في اللحظة التي تحدثت فيها تلك المرأة التي ظهرت من العدم، بدأت همسات المختبرين ترتفع وكأنهم ربحوا بعد مقامرة كبيرة، حيث أنهم سُعِدوا بكونهم اعتقدوا أن ميار غشت في الاختبار الأول، وأما قاسم فقد كان ينتظر ردة فعل ميار ليتخذ موقفه ويدافع عنها بالطبع، ولكن الجميع تفاجأ من ردة فعلها...

:- آه.. حسناً، قادمة"

تقدم قاسم وأمسك يد ميار:- أعتذر على وقاحتي أيتها المشرفة، ولكن ميار لم تغش بل اجتازت الاختبار بقوتها وذكاءها"

:-هل تعارض قراري أيها الفتى؟"

:- لا ولكن إن كان قرارك استبعادها، فأنا أيضاً أبعِد نفسي، ما فائدة السعي بدونها"

في تلك الأثناء احمر وجه ميار وأرادت التحدث، ولكن المشرفة لم تسمح لها وقاطعتها مباشرة :- حسناً، أنت أيضاً لن تختبر"

صوت آخر ظهر من الحشد:- أنا أيضاً سوف أنسحب!"

نظر قاسم في اتجاه الصوت:- ماذا يزن؟ ولكن لماذا؟"

:- ما فائدة مدرسة لا تقدر المواهب؟ وعلى كل حال أنت غريمي الأول، ولذلك إن كنت لن تتدرب هنا، فلن أفعلها"

بدأت المشرفة تضحك بشكل هيستيري وحماسها قد اشتعل أيضاً

:- هل هنالك من يعترض غير هذا العامي وذلك النبيل... حسناً ببدوا بأنه لا أحد غيرهم، هيا اتبعوني الآن!"

رد الثلاثة في وقت واحد" حسناً"

بقية المتدربين، بعضهم كان يصرخ بصوت عالٍ" هذا ما تستحقونه" "لا نريد رؤية متدربين يستعملون الحيل في الاختبارات" "ارحلوا" " لا تنسى أن تتبعها حتى في الهاوية" أنهى جملته بضحكات ساخرة

التفت قاسم الذي سمعه ثم صرخ بأعلى صوته :-لا عليك، لن أنسى، ولكنها لا تسقط أبداً فأنا السند"

ثم عاد للجري مرة أخرى حتى لحق بهم للمكان الذي توقفت فيه المشرفة، وبعدها دخلوا لغرفة واسعة جداً، تُستخدم للتدريب غالباً، ثم نظرت المشرفة لقاسم ويزن :- ماذا أفعل بكما الآن؟"

:-ها؟!!" لم يفهم يزن شيء فقد كان يتبع إرادة قاسم فقط

:- يا صاحب الشعر الفضي، استخدم درع المانا، وأنت أيها الهزيل، استخدم درع الهالة، ثم قفا على وضعية ركوب الخيل وحافظا على هذه الوضعية مدة ثلاث ساعات، وبعدها سوف يبدأ الاختبار "

تحدث قاسم:- سوف أعود للاختبار الآخر"

:- لحقت بها بنية أنك ستطرد والآن تريد الرجوع للاختبار الأسهل؟!!"

انفجر قاسم من الضحك وبعدها تبعته ميار، تاركين يزن والمشرفة في حيرة من أمرهما

:-حسناً... أولاً أنا أعتذر وثانياً كنت أعلم بأنها لن تطرد، وأن ذلك الاختبار لم يكن ليظهر شيء من موهبتها، ولهذا أحضرتها هنا أيتها المشرفة لتخوض اختباراً آخر."

:- ولماذا تبعتنا؟"

تحدثت ميار التي كانت تضحك بشدة :- الفضول، إن قاسم يعتبر كومة فضول أيتها المشرفة، رمى نفسه هنا بسبب فضوله فقط"

:-يبدوا بأنكما أصدقاء منذ الطفولة، وماذا عن الفتى الهزيل؟"

:- ماذا عني؟ تبعت هذا الأحمق فقط، لم أكن أعلم شيء عن فضوله وإلا كنت قد خمنت سبب ردة فعله، ظننتها بسبب صداقتهما، بالرغم من معرفته بميار وبمستوى هذا المدرسة العريقة، فقد كان من المحال طردها بسبب شيء كهذا!"

:- يبدو بأن عقلك يعمل قليلاً، حسناً سوف أخفف ساعة منك وأهديها لسيد الفضول!"

:-مهلاً مهلاً أيتها المشرفة لم نتفق على هذا!"

:-ومن طلب منك أن تتفق معي على شيء؟"

حك قاسم ذقنه قليلاً:- حسناً لا بأس، مجرد أربع ساعات لا تعتبر شيء بالنسبة لي، هل أبدأ؟"

:-أوووه أكيد! وعليك أن تعلم بأنه إن فشلت فسوف تطرد حقاً ولا جدال في هذا"

ابتسم قاسم ثم باشر بالوضعية التي أخبرته بها، وما إن بدأ حتى أمرت رجل كان قد مر بجانهم، أمرته أن يحضر الخشب الثقيل، من اسمه كان ثقيلاً حقاً، وما إن أحضره أمرت قاسم أن يرفع يده، ولم يستطع المخالفة مخافة أن يطرد أو تزيد العقاب عليه، ثم حولت نظراتها ليزن

:- وأنت ماذا تنتظر؟!"

