وصلوا للقرية بعدما طبعت المناظر الخلابة في عقل قاسم فقد كان يقظا أغلب الوقت، ووضع بعض الخطط للترحال دون الاعتماد على العربة وإنما على الخيل فقط حتى يأخذ راحته في التمتع بالطبيعة وزيارة كل بلدة تقع عليها عيناه، ولهذا السبب بالتحديد شعر بالإرهاق بعد نزوله من العربة، فقد استغرقت المسافة عدة أيام...

ثم ودعهما وذهب لكوخه حتى ينال قسطاً من الراحة.
وفي صباح اليوم التالي استيقظ ثم أخذ يرتب المخطوطات السحرية التي تركت له والرسالة أيضاً أخذها معه ولم ينسَ سيفه...

وما إن خرج من كوخه حتى شعر بشيء خاطئ وكأن الهواء ثقيل جداً...
نظر حوله ثم ظهر رجل غريب أمامه وقد مد يده لمسك عنق قاسم وفي تلك اللحظة خرج رجل آخر من العدم واستخدم مهارة سحرية قطع بها يد المهاجم وتناثرت الدماء في وجه قاسم وتجمد لبرهة في مكانه من الخوف فلم يكن المشهد مألوف بالنسبة له حتى وإن كان يملك القوة فما يزال صغيراً لم يقتل أو يطعن انسان من قبل، ولهذا السبب بالتحديد لم يعلم ماذا يفعل، تراجع خطوتين ثم سقط على ركبتيه فقد خارت قواه قليلاً، حتى استوعب الأمر قليلاً.

وبعدما قطعت يده تراجع وفقد توازنه ثم التفت لينظر في المهاجم، ولم تبقى ملامحه هادئة أبداً فقد اشتاط عضبا ثم صرخ :- أين الحواجز أيها الحثالة بسرعة قبل أن يتدخل أحد آخر وأريد حاجزا لي حتى أوقف الدماء وأعالج يدي وأتخلص من هذا الألم"

وما هي إلا لحظات حتى تفعل الحاجز السحري وبعدها ظهر ثلاثة رجال من الغابة وكان خلفهم أربعة آخرين يحافظون على الحاجز حتى لا يستشعر أهل القرية أو أياً كان بما يحدث معهم، حتى الطاقة السحرية لم تتسرب من خلال الحاجز أبداً...

استل قاسم سيفه ومسح الدماء من وجهه وبعدها وزع طاقته ومزج الهالة بدرع المانا ثم تحدث أحدهم
:- يبدو بأن المعلومات كانت صحيحة، أخيراً وجدنا ضالتنا"

:-من أنتم وماذا تريدون؟ وأنت أيها الرجل الموقر التقينا مجدداً، هل تعلم ما يحدث هنا؟" بالرغم من وقفته التي توضح تردده والخوف الذي فيه إلا أن نبرته كانت هادئة جداً

:- أظنهم يريدون أخذك معهم ولكن لا عليك، أنا هنا!"

وما إن انتهى من كلامه حتى هاجمه الرجال الثلاثة من ثلاث جهات، كانت سيوفهم تشع في كل تلويحة وفي كل حركة يقومون بها وكذلك الرجل المسن، كانت ردود فعله رهيبة حقاً، وكانت الدوائر السحرية التي تدور حوله متزامنة مع السيوف المتوجهة له وكأنها تنجذب لها..

:-سوف نخلصك من بؤسك أيها المسن لا تحزن" قالها الرجل الذي هاجم من اليمين

:-أوه حقاً؟"
كان رده مختصراً ولكن في اللحظة التي اقتربت سيوفهم منه، ظهرت دوائر مسطحة ذات لون فضي لم تكن بالكبيرة وليست صغير أيضاً ولكنها كانت كفيلة بصد كل هجماتهم، ثم انتقل من مكانه بسرعة كبيرة وكأنه اختفى فجأة...

تحدث أحد المهاجمين والقلق باد على وجهه:-انتبهوا، ليس بالرجل السهل علينا أن نتخلص منه بسرعة قبل أن يلاحظنا محارب آخر من هذه القرية، فنحن في عرين الأسود!"

:-تعلمون بأن هذه القرية تعتبر عرين الأسود وبالرغم من هذا تهاجموننا فيها؟!"

:-اصمت أيها المسن، ستكون نهايتك هنا والآن"

:-للأسف لا أستطيع الموت الآن"

:-لقد انتهيت من علاج يدي، سوف آخذ الفتى وأنتم عليكم به أنتم من القادة، لا أظن بأن رجل واحد قادر على إيقافكم!" تحدث الرجل ذو اليد المقطوعة، ولم يكن العلاج كبير غير أنه أوقف النزيف والألم فقط

كان كلامه يحمل القليل من السخرية وذلك بسبب مكانتهم في تلك المنظمة، فقد كان الرجال الثلاثة من القادة الكبار حقاً وهذا يعني أن الرجل المسن كان شيء لم يتوقعوا وجوده، لم يستشعروا قربه منهم من الأساس!

