"أخي، لماذا لم تلعب معي؟ ألم تعدني أنك إذا انتهيت من شرب الشاي ستلعب معي بالهاتف؟" جاء صوت إيثان كنسيم خفيف، يحمل لمحة من الإلحاح والبراءة. كان يقف أمامي، عينيه اللامعتين تراقبانني بانتظار الإجابة، وكأنما ينتظر خبرًا سيسعده.

أدركت أنني كنت غارقًا في أفكاري، متمسكًا بكوب الشاي الذي تبخرت منه رائحة العسل. كنت أسترجع ذكريات قديمة، تلك اللحظات التي عشناها معًا، عندما كانت الحياة تبدو أبسط، والأحلام أكبر.

"آسف، إيثان، كنت فقط... أفكر في بعض الأمور." ترددت في إجابتي، محاولًا استجماع أفكاري.

هز رأسه برفق، مظهراً عدم رضاه. "لكن وعدك كان واضحًا! لقد انتظرتك طويلاً!" كانت نبرته تحمل شيئًا من الإحباط، لكن عينيه البراقتين سرعان ما عادت إليهما لمسة البهجة.

"حسناً، بعد كوب الشاي هذا، سأكون معك. ماذا تريد أن نلعب؟" سألت، محاولاً استعادة تركيزي.

"أريد أن ألعب لعبة المغامرات!" رد إيثان بحماس، ووجهه يضيء كالشمس. "يمكننا أن نكون أبطالاً ونتحدى الوحوش!"

ضحكت، مبهورًا بحماسه. "بالطبع، لكن عليك أن تكون مستعداً، لأنني سأكون البطل القوي!"

أخذت رشفات من الشاي، بينما كانت أفكاري تتجول في زوايا الذاكرة. تذكرت كيف كنا نجتمع كعائلة حول المدفأة، نتبادل القصص والضحكات، ننسى هموم العالم الخارجي. كانت تلك اللحظات تعني لي الكثير، وكأنها دروع تحميني من كل ما يحيط بي.

بينما كنت أفكر، كانت إميلي تلعب في زاوية الغرفة، مشغولة بألوانها وألعابها. كنت أتمنى لو كانت قادرة على فهم مدى أهمية هذه اللحظات، كيف يمكن لأبسط الأشياء أن تجعل الحياة مليئة بالبهجة.

فجأة، دخلت والدتي إلى الغرفة، تحمل صينية صغيرة مليئة بالكعك. "هل أنتم مستعدون لمغامرة جديدة؟" سألت بابتسامة، ووضعت الصينية على الطاولة. "يمكنكم الاستمتاع ببعض الكعك مع الشاي."

"أمي! هذا رائع!" صرخ إيثان، وركض نحو الصينية. "يمكننا أن نأكل الكعك بعد أن نكمل مغامرتنا!"

"بالطبع، لكن يجب أن تأكلوا شيئًا قبل أن تبدأوا. لا أريد أن تذهبوا في مغامرة وأنتم جائعون!" أجابت والدتي، وهي تراقبنا بعيون مليئة بالحب.

بينما كنا نتناول الكعك، جلست أفكر في كم أن هذه اللحظات بسيطة، لكنها كانت تخلق لنا ذاكرة جميلة. كل قضمة كانت تحمل طعماً مميزاً، ذكرتني بأن الحياة مليئة بالأشياء الصغيرة التي تجعلها تستحق العيش.

"حسناً، لنبدأ مغامرتنا!" قلت، وأنا أضع الكوب جانبًا وألتقط جهاز الهاتف. "لنرَ ماذا سنواجه اليوم."

اجتمعنا حول الطاولة، وبدأ إيثان في رسم خريطة لمغامرتنا. "علينا أن نبدأ من هنا، حيث توجد الغابة المظلمة، ثم نتجه نحو الجبل العالي!" كانت ملامحه تعكس شغفاً طفولياً، وكنت أستمتع بمشاهدته وهو يتحدث بحماس.

أضفت لمساتي الخاصة على الخريطة، وبدأنا نخطط لمواجهة الوحوش والتحديات التي سنواجهها. كل فكرة جديدة كانت تعزز الرابط بيننا، وكأننا كنا نبني عالماً خاصاً بنا.

"تخيل أننا سنقابل تنيناً في تلك الغابة!" قال إيثان، عينيه تتسعان بالإثارة. "علينا أن نكون شجعانًا!"

"نعم، وسنحتاج إلى دروع سحرية!" أضفت، وبدأت أستعرض بعض الأفكار حول الأسلحة السحرية التي يمكن أن نستخدمها.

بينما كنا نتخيل مغامرتنا، شعرت بشيء يتسلل إلى قلبي، كأنه شعور بالسكينة. أدركت أن هذه اللحظات، رغم بساطتها، كانت تعني لي أكثر مما يمكن أن أصفه بكلمات. كانت تمثل ملاذاً من عالم معقد، وحياة مليئة بالتحديات.

