى أحلامي ملعونة!" ضربت الأرض بقبضتي، شعرت بألم حاد، لكنه لم يكن شيئًا مقارنة بالنار التي كانت تشتعل في داخلي.

جلست، أتنفس ببطء، أحاول السيطرة على نفسي. لكن صور الكابوس لا تزال عالقة في رأسي، الجثث، الدماء، الفرسان السبعة، والفارس الأسود الذي طعنني وهو يهمس لي: "أنت التالي."

وضعت يدي على رأسي، محاولًا إبعاد تلك الكلمات عن تفكيري، لكنها كانت محفورة هناك، كأنها رسالة لا مفر منها.

هل كان ذلك مجرد حلم؟ أم أنه شيء أكثر من ذلك؟ رؤية؟ تحذير؟ هل كان مصيري مكتوبًا بالفعل؟

نظرت إلى السيف الأسود الذي كان بجانبي، عاكسًا ضوء القمر ببرود، وكأنه كان يبتسم بسخرية.

أخذت نفسًا عميقًا، رغم أن صدري لا يزال يضيق بالرعب.

"لا خيار لي..." تمتمت، وأنا أضغط على السيف بيدي. "سواء كان حلمًا أو حقيقة... سأعرف قريبًا."

ثم، نهضت بصعوبة، نظرت إلى الأفق المظلم. لم أعد أريد النوم، لم أعد أبحث عن الراحة، لم يعد هناك شيء يُسمى "راحة" في حياتي.

كل ما تبقى لي... هو أن أستمر في هذه الجحيم.

يتبع....

2025/02/17 · 27 مشاهدة · 850 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025