كانت ميار تستمع إلى المحاضرة التي يلقيها البروفيسور وبعد مدة تنهدت وكأنها بدأت تشعر بالملل ثم تغيرت ملامح وجهها كلياً حتى لاحظها البروفيسور...

:-ميار!" نطق اسمها بتعجب على التعابير التي ظهرت في وجهها بالرغم من انتباه جميع التلاميذة وحماسهم، فلم تكن هذه المرة الأولى التي تفعلها خلال الأشهر المنصرمة، ولكن تعابيرها زادت هذه المرة لدرجة أن من يراها يقسم أن الدروس لم تعد تفيدها وتفكر بأي طريقة لقتل الملل...

:-آه... نعم أيها البروفيسور"

:-تركتكِ على راحتكِ بحكم أن مستواكِ مرتفع يا ميار ولكن هذا لا يعني أن تظهري هذه التعابير على وجهك"

:- أعتذر حقاً، لم أقصد شيء"

:- أخبريني إن كانت طريقتي مملة أو أن الدروس لم تعد تفيدك"

:- تعطيني الأمان وأخبرك بكل ما في خاطري؟"

تردد في البداية على الموافقة، فإن وافق على شرطها فهذا يعني أنه لن يقول لها شيء ولا يحق له معاقبتها على كلامها، وفي النهاية استسلم ووافق...

:-حسناً"

:- في البداية كنت متحمسة جداً؛ لأني سوف أتعلم أشياء جديدة ولكن مع مرور الأيام أحسست وكأن الكلام يتكرر أكثر من مرة، وكأنك تقول في كل يوم واحد واحد وتكررها هكذا، وبصراحة لم أقصد شيء ولا يحق لي الانتقاد أو الكلام ولهذا استمعت بصمت فقط"

:-غريب... ولكني متأكد من تنوع المحاضرات واختلافها وإضافة أشياء كثيرة"

:- لا أقصد بأن كلامك هو الذي يتكرر ولكني درسته من قبل وحفظته عن ظهر قلب"

:- من سرب لك كل هذا؟" زادت حدة صوته كثيراً، لم يكن من المسموح تسريب المحتوى أو اتخاذ معلم خاص من هذه المدرسة مهما كان نسب الطالب أو مكانته الاجتماعية.

:- لم يسربه أحد وكان اجتهاد شخصي، أقصد أن من علمني كان هذا من اجتهاده الشخصي فقط"

:- سوف أتحقق من هذا بعدما ننتهي، وعلى كل حال، بما أن الدروس النظرية لم تعد تفيدك، أريد منك أن تصبري قليلاً ثم سوف ندمجها بدروس عملية وهكذا سوف يختفي الملل عنك"

:-فكرة ممتازة، شكراً لك أيها البروفيسور وأعتذر مرة أخرى"

:- لا عليكِ، وعلى كل حال انتهت محاضرة اليوم"

وما إن خرج البروفيسور حتى بدأ الطلبة بالحديث

"كم أنتِ مذهلة أيتها الأميرة"

"تألقك سحر حتى البروفيسور"

"كنا نظن أنكِ جميلة فقط ولكن يبدو أن عقلك وجمالك واحد" وهكذا استمر الجميع بمدحهم لميار وأغلبهم أخذ يناديها بالأميرة، بسبب جمالها وأسلوبها في الحديث، وكل شيء فيها كان يعطيهم هذا الشعور بأن تكون أميرتهم، ولأنها اعتادت على سماع هذا الكلام، التفتت إليهم وعلى وجهها ابتسامة تدل على براءتها ثم خرجت من القاعة بكل أناقتها وكأن شيء لم يحدث...

بعد خروجها التقى بها أحد المشرفين وأخذها إلى مكتب المدير.

**

وفي الجانب الآخر كان قاسم يتأمل ويسترجع كل القتالات التي كانت ضد حكيم وخسر فيها بالطبع، أخذ يدرس جميع التحركات ويحاول ابتكار طرق جيدة للمناورة والهجوم... حتى وإن كان جسده قوي ومدرب فإن عقله كذلك يحتاج للتدريب حتى تكون ردوده طبيعية بلا تكلف، ليكون تفادي الضربات مثل شرب الماء بالنسبة له، ثم صرخ فجأة... :- آه لقد تعبت، لا أستطيع أن أكمل"

ثم أخذ يبحث عن حكيم ولكن بدون فائدة، فقد كان يريد استغلال الشهر وسؤال حكيم عن كل شيء وتفريغ ما في عقله، وفي النهاية لم يجده ولم يجد حتى شيء يقوده إليه، وأخذ ينظر في المكان المحيط به، كان الشلال على يمينه والغابة محيطة به والكهف خلفه، والآن بما أن مخزون الطعام انتهى، قرر الخروج للبحث عن شيء يصطاده وهذا العذر الذي جهزه لمعلمه...

