رواية طريق المجد

-
-

عض قاسم شفتيه ثم خرج وعاد لتقطيع الأخشاب التي تراكمت بجانب كوخه، فقد اعتاد أهل القرية على أخذ أخشابهم له لتقطيعها ثم بيعها في السوق وبعدها يتقاسمون معه الأموال.. استمر بتقطيعها من الظهيرة حتى غروب الشمس، ثم نظر لكفيه ولكمية الأخشاب التي قام بتقطيعها.. ففي العادة كان يقطع هذه الكمية في عدة أيام تقريباً ولكنه أنهاها في وقت قصير جداً، وشعر بتدفق الطاقة خلال جسده كله وتغير ملحوظ في عضلاته جميعها، أصبحت مشبعة بالطاقة السحرية.
وبعدها انطلق للنهر القريب ثم استحم وعاد لمنزله وغطّ في نوم عميق بعدما أكل الأرنب الذي اصطاده أثناء عودته من النهر.

وفي صباح اليوم التالي استيقظ على صراخ ميار من الخارج، ثم رد عليها بصوت عالٍ هو الآخر
:-قادم"

ثم غسل وجهه بسرعة وتوجه للخارج وما إن خرج حتى استقبلته ميار بسحر الرياح، وكاد أن يرتفع من مكانه من شدتها، وكان من الطبيعي أن يغضب على فعلتها فقد آذته قليلاً بيد أن قاسم قد اشتعل حماساً
:- إن هذه المهارة رائعة يا ميار"

في الحقيقة هي كانت تريد أن تغضبه قليلاً ولكن يبدو بأنها زادت حماسه لا أكثر ثم تحمحمت
:- بالطبع رائعة والآن حان وقت حسابك أيها العاق"

:-ما قصدك بالعاق؟"

:-تقدم وستعلم قصدي"

:-لن تهاجمي صح؟"

:-هممم لا أدري ربما!"

:-حسناً حسناً لقد فهمت، وأعتذر لأني لم آتي لرؤيتك بعد عودتنا من المهمة، ولكي أعوضكِ سوف أخبركِ بكل شيء حدث حينها"

:-دع عذرك لك أيها الأحمق، ولا تنسَ بأن والدي كان قائد المهمة، فقد أخبرني بكل شيء بعد عودته"

:-اسمعي وركزي معي يا صديقتي العزيزة ميار، تعلمين هوسي بالتدريب، فبعد عودتنا أردت اختبار الأشياء التي تعلمتها ولذلك توجهت للغابة ومن المنطقة الأقل خطورة!"

:-صديقتي العزيزة ها؟ وكأني لا أعرفك، قلت المنطقة الأقل خطورة، تقدم ودعنا ننهي هذا الجدال في نزال بيننا"

:-حسناً حسناً، سأحضر السيف الخشبي"

:-استعمل كل الخدع في جعبتك وإن استطعت لمسي بالسيف الخشبي، فأنت الفائز"

:-أنا مستعدا الآن، لنبدأ"

ابتسم قاسم بخبث ثم ركز بعض من الطاقة في قدمه لكي يتحرك بسرعة ويناور هجمات ميار وفي الجهة الثانية، كانت ميار قد جهزت طلقات بسحر الرياح خاصتها وبالكاد تكون واضحة، بعدها أطلقت هجوم واسع المدى عبارة عن عواصف صغيرة وبالكاد تحمل فيها قوة، غير أنها سريعة.
أحكم قاسم قبضته ثم انطلق وسط السحر الذي أطلقته ميار، ثم بخفة حركة منه بدأ بشق العواصف وتبديدها، فقد كانت نظريته بسيطة جداً، كان يهاجم العواصف السحرية من الاسفل ثم يطلق طاقته السحرية فيها وهكذا استمر حتى اقترب منها، وما إن وصل لمسافة تمكنه من لمسها بالسيف حتى سقط على الأرض ثم انفجرت عليه ميار من الضحك، وبعدها أعلن استسلامه ثم أخبرته بأنها وضعت بعض الفخاخ من سحر الرياح قبل أن يستيقظ أصلاً، وهكذا عاد وجه قاسم لطبيعته بعدما كان ممتلئ بالتساؤلات الكثيرة.

:-بالرغم من غشك إلا أنكِ مذهلة حقاً"

:-أحممم... أرى بأن الجلوس على الأرض أعجبك!"

:-آه حسناً!"

"سيبقى أحمقاً طول حياته" هكذا قالتها في نفسها ثم مدت يدها
:- خذ بيدي ودعنا ندخل كوخك قليلاً لنتحدث!"

في الحقيقة لم يحب أن يدعو أحداً لكوخه أبداً؛ غير أنه لا يمانع.. وما إن دخلو الكوخ...

:-لا تقولي شيء يا ميار، أعلم بأن المكان غير مرتب أبداً وهنلك سببٌ لكل هذا"

:-كالعادة مهمل، لا شيء جديد. المهم سأدخل صلب الموضوع بلا مقدمات، لقد اخترت الدخول للقسم المتخصص في سحر الرياح، وبالطبع لن تكون الاختبارات صعبة بالنسبة لي أبداً، ماذا عنك؟ هل ستدخل قسم الفرسان السحريين؟"

:-في الحقيقة أنا متردد يا ميار، أفكر بالدخول لقسم الفرسان ولكن في الوقت ذاته أريد التعمق في السحر، أشعر أن طاقتي السحرية كبيرة جداً ومسار الساحر أفضل لي. ولكن لماذا تحدقين في شكلي بهذه الطريقة، هل أخطأت في شيء؟!"