:-هممم سنرى إن كنتُ قادراً على إيقافهم!"
ثم رفع يده للأعلى وتغير شكل الدوائر إلى رماح كثيرة وبدأ يطلقها عليهم، ولكنها لم تكن كفيلة بقتلهم غير أنها أحدثت بعض الضرر، فقد راوغوها واستخدموا طاقتهم السحرية لصد الرماح التي لما يستطيعوا مراوغتها

ثم تحدث أحدهم بصوت خافت"القتل الصامت"

اختفى وظهر خلف الرجل المسن ووجه خنجراً لينحر عنقه، ولكن هيهات...

:-حركة غبية أيه الشاب!"
قالها ثم نشر هالته وغطى جسده بدرع فضي امتزج بجلده، ولم يتسبب الخنجر بأي خدش فيه وبعدها ردد الرجل المسن نفس كلام القاتل:- القتل الصامت"

ظهرت نسخة منه خلف القاتل وطعنته في بطنه ثم اختفت النسخة ولحسن حظه تجنبها في آخر لحظة، فلم تكن الطعنة عميقة، ثم تحدث الرجل المسن مرة أخرى:- أحببت المهارة!"

ابتعد القاتل بسرعة ووجه كان شاحبا، فكيف يتقن أحدهم هذه المهارة بسرعة وكيف تجنبها ذلك الرجل المسن أصلاً، فلم يكن محارب بل ساحر، كانت التساؤلات كثيرة ولم يستطع معالجة كل شيء، بل أراد تسريع العملية والرحيل بأسرع وقت ممكن ثم تحدث للرجل المقطوعة يده

:-بسرعة أيها الأحمق، لا أظن بأننا نستطيع إيقافه دون استهلاك طاقتنا كلها"

:- حسناً حسناً فقد تعافيت تماماً!.. والآن حانت نهايتك أيها الطفل"

:- أعترف بأني لا أملك القوة ولكن لا تتوقع أن أسلم نفسي هكذا، سوف أحرق كل قطرة من دمي، وعلى الأقل إن خسرت فسوف تأخذ جثتي فقط!"

:-طفل وقح"
أنهى كلامه ثم هاجم قاسم بطلقات سحرية ولكن حركة قاسم كانت سريعة فقد تجنبها وكأن الطلقات السحرية تمر من خلاله

:-مراوغة جميلة، ذكرتني بوالدك حتى وهو مسمم كاد يقضي علينا، ذلك الوجود الذي لم يستطع العالم تجاهله"

:-أنتم...أبي!"

للحظة هدأ المكان وتوقفت المعركة للحظات، ثم تدفق تيار من الطاقة السحرية من جسد قاسم، وتبدد الختم الذي وضعته السيدة بشائر، وتغير لون عينيه لتصبح سوداء وكأن الظلام الحالك يعتبر لوناً رماديا بالنسبة لسواد عينيه، وأما عن جسده فقد أصبحت الهالة المحيطة به كثيفة جداً حتى أن الشرر يتطاير منه، فقد كانت الطاقة السحرية الممزوجة بدرع الهالة تطلق شرارة كهربائية وكأنها برق حقيقي، تخرج من جسده وتتجه للأرض ثم تختفي، كان المشهد مهيب، ولم يستطع الرجل ذو اليد الواحدة التحرك من مكانه، شعر وكأن خيوطا ذهبية تقيد قدميه، أحس بالموت...

ثم اختفى جسد قاسم وبقي ظله فقط، ظن الرجل بأن قاسم خلفه، أدار رأسه ليرى ولكن نظره بدأ يسقط للأسفل، قُطع رأسه ومات وأما البقية فقد هاجت طاقتهم ثم توجه أحدهم ليقضي على قاسم الذي خارت قواه وسقط بعد تلك الحركة وذلك الجهد الذي وضعه على جسده، فقد قرروا القضاء عليه وأخذ نواته السحرية...

والآخران قد استخدما كل طاقتهم لإيقاف الرجل المسن من الذهاب لنجدة قاسم...

في تلك الأثناء كان منير يتناول الطعام مع أسرته ولسبب ما كان القلق باد على وجهه، وكذلك بشائر كانت تخبره بأنها تشعر وكأن شيء يحدث بيد أنها غير متأكدة، ولكن ما حدث هو أنهما التقطا إشارة سحرية ميزها منير ثم همس لبشائر..

:- قاسم في خطر، احمي ميار"

كانت كلمات قليلة ولكنها كفيلة بإحداث الضجيج بداخل بشائر فقد أرادت الذهاب بنفسها لولا أن ابنتها كانت حاضرة فقد خافت أن يصلها الضرر، أومأت رأسها بالموافقة...

تحرك منير من مكانه ثم أخذ سيفه، لم يظهر أي علامة تدل على الخطر لكي لا تقلق ميار، الجاهلة بكل ما يحدث وما دار بينهما أصلاً، وبعدما خرج من المنزل انطلق بسرعة رهيبة، وما إن وصل حتى رأى أحدهم يوجه سيفه إلى عنق قاسم...
-
-
-
-
-
-


2021/02/16 · 100 مشاهدة · 1078 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024