فجعت ميار بالطريقة التي دخل بها منير لمنزله وهو يحمل قاسم بين يديه، لم تتحرك من مكانها بل كانت خائفة أن يكون أصابه شيء؛ لأنها لم ترى قاسم بهذه الحالة من قبل، فقد كانت ملابسه مصبوغة بالدماء، شهقت ثم تقدمت قليلاً لترى حالته ولكنها توقفت بعدما سمعت امها تردد تعويذة الشفاء، أطلقت من يدها هالة سحرية ذات لون أزرق فاتح تحمل الدفء فيها، أحاطت به... ثم تنهدت بشائر بأريحية فقد فحصت حالته وكان على ما يرام، بالرغم من تضرر أوعيته بسبب استخدامه للسحر بتلك الطريقة ولهذا طلبت من منير أن يأخذه للسرير حتى تبدأ بعلاجه، وبينما هما متجهين للسرير لعلاجه، ربتت بشائر على ميار ثم تحدثت بلطف :- لا تحزني يا صغيرتي، سيكون بخير"

بالرغم من اللطف والأمان الذي صدر من كلمات أمها ولكن كيف لا تخاف أو تشعر بالقلق، فقد كان هذا صديق طفولتها وأعز أصدقائها، هو الذي اتخذته سنداً لها، والآن بعدما اكتملت الفرحة بدخولهم للمدرسة السحرية ورسموا المخططات معاً، تراه هكذا وكأنه جثة لا حياة فيها، وتلك الدماء التي عليه، كانت تخص من؟ وماذا حدث بالتحديد؟...

أسألة كثيرة انهالت عليها ثم بدأ السيناريو الأسوأ في عقلها، حاولت تهدئة نفسها، جلست على الكرسي ثم وضعت يدها على فمها، كادت تصرخ من الخوف بسبب الأفكار الكثيرة والتساؤلات التي غزتها...

وبعد مدة خرج منير ورأى ميار تلك على الحالة، داعب خصلات شعرها ثم حضنته بقوة ولم تستطع كبح نفسها أكثر من هذا، أجهشت بالبكاء وأخذ يربت على رأسها ثم أخبرها عن حالة قاسم وأكد لها أنه بخير ولكنه يحتاج للمزيد من الراحة فقط، ثم توقفت عن البكاء ونظرت في عينيه...

حدق والدها في عينيها اللتان اكتساهما اللون الأحمر، ثم جثى على ركبته وقبل جبينها.. تحدثت ميار بصوت خافت :-الدماء!"

استوعب منير بأنه لم يوضح لها بأن تلك الدماء لا تخص قاسم أبداً ولهذا ابتسم ثم أخذها لرؤيته بعدما أخبرها بأنها كانت دماء العدو.

بقيت ميار تحدق في قاسم بينما تعالجه بشائر، كانت تريد المساعدة بشيء ولهذا بدأت بمسح العرق من وجه أمها...

لم تكن إصابته خفيفة وليست تهدد حياته، ولكنها قد تتسبب في انتكاسة له ولن يستطيع ممارسة السحر مرة أخرى وسوف يجبر على أن يستخدم السيف فقط، وهذا يعني أن كمية الطاقة التي كانت لديه ستذهب في مهب الرياح...

لم تفتح بشائر عينيها لمدة ساعتين، كان تركيزها هائل وإصرارها لا يعلى عليه أبداً، بدأت تعالج كل الأوردة المتضررة، لم تترك شيء في جسده إلا عالجته، وبعد مرور مدة فتح قاسم عينيه، لم يدرك في البداية ما كان يحدث وأراد النهوض، بيد أن جسده لم يستجب له، أحس بثقل شديد، ثم أمره منير بأن لا يتحرك حتى تخبره بشائر بهذا ثم أخذ يشرح له كل ما حدث، على الأقل منذ اللحظة الي وصل فيها، وبعدما استوعب الفتى وضعه، تنهد بحزن...

:- لا زال ينقصني الكثير" ثم نظر للأعلى وكأنه ينظر إلى الفضاء، يتخيل اليوم الذي يقف فيه على قمة القارة.

انقضت مدة على هذه الحادثة واستعاد قاسم عافيته تماماً وما إن استعادها حتى بدأ يتدرب كالمجنون مرة أخرى، وفي صباح أحد الأيام وقبيل نهاية المدة المحددة لهم من المدرسة السحرية، تحدث حكيم مع منير ليأخذ قاسم معه في رحلة تدريبية لمدة غير معروفة ولكنها ليست أقل من سنة، وهذا بسبب مكانته وأهميته، كما أنه يجب أن يكون أقوى وأقوى، وأما عن المدرسة، فقد أخبرهم حكيم بأنه لا داعي للخوف، سوف يلتحق بها حين رجوعه مباشرة ويكمل معهم المنهج وكأنه كان بينهم.

من ناحية فرح قاسم، سيصبح أقوى، سوف يقترب من حلمه أكثر وأكثر، سيقتحم عقبات كثيرة ويتجاوز الكثير ممن هم في جيله بمستويات عدة، ومما زاد حماسه ورفعه إلى الحد الأعلى، كان فضوله، انتابه الفضول عن هوية حكيم، وكيف يعرفه ولماذا كان يحميه ويراقبه، ومالسبب الذي دفعه لتدريبه وإنفاق الكثير من الجهد في سبيل تنميته، تساؤلات كثيرة وعلم بأنه لن يحصل على إجابة إلا إذا اتبعه وأطاع أمره... وأما من ناحية أخرى شعر بالحزن لأنه سوف يفارق صديقة طفولته ولن يتدرب معها وأيضاً لن يستطيع مقابلة يزن، صديقه الجديد، وبالرغم من كل هذا، صنع ابتسامة كبيرة على وجهه، تعكس شدة حماسه لاكتشاف المجهول وللمغامرة الجديدة.

وبالنسبة لميار كان الخبر صدمة وكيف لا يكون كذلك كانت متحمسة جداً لتبدأ بجانبه، يداً بيد، وضعت الكثير والكثير من الخطط...

في الحقيقة كان هو الدافع الأكبر لدخولها، سوف يكون بجانبها في نفس الفريق للمهام الخارجية، حتى في غرفة الدراسة قد يدرسان بجانب بعضهما البعض ويتدربان معاً، والآن تلاشت هذه الخطط كلها وتبعثرت.

كان وداعاً مؤلما لبشائر ومنير وابنتهما ميار ولقاسم بالطبع، ولكنهم تقبلوا هذه الفكرة لمستقبل أفضل ولقوة أكبر ونتائج مبهرة.

بقيت ميار تحدق فيه حتى اختفى ثم أجهشت بالبكاء ولسبب غريب توقف بكائها، هكذا فجأة تغيرت حالتها النفسية تماماً، ووقع والديها في حيرة من أمرهما، ولو أنها استمرت في صراخها أكثر لتحققوا من حالتها العقلية، ولكنها نطقت ببضع كلمات وهذا أوضح سبب صراخها

:-سوف أجعلك تتمنى لو أنك لم تذهب في رحلتك هذه أيها الأحمق الغبي، أقسم بأن أجعل الفضول يكتسحك حتى تشعر بعجزك وضعفك، فلم تلقب بسيد الفضول من فراغ"

2021/02/28 · 94 مشاهدة · 778 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024