:-اندهشت فقط لا غير، هيا لنذهب إلى منزلنا، فقد توقعت أمي هذا بعدما سمعت شرح والدي ما حدث أثناء فتحهم لأوردتك، وأمرتني أن أحضرك لها في حالة أنك ترددت أو قررت الدخول لقسم السحرة"

:- حسناً!"

قالها بلا تردد؛ لأن الفضول قد اجتاحه تماماً. واصلا المسير حتى وصلا لوجهتيهما، وما إن فتحت الباب حتى رأى السيدة بشائر والحداد منير ينتظرانه على المنضدة"

:-إلى متى ستضل واقفاً عند المدخل؟"

:- آه... اعذريني، تفاجأت قليلاً"

:- نعرفك منذ نعومة أظافرك، فقد توقعنا مجيئك مسرعاً بسبب فضولك. على كل حال تعال اجلس"

وما إن جلس قاسم حتى أحضرت بشائر كرة زجاجية ثم وضعتها أمامه، ثمّ تحدثت له بجدية تامة...

:-اسمعني جيداً يا فتى، هذه الكرة لقياس الطاقة السحرية، وبحسب ما أخبرني به منير، ستكون طاقتك فائضة لدرجة أن هذه الكرة الكريستالية ستكسر، ولذلك سأضع على صدرك تعويذة تحدّ من تدفق الطاقة وتختمها، لتترك لك الربع منها فقط.

انفعل قاسم بعدما سمع كلامها وفي الحقيقة شعر بالصدمة قليلاً

:- ولكن لماذا كل هذا؟، ألا يحق لي التمتع بهذه القوة وإظهارها؟، وهذا ما كنت أحلم به دائما..أعتذر ولكني لا أفكر بختمها وسوف أتصدى لكل معتدى"

تراجعت ميار خطوة على الخلف، واندهشت من ردة فعله الحادة..
:- قا...."

لم تكمل كلامها بسبب الصوت المدوي، فقد ضرب منير الطاولة بيده اليمنى

:- أيها الأحمق، أتريد ترك هذه الدنيا قريباً؟ لماذا لا تفهم بأن هنلك من يسعى خلف طاقتك؟"

:-أعتذر على وقاحتي، لم أقصد شيء خاطئ ولكني أستطيع الدفاع عن نفسي"

:- هل يجب أن أذكرك يا قاسم؟"

عندها انطلقت هالة قتل مخيفة، وكأن ضباباً ذات لونٍ أسود قاتم أحاط بهم، ثم أغمي على ميار وكاد الآخر يلحقها، بيد أن بشائر أوقفت منير وأخبرته بألا يتهور وعنفته قليلاً

:- منير أيها الأحمق، انظر لميار فقد أغمي عليها بسببك، تبا عليك أن تتعلم كيف تمسك نفسك قليلاً.. وأنت يا قاسم هل فهمت ما قصده منير عندما أطلق هالته؟ أتظن أنك تستطيع التعامل مع المغتالين بوضعك هذا؟"

العرق البارد غطى وجهه تماما ثم نطق بتردد
:- أعتذر، كنت قصير النظر ولم أدرك ما حولي، ولكن لا بد لي من إظهار قوتي حتى أتخطى الإختبار وأستطيع المبارزة"

:-لماذا لم تستمع للشرح كاملاً؟ أتظن أنه بقوتك هذه ستخترق السماء؟ فبالرغم من أن تدفق الطاقة عندك هائل غير أن قوتك لا تساوي شيء بالنسبة للمحاربين الأشداء، وأما الختم الذي تحدثت عنه بشائر، لن يفعل شيء بقوتك أبداً ولكنه سوف يختم تدفق الطاقة الزائدة، إلى حين تحكمك بها!"

في هذه اللحظة احمر وجه قاسم من الخجل، فقد أدرك الخطأ الذي اقترفه عندما رفع صوته بتلك الطريقة، ثم انحنى قليلاً واعتذر مرة أخرى منهم، وبعدها نظر لوجه ميار التي وُضعت على ذلك الكرسي الخشبي، وهي الآخرى بدأت بفتح عينيها ولكنها لم تنطق بشيء، بعدها تقدم قاسم ووقف أمام بشائر كما أمرته، ثم وضعت يدها على صدره وبدأت بترتيل تعويذة طويلة استمرت لعدة ساعات، وما إن انتهت حتى بدا وجهها شاحباً بسبب الطاقة التي وضعتها في الختم، وما إن نظر قاسم مرة أخرى في وجهها ثم عاد لينظر للأسفل، ولكنها مدت يدها ولمست وجهه وجعلته ينظر في عينيها

:-لا تشعر بالأسف يا صغيري، هي كانت ردة فعل لا أكثر، ومنذ الآن عليك أن تتبع طريق السحر لكي يأتي اليوم الذي تطلق العنان لطاقتك ثم تقف في القمة"

لم يقل شيء ولكنه نظر في عينيها وابتسم فقط، ولكنها كانت كفيلة أن تضع النقاط على الحروف، بالرغم من أنها ابتسامة صغيرة بيد أن عينيه كانتا كشعلة لن ينطفئ بريقها أبداً.

-
-
-
-
-
-
-
-