ومع صوت ضحكاتنا التي تملأ الغرفة، شعرت بأن الحياة، رغم كل ما تحمله من صعوبات وأسرار، كانت مليئة باللحظات السعيدة التي تجعل كل شيء يستحق العناء.

[منظور أكومارو الحالي]

فتحت عيني بصعوبة أمام ضوء الشمس الساطع الذي تسلل من بين أوراق الأشجار الكثيفة. شعور خفيف من الصداع يرافقني كأنما يضغط على جبهتي، مما جعلني أتمتم بكلمات غير مفهومة. بدأت أنهض بصعوبة، محاولاً استجماع قواي، لكن جسدي كان متعبًا، وكأن كل خلية فيه تستنكر الحركة.

"جيد!" قلت لنفسي، محاولاً تشجيع ذاتي. على الأقل أشعر بقليل من التحسن، على الرغم من أن إصابتي لم تتعافَ بعد. كانت الآلام تتردد في جسدي كصدى بعيد، تأبى أن تترك لي مجالًا للاسترخاء.

"اللعنة!" انفلتت الكلمات من بين شفتي كأنها صرخة في الفضاء الواسع. يبدو أنني سأعاني لفترة طويلة من هذه الآلام، التي تذكرني بالتجارب المريرة التي مررت بها.

أسلقيت مجددًا على الشجرة، شعرت بملمس اللحاء الخشن تحت ظهري، وضعت يدي على وجهي، محاولاً حجب أشعة الشمس الحارقة. أتمنى لو أعود مرة أخرى إلى منزلي الجميل، حيث كان كل شيء يبدو أسهل، حيث كانت الضحكات تعلو فوق الهموم. صحيح أنني لم أكمل دراستي بسبب الفقر الذي عانينا منه بعد موت والدي، حيث كانت تلك الأوقات مليئة بالصراخ والدموع، لكنني قررت أن أعمل لأجل أن أوفر المعيشة لعائلتي: أمي، أختي، و... أخي.

أخي إيثان! بدأت دموعي تنزل كالمطر، تتدفق بحرية من عيني، وكأنها تعبر عن كل ما عجزت الكلمات عن قوله. بعيوني الحادة التي تحمل كل الحقد والغضب والرغبة في الانتقام، كنت أشعر بأنني محاصر بأفكاري المظلمة.

"أقسم أنني سأفعل المستحيل حتى أنتقم من ذلك الشيطان الوغد؛ أقسم أنني سأجعله يعاني أكثر من معاناتك يا أخي." كانت كلماتي تخرج من أعماق قلبي، ملتهبة كالنار، تعكس كل الألم الذي عشته.

فقط انتظر، يا أخي... سحقًا! بدأت أضغط على أسناني من الغضب والحزن، شعور مرير يختلط في صدري، وكأن البركان يغلي داخلي.

علي الآن مغادرة الغابة اللعينة. نظرت حولي إلى الأشجار المظلمة التي كانت تحيط بي، وكأنها تشهد على معاناتي. كانت الرياح تعصف بالأوراق، وتخلق أصواتاً غامضة، كأن الطبيعة نفسها تحذرني من البقاء هنا.

تلمست الأرض تحت قدمي، شعوراً بالوحشة يرافقني مع كل خطوة أقطعها. بدأت أتقدم نحو مخرج الغابة، حيث كانت الأشجار تتضاءل شيئًا فشيئًا، وتسمح لأشعة الشمس بالتسلل بين الأغصان. كان الضوء يرقص على الأرض، كأمل يتجدد في قلبي رغم كل الآلام التي أواجهها.

أخذت نفسًا عميقًا، محاولاً طرد الأفكار المظلمة التي كانت تلاحقني. كلما اقتربت من حافة الغابة، كان صوت الطبيعة يتغير؛ زقزوقة الطيور أصبحت أكثر وضوحًا، وصوت الرياح أصبح أقل حدة. شعرت وكأنني أبتعد عن كابوسٍ كنت عالقًا فيه.

تقدمت بخطوات حذرة، عيني تتنقل بين الأشجار، أفتش عن أي علامة على وجود الخطر. كان قلبي ينبض بسرعة، وكأن كل نبضة فيه تذكّرني بالوضع الذي كنت فيه. كل ورقة تسقط، كل غصن ينكسر تحت قدمي، كان يذكرني بمدى هشاشة هذه الحياة.

عندما وصلت إلى حافة الغابة، نظرت إلى الوراء للمرة الأخيرة. كانت الأشجار تقف كأبراج مظلمة، تشهد على آلامي وأحلامي المكسورة. أتمنى ألا أعود لها مجددا"٬ همست.

ثم، عبرت إلى الجانب الآخر. شعرت بالهواء النقي يملأ رئتي، وكأنني أستعيد حياتي من جديد. كانت الأرض هنا أكثر انفتاحًا، والأفق يمتد بعيدًا، وتحيط بي ألوان الزهور المختلفة التي تضيء المكان.

أخير٬ سأخرج من هذا الجحيم....يتبع

2024/12/25 · 56 مشاهدة · 977 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025