لم يقل شيء بل عبس ثم باشر بالوضعية، وفي الحقيقة هذه الوضعية متعبة جداً حيث أنها تستهلك قدرة التحمل بشكل كبير وتضع ثقلاً على الركبتين، وفوق هذا سيكون على أحدهما تفعيل درع المانا والآخر درع الهالة، أي أنه سيتم استهلاك القدرة الجسدية والعقلية في نفس الوقت، فاستخدام السحر أو الهالة يتطلب ذهن صاف وتركيز كبير، ناهيك عن التلاعب به..

:- أيتها الشقية، ألهذه الدرجة سعيدة، حسناً حسناً لن أعكر مزاجك ولهذا اسمعي التالي، عليكِ أن توزعي درع المانا حول جسدك وفي نفس الوقت استخدمي سحر الرياح وحاولي أن تطفي فوق الأرض قليلاً بارتفاع خفيف لكي لا تتأذي من السقوط"

:- ولكني لم أفعلها من قبل؟!"

:-هذا هو اختبارك، عندما يكون بإمكانك الحفاظ على توازنكِ بينما قدماكِ مرتفعتان عن الأرض ولمدة نصف ساعة، سيكون هذا نجاحك"

عبست ميار ولكنها لم تقل شيء، تخاف أن تُثقل المشرفة عليها أكثر وأكثر، ثم أغلقت المشرفة الباب ووضعت مشرف آخر ليراقبهم، ثم جلست ميار على الأرض وبدأت تفكر في الطريقة التي تمكنها من التحليق ولو قليلاً، فبالرغم من مهارتها في التلاعب بسحر الرياح، غير أن الوقوف في الهواء شيء مختلف، يحتاج لتركيز عالٍ وتوازن كبير، وبالرغم من جدال قاسم ويزن في الجهة المقابلة، كانت ميار تضع كل تركيزها في التدريب، وبعد مرور ثلاث ساعات، دخلت المشرفة وحدقت في يزن الذي كان يتنفس الصعداء، وما إن أخبره المشرف أن وقته انتهى، جلس على الأرض وبالتحديد استلقى على ظهره...

:-كان هذا غير متوقع من ساحر، أن يصمد كل هذه المدة، يبدوا بأنك دربت جسدك جيداً ولهذا أتقنت درع الهالة قليلاً، هذا جيد فقد كنت أنوي أن أجعلك تشعر بالإرهاق ثم آمرك بالإعتناء بقوتك الجسدية أيضاً وألا تركز على السحر فقط"

:- اعذريني أيتها المشرفة، ولكني محارب ولست ساحر"

انصدمت المشرفة من ردة فعله، فجسده النحيف لا يوحي بأنه محارب، بالرغم من استخدامه للهالة، ولكنها لم تظهر أي تعبير وكأنه أمر عادي، بل شجعته على الاستمرار، فبالرغم من ضعف جسده إلا أنه لم يستسلم أبداً بل واصل التطور ومضى قدماً.. بعدها بدأت تحدق في قاسم، لم يبدوا مرهقاً كثيراً، وقد كان يتنفس بوتيرة ثابتة بالرغم من الخشب الثقيل الذي كان على يديه، فقد كانت المشرفة تركز على تلك العروق التي ظهرت في يديه، توضح مدى ثبات قاسم ومقدار الجهد الذي بذله لتطوير جسده، ومن باب التحفيز تحدثت له :- ستكون محارباً عظيماً في المستقبل، أكمل على هذه الوتيرة فقط!."

أراد قاسم أن يضحك، ولكنه كتم ضحكته وابتسم، بيد أن ميار فقدت تركيزها وبدأت بالضحك، ثم بادرت بالاعتذار، ولكن المشرفة انفعلت حقاً وسألتها بعنف..

:-أهنالك ما يدعو للضحك حقاً؟ أم أني بدأت أطلق النكت بلا وعي؟"

:- أعتذر بشدة منك أيتها المشرفة، وسوف أخبرك السبب ولكن رجاءً لا تنفعلي ولا نريد القول بأن نظرتك خاطئة، إن قاسم ساحر وليس محارب، وسوف ينظم لقسم السحرة"

صدم يزن الذي كان ينظر في وجه ميار وهي تتحدث وبعدها صرخ في وجه قاسم :- ظننتك ستكون محارب، ماذا عن وعدنا؟ ألن نخوض مبارزة بيننا؟"

:- اصمت!" هكذا قالتها المشرفة بصوت عالٍ، فقد صُدمت هي الأخرى ولكنها لم تنطق فقد كانت تريد الرد على ميار لأنها شعرت بالإحراج عندما قالت" لا نريد القول بأن نظرتك خاطئة" أحست بالغضب قليلاً، وكأنها قالت العكس تماماً، وأرادت أن تنتقم قليلاً بعدما حدقت مطولاً في قاسم... :- يبدو بأنك اهتممت بقوتك البدنية أكثر من السحر، لن أسأل عن دافعك أو شيء من هذا القبيل، بل أريدك أن تظهر لي قوتك السحرية قليلاً، وبإمكانك التوقف عن هذا التدريب، فلن ينفعك كثيراً، بحكم بنية جسدك!."

:- لكِ هذا أيتها المشرفة"

- - - - - -

2021/02/02 · 133 مشاهدة · 1112 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024