توغل في الغابة وبدأ يبحث عن فريسة يصطادها أو وحش يقاتله، مر الوقت حتى كاد يجن فلم يرى شيء غير الوحوش المفترسة المتجمعة ولسبب غريب لم تهاجمه بل كانت تبقي نفسها بعيدة عنه مسافة كبيرة وكلما اقترب من حد معين ابتعدت أكثر، وأما قاسم لم يستطع مهاجمتها أبداً مخافة أن تحاصره وتقضي عليه، حتى وإن كان يريد اختبار قوته، فلم يكن مستعداً لرمي نفسه في الهاوية... لم يتبقى على اختباره سوى بضعة أيام وكان يريد اختبار قوته، وفي النهاية قرر العودة لكي لا يتضرر ويصاب مما يجعله يفشل في الاختبار ويغضب معلمه لأنه عصى أوامره وهاجم الوحوش...

وصل لمدخل الكهف وشعر بهالة غريبة بداخله، استل سيفه وأخذ يمشي ببطء حتى لمح كلب ذو رأسين، واستعد قاسم للمهاجمة ولكنه رأى وحشين آخرين وكان المجموع ثلاثة كلاب متوحشة، وكان يريد نشر هالته بيد أنه تذكر التدريب وعليه ألا يستعمل شيء يخص السحر، بل يمضي بقوته البدنية، بدأ يراقب الوحوش وبعدما تيقن أنه لا وجود لغيرها، تسلل للوحش الأول وهاجمه بغتة وقطع الرؤس الثلاثة بضربة واحدة، ومن شدة الضربة دفن نصف السيف في الأرض، ذهل قاسم من قوة ضربته ولم يتوقع أن تكون النتيجة هكذا، زادت ثقته بنفس وانطلق باتجاه الوحشين وقضى عليهما بتلويحات سريعة دون أن يبذل جهداً يذكر ثم سمع أحدهم يصفق من مدخل الكهف...

:- أصبحت تثق بقوتك وخالفت القانون الأول، وغادرت المنطقة المسموح بها ودخلت الغابة"

:-معلمي، أعتذر لم أقصد هذا ولكني شعرت بالجوع ولهذا السبب دخلت الغابة"

:- أمرتك باصطياد السمك، لا تقل لي أنك نسيت هذا؟"

:-آه.. حسناً...أنت تعلم يا معلمي كنت آكل السمك فقط ولمدة طويلة وأما اليوم قررت تغيير نوعية الطعام"

:- بما أنك تريد تغيير نوعية الطعام، سوف أساعدك لا تقلق يا فتى!"

ثم اقترب من قاسم ولمسه وبعدها ظهر ضوء ذهبي من جسده..

:-لهذا السبب يا قاسم كانت الوحوش تبتعد عنك ولم تهاجمك، كنت قد وضعت عليك تعويذة خاصة ولم تكن لها فائدة بداخل الكهف وتعمل خارجه فقط، ولكنها تمنع الوحوش من دخوله إن كنت أنت بقربه أو بداخله، والآن أزلتها عنك"

:- وأنا كنت أتسائل لماذا لا تأتي الوحوش لهذه الجهة، ظننتها خائفة منك فقط"

:- دعنا ننهي هذه المحادثة هنا، سوف أساعدك لتأكل شيء آخر غير السمك، لا تسقط"

ظهر صحن صغير تحت قدم حكيم وبدأ يرتفع في الهواء، وقاسم المسكين كان يصرخ من الخوف والحماس، فقبل أن يطير حكيم، ضرب قاسم بقوة مما أفقده طاقته مؤقتاً ثم سحبه لخارج الكهف وبعدها طار وأمسكه من قدمه وبقي في الجو بهذه الطريقة...

طار حكيم باتجاه الغابة بينما هو ممسك قاسم من قدمه ثم توقف فجأة...

:- سوف أمدد إجازتك يا قاسم، وخذ راحتك في طعامك الآن، وعليك أن تعلم عقوبة مخالفة القوانين التي أضعها، واسمعني جيداً، إن رأيتك تقترب من الكهف سوف أعيدك من حيث أخذتك ولن أعلمك شيء بعدها"

:- مهلاً، انتظر أرجوك لم أقصد مخالفة أوامرك يا معلمي، وسوف يتحطم جسدي إن رميتني من هذه المسافة.. سوف أطيعك في كل شيء ولا أسألك الكثير إن كنت لا تحب، ولكن لا تفلتني أر....."

:-حسناً... أراك بعد شهر!"

أفلته دون اعتبار، حتى جفنه لم يرمش، ثم اختفى تماماً بعدما سقط قاسم على الأرض!.

- - - - -

2021/03/21 · 100 مشاهدة · 1022 كلمة
Ibrahimus
نادي الروايات